إن قيمة وجودنا في الحياة بقدر من نجده فيها من سعادة، وهذه السعادة تتعدد أسبابها بين راحة البال والرضا والقناعة والعمل الممتع والاحساس بالاهتمام والتفاف القلوب المخلصة والصداقات الطيبة، وهناك جانب للسعادة يغفل عنه الكثيرون، وهو البحث عن إسعاد الآخرين فهو من أهم الأسباب التي تقود نحو الحصول على السعادة.
وإسعاد الآخرين من أهم أعمال الخير التي تجلب محبة الناس وراحة الضمير، وتجلب لنا سعادة لم نكن نتوقعها، وإسعاد الاخرين تتعدد صوره واشكاله فمن مظاهره: فك كرب المكروبين ومساعدة المحتاجين، وإدخال السور على الناس بالمساعدة على تخطي الصعاب، وبشاشة الوجه وتقديم المعروف، والاحسان ،والكلمة الطيبة، وإلى غير ذلك من أوجه البر ، ولو قدم الإنسان هذا الخير لغيره ابتغاء مرضاة الله؛ فسوف يجد أبوابا عظيمة للسعادة تفتح أمامه لم يكن يعرفها أو لم يكن يتوقعها.
خرج أحد الصيادين في الصباح حاملا شبكته على كتفه، وقد ترك زوجته وابنه الصغير يبكون من شده الجوع، فلم يدخل الطعام بيتهم منذ يومين، كانت علامات الحزن تكسو وجه الرجل وهو يسير في الشارع متجهاً نحو شاطئ البحر ،كان أحد الحكماء يجلس أمام بيته عندما مر عليه فرأه مهموماً حزيناً فسأله : ماذا بك ؟ولماذا يبدو عليك الحزن والهم ؟ فرد الصياد إن ظروف المعيشة وضيق الحال مع عدم وجود طعام في البيت منذ يومين، وحكى له عن حال زوجته وابنه اللذين أضناهما الجوع .
رق الحكيم لحاله فخرج معه الى البحر، ودعا الله تعالى، وقال: بسم الله، وأمر الصياد ان يلقي شبكته؛ فإذا بالشبكة تمسك بسمكة كبيرة، فرح الصياد بها جداً، فأمره الحكيم أن يذهب إلى السوق، ويبيعها ثم يشتري لزوجته وابنه الطعام، وبالفعل ذهب الصياد إلى السوق واشتري فطيرتين باللحم لزوجته وابنه، وفي الطريق تذكر الرجل الحكيم فقال لنفسه:" إن هذا الحكيم يستحق ان يأخذ فطيرة من هاتين الفطيرتين؛ فقد ساعدني في الحصول على السمكة"، فذهب إليه، ولكن الحكيم نظر إليه مبتسماً، ثم قال: "ولو أخذنا جزاء المعروف ما خرجت السمكة من البحر، اذهب واطعم زوجتك وابنك"
في الطريق وجد الصياد امرأة مسكينة معها طفلة صغيرة تصرخ، فسألها عن سبب بكاء الطفلة فأخبرته أنهما لم يتذوقا طعم الأكل منذ ثلاثة أيام فقال لنفسه: إنهما تستحقان الفطيرتين فأعطاهما الفطيرتين، ثم عاد إلى بيته، وهو يفكر كيف سيطعم زوجته وابنه؟ ، وعندما وصل إلى بيته وجد رجلاً يحمل صرة كبيرة من الاموال يسأل عنه، تعجب الصياد من سؤال هذا الرجل الغريب، فإذا بالغريب يخبره انه منذ زمن بعيد استدان ثلاثين ألف دينار من والده، وسافر بعيداً قد عاد اليوم ليرد الدين لأصحابه، ابتسم الصياد فقد تحول في لحظة إلى أغنى أغنياء المدينة وتذكر كلام الحكيم:" لو نظرنا الى مقابل المعروف ما خرجت السمكة من البحر"
إن قيمة العطاء لا يعرفها إلا من يعطي بدون مقابل، ومن يسعى لإسعاد الناس يجد السعادة حتما.