في هذا العالم المتغيّر، يبقى سؤال الهوية من أكثر الأسئلة تعقيدًا وإثارة للتأمل:

هل الإنسان يخلق هويته بنفسه؟ أم تُفرض عليه منذ لحظة ولادته؟

الهوية ليست قالبًا واحدًا، بل هي مزيج متداخل من الطباع، واللغة، والبيئة، والعادات، والتقاليد، والمعتقدات الدينية. بعض هذه المكونات نولد بها، كصفاتنا الوراثية وطباعنا الفطرية، بينما البعض الآخر نكتسبه عبر الزمن، من خلال التنشئة الاجتماعية والتجارب الشخصية.

غالبًا ما ينشأ الإنسان داخل مجتمع يحدد له شكل حياته: كيف يفكر، كيف يشعر، وكيف يتصرف. يتبنى عادات لم يخترها، ويمارس طقوسًا لم يسأل نفسه يومًا عن معناها. ثم يدافع عنها بقوة، وكأنها جزء أصيل من ذاته، لا يمكن التخلي عنه.

وهنا يأتي الدين، لا بوصفه مكونًا ثقافيًا فقط، بل كقوة توجيهية تعيد ترتيب هذا الخليط، وتمنحه منطقًا ومعنى. الدين في جوهره يُنظم هذه الموروثات، يفرز الصالح منها، ويُهذّب سلوك الفرد ليتماشى مع قيم إنسانية أعلى.

الإنسان إذًا، ليس نتاج اختيارٍ محض، ولا ضحية حتمية للموروث. بل هو كائن يسير في طريقٍ معقد بين ما وُرّث له وما اختاره بنفسه.

هو خليطٌ حيّ من الجينات والقرارات، من الفطرة والوعي، من الداخل والخارج.

ولذلك، لا يمكن الحديث عن هوية واحدة ثابتة، بل عن ذات تتشكل باستمرار، تبحث عن المعنى في عالم يتغير، وتعيد تعريف نفسها كلما أدركت جزءًا جديدًا من حقيقتها