السخرية من الحياة، هل هي طريق للسعادة أم للمعاناة ؟

لستُ من مؤيّدي المدرسة الكلبيّة على الإطلاق. لكنّني على الرغم من ذلك، أرغب دائمًا في الاطلاع على أفكارها من باب الفضول، حيث أنها تمثّل لي تجربة أدبيّة رائعة. وأعني بالأدبيّة هنا هو أن روحها المستعارة تمثّل روحًا أدبيّة.

وفي سياق رفضي لها، فأنا لا أستوعب الأمر بصراحة. إن السلوك القائم دائمًا على السخرية في المدرسة الكلبيّة يصدّر نفسه كحلٍّ مباشرٍ للمشكلات. لكن في المقابل، لا أرى على أرض الواقع أن حلول المدرسة الكلبيّة شافية بالقدر الذي تعبّر به عن نفسها، فهي تعمّم فلسفة فرديّة مثل السخرية والعدميّة بشكل جمعي، وكأن التشابه في تناول الحياة ككل بين البشر أمر مضمون.

إلى أي مدى يمكن أن نطبق السخرية في واقعنا العربي اليوم؟

لم يعد الأمر كسابق عهده في الوقت الحالي. أرى أن العالم العربي قد وقع بأكمله تحت براثن السيطرة على المنصّات الفنّية والإعلاميّة، ممّا جعل من الكوميديا الأداة الأكثر سخافةً ورداءةً في رأيي، بعد أن كان مستواها يتمتّع بجودة عالية للغاية.

وهل يمكن للضحك فعلا أن يغير وضعنا للأحسن؟

بالتأكيد. فالفكاهة بصفة عامة منذ قديم الأزل تمثّل أدوات فعّالة للغاية. لكنّها أدوات لإيصال المفاهيم، لا أدوات يمكن توظيفها لمواجهة الحياة.

تختلف طريقة النظر لذلك المفهوم باختلاف مواقفنا وظروفنا وباختلاف أهدافنا وطريقة تعاملنا مع أوجاعنا ومشاكلنا وتتأثر بالخلفية الثقافية والشخصية والتجارب الحياتية، فكل منا يجد سبيله للهروب وربما هذا طريق هروب للكثير.

لذا، قد يعتبر البعض السخرية من الحياة والأحداث المحيطة بها وسيلة للتخفيف والتسلية. يرون أن القدرة على النظر إلى الجانب المضحك في الأمور يساعدهم على التغلب على المواقف الصعبة والتوتر ويضفي جوًا إيجابيًا على حياتهم.

بالمقابل، يمكن أن يرى البعض السخرية كآلية للتعبير عن السخط والانتقاد والتجاهل للأمور الجادة والتحديات الحقيقية. قد يعتبرون أن السخرية تقوض الجدية والتعاطف وتؤدي إلى تعكير الأجواء وتقوية الانقسامات الاجتماعية.

لذا، يمكن للسخرية أن تكون مسلية ومفيدة بالنسبة لبعض الأشخاص وتكون مزعجة ومؤلمة بالنسبة لآخرين.

غريبة الحياة، حيث منّا من يرى الحياة مليئة بالبهجة والحب والجمال ويختبر روعة الطبيعة وحب العائلة والأصدقاء، ومن ناحية أخرى فإن الحياة مليئة أيضاً بالألم والخسارة وخيبة الأمل. نختبر موت الأحباء وحزن الحب غير المتبادل والإحباط من الفشل. أعتقد أنّ الجواب الصحيح على سؤال حضرتك هو كلاهما. الحياة جيدة وسيئة، سعيدة وحزينة، مُنيرة ومظلمة. وهذه المفارقة هي التي تجعل الحياة ممتعة للغاية وتستحق العيش فيها، ولذلك سخريتنا قد تأخذنا أحياناً إلى هذا الطريق وأحياناً إلى مُقابله. الخيار لنا دائماً، هُناك من يسخر ليعمر الأرض، نسمّيه في مجتمعاتنا أحياناً النقد البنّاء الذي أعتقد أنّ أيمن زيدان مثلاً في مسلسلاته القديمة برع ببلورته، وأحياناً قد تكون السخرية وقد يكون الضحك مساحة للعذاب أكثر كما صار مع الجوكر الذي كان بتأدية المُبدع خواكين فينيكس.

ما يعجبني في حكمة اليونان الأقدمين أنهم تقريباً لم يتركوا موضوع إنساني إلا و بحثوا فيه ونظرو له. فمن أول المدرسة الملطية وومن قبلهم جماعة الفيثاغوريين مروراً بما بعدهم حتى العصر الهلينستي و الروماني، قد تم تناول معظم الأفكار التي تتعب البشرية وهناك حلول لها و تنظيرات دقيقة تعجبني. وتعجبني فلسفة ديوجين و كذلك تعجبني فلسفة أبيقور وكذلك فلسفات أخرى وكلهم متقاربين حتى أنك قد لا تجدين كبير اختلاف بينهم إلا فروقات دقيقة.

·      التعقل الزائد وأخذ الأمور بجدية هو السبب الأول في الألم والمعاناة

نعم، أومن بذلك أشد الإيمان. فليس الحياة من المنطق الصارم بحيث تأتي كما نتوقعها. فلابد أن نضع هامش للا معقول وللخيانة ممن وثقنا فيهم و الحكمة ممن لم نعرفهم إلا مجانين و الجنون ممن لم نعرفهم إلا حكماء وهكذا الأشيا و أضدادها!! وأنا برأيي ما يحدث في الحياة يفوق الخيال أي خيال. وبالفعل، حينما نعتقد أشد الإعتقاد ونحب أخلص الحب ولا نضع هامش لعكس ذلك ونقيم حياتنا على المنطق الصارم و نقول أنها طبيعة الأشياء فإننا نكاد نجن ونحزن أشد الحزن حينما تخيب اعتقادتنا و مواضع حبنا. وقرأت من فترة كبيرة ان المازني كان من أشد الكتاب سخريةً لأنه كان يسخر حتى من نفسه ويضحك عليها ويتندر قبل أن يضحك و يتندر عليها غيره فأعتقد أنه أحد الكلبيين بهذا التعريف.