لاشك بأنّ السعي وراء السعادة جزء أصيل من وجودنا الإنساني، حتى أن توماس جيفرسون أعلن في الدستور الأمريكي أنه حق أصيل لا يمكن حرمان البشر منه. ربما يريد كل منا الاستمتاع بالحياة لأقصى حد وأن يصل في ذروتها إلى سعادة بدون شقاء أو ألم، ربما لهذا اخترع البشر منذ الماضي البعيد للحضارات فكرة الجنة والنعيم الأبدي ولهذا كتب توماس مور عن اليوتوبيا. 

حسنًا لكن نيتشه يعارضنا في هذا ويرى أن البشر لا يريدون السعادة بذاتها بل يرى أننا يجب أن نبحث عن المعنى، وهذا ما يفعله الإنسان الأعلى الذي يخلق معنى من وجوده ومبررًا لحياته كل يوم. نيتشه كان أحد القلائل الذين على استعداد لتحمل معاناة عظيمة باسم هدف وضعوه لأنفسهم، مثل نيكولا تيسلا الذي صرح بأن عزوبيته كانت ضرورية لعمله لكنه لم يتوقف عن الشكوى من شعوره بالوحدة. هل فان كوخ كان سعيدًا وهو يرسم لوحات لن يشتريها أحد، يضرب بفرشاته ومعدته خاوية إلى أن ذهب نحو ربيعه الخاص، هل يمكن وصف حياة نيتشه نفسه بالحياة السعيدة وهو الذي عانى من الرفض العاطفي والوحدة وأمراض المعدة وانتهى بالجنون. هل هذه سعادة؟

 لو أرادت هذه العقول العظيمة السعادة بذاتها فهل كانوا سيفعلون ما قد فعلوه؟ نيتشه يجيب على هذا السؤال بالنفي. فبدلًا من السعادة، اختاروا أن يسعوا وراء المعنى ووجدوه. هذا ما يريده البشر في الحقيقة.

ما مدى استعداك للمعاناة؟ هل السعي وراء السعادة يجلبها حقًا أم أنها ركض محموم نحو اللاشيء، نحو وهم ما إن تمسكه حتى ينفلت ولا يتبقى منه شيء؟