كلنا نسمع عبارة " ضرورة الخروج من منطقة الراحة" وأن علينا العمل مهما كان ذلك مؤلما ومتعبا، هذا ما يجعلنا في صراع دائم مع أنفسنا العميقة، فنحن لا نريد الألم ولا المعاناة، وأكثر ما نطمح له هو أن نكون حاضرين في العالم بوجودنا المتميز وسعادتنا الخاصة بعيدا عن التقلبات والآلام التي تسببها لنا الحياة، لذلك نبقى نتخبط بين ما يجب أن نفعله وما نفعله فعليا، لسبب بسيط جدا، وهو أن حلمنا في تحقيق السعادة التي نشرئب إليها مُعلق على الأفعال التي نظنها توصلنا إليها، فنجد شخصا ما يظن أن راحته ومتعته في العمل فيجد فيه حياته وذاته ، وشخص أخر يرى أن العمل شقاء وألم فيفعل كل ما بوسعه كي يتحرر منه، وهنا يبرز السؤال الأهم، ما العلاقة بين السعادة والمتعة؟ مالفرق بينهما؟ هل علينا أن نبحث عن السعادة أم عن المتعة؟
في عبارة شيقة جدا لسلافوي جيجك يقول فيها" السعادة مسألة غير أخلاقية" ، فمسألة تحقيق السعادة هي مجرد فكرة أيدولوجية لا أكثر، إن البشر في ذواتهم السحيقة لا يريدون السعادة حقا ، ولا يرغبون فيها فعليا، بل يريدون اتباع ما يحبون ويتمتعون به، فهم مستعدون للمعاناة من أجل ما حبونه ولو تمكنوا منه بدون معاناة لما رغبوا فيه أصلا، فالكاتب الشغوف بالكتابة مثلا يعاني باستمرار في البحث والقراءة ويتعب ويتألم ويموت ويولد من جديد مع كل نص جديد يكتبه لكنه مع هذه المعاناة يشعر بالمتعة الغامرة ويتلذذ بها، يقول جيجك في مثال أوضح، أن علماء الكمياء مثلا يعلمون جيدا حجم المخاطر التي تواجههم لكنهم لا يأخذون بالاعتبار احتمالية موتهم بسبب الإشعاع أصلا، لأن شغفهم بما يعملون ومتعتهم به أعلى من مخاوفهم وآلامهم الجسدية . هنا فقط تكون المتعة الحالمة والشغف أهم من السعادة وأكثر أخلاقية منها، لأنها تضحية من أجل ما نراه يستحق فعلا.
الأهم من هذا في رأي جيجك أننا لا نريد الحصول على ما نعتقد أننا نريده فعلا، وأن السعادة التي نطمح لها سرعان ما تتبين أننا لا نريدها أصلا، أليس كثيرا ما كنا نظن أننا سنصل لقمة السعادة إذا حصلنا على وظيفة أو سيارة أو هاتف أحلامنا، وبعد امتلاكه يختفي الشعور تماما وندرك أنه كان مجرد هباء؟ والامر ينطبق على الزواج والصداقة والعمل...وكل شيء نعتقد انه سعادة.
إذن في رأيك: هل فعلا الحلم والشعف أهم من السعادة؟ كيف للركض وراء سراب السعادة أن يقتل الشعف والمتعة ؟ اخبرنا عن تجربتك مع الشعف وطريقة استمتاعك به؟
التعليقات