مرحباً يا أصدقاء!
ألاحظ في الآونة الأخيرة أن مجتمع الشعر غارق في خمولٍ واضح نوعًا ما، وبالطبع هذا لا يروق لي.. فكما أن الشعر يحبّ أن يعيد الحياة إلى قلوبنا، إنني اليوم هنا لأستبدل الأدوار وأحييه بمساهمة شعرية لطيفة تكون بمثابة قطعة الحلوى الخاصة بهذا اليوم!
ليست الأَحلام في حال الرضا
إِنَّما الأَحلام في حالِ الغضب
هذه الأبيات أعلاه للشاعر الكبير مسكين الدارمي، وهو من الشعراء الأمويين الذين عاصرواْ كبار الشعراء مثل الفرزدق، في الحقيقة لست هنا لأناقش معكم الأبيات هذه المرة كما هي عادتي، بل سيكون حديثنا اليوم عن الشاعر نفسه.. عن مسكين أعني.
ولكنه ليس بمسكين!
ربما خمن البعض منكم أن مسكين ليس باسم شاعرنا إنما هو لقب التصق به كما ارتبط بشعره، فشاعرنا اسمه الحقيقي هو ربيعة بن عامر التميمي، ويقال بأن سر تلقيبه بهذا الإسم، أي مسكين، بسبب حاجة طرأت عليه فطلب العون من قومه حتى سُمِّي مسكيناً فيما بعد
وجاء في "المذاكرة في ألقاب الشعراء" (1 / 6)، ومنهم مسكين الدَّارمي، واسمه ربيعة بن عامر، وإنَّما سُمِّي مسكينًا؛ لأنَّه احتاج، فسأل أهله وعشيرته، فأعطوه، وسَمَّوه مسكينًا. "الألوكة"
وهناك رواية أخرى لا أعلم مصدرها تقول بأن سبب هذا اللقب هو أبيات كتبها يقول فيها:
أَنَا مِسْكِينٌ لِمَنْ يَعْرِفُنِي
لَوْنِيَ السُّمْرَةُ أَلْوَانُ الْعَرَبْ
باختلاف رواياتها، وعمومًا التصق هذا اللقب بصاحبه شرّ التصاق فلم يدع لاسمه الحقيقي فرصة للظهور قطّ، وفي ذلك يقول الدارمي:
وَسُمِّيتُ مِسْكينًا وَكَانَتْ لَجَاجَةً
وَإِنِّي لَمِسْكِينٌ إِلَى اللهِ رَاغِبُ
وكلنا مساكين هاهنا..
الألقاب في الشعر العربي كثيرة، منها ما علمت أسبابها، ومنها مالم تبِن لنا، ومنها ما اختُلِف فيها، وكثير من الشعراء لم يُعرفوا قط بأسمائهم إنما عُرفوا بألقابهم، لعلّ أبرزهم المتنبي الذي خرجت عدد من الروايات المتباينة حول سرّ هذا اللقب لأشهر شعراء العرب وأشعرهم، فالبعض يدعي بأنه قد ادّعى النبوة في فترة من فترات حياته، والبعض يعزو السبب إلى أبيات شبه فيها نفسه ببعض الأنبياء، أما أبو العلاء المعري فله تفسير آخر -أرجحه وأميل إليه- فيقول في كتابه رسالة الغفران:
"أن المتنبي كان إذا سُئِل عن سبب تسميته بهذا اللقب أجاب: هو من النبوة، أي المرتفع عن الأرض"..
وبالحديث عن الألقاب لا ينبغي أن نفوّت الشعراء العشّاق الذين عُرِفوا بأسماء محبوباتهم، كالثلاثي الشهير: مجنون ليلى وجميل بثينة وكثير عزة، من منّا يعرفهم بأسمائهم الحقيقية الكاملة؟
بالمناسبة، لنعد إلى مسكين قليلاً، فمسكين تنسب له واحدة من الأبيات الشهيرة جدًا في الشعر العربي ألا وهي "قل للمليحة في الخمار الأسود.." إلى آخرها، فبعد أن تنسّك الدارمي وترك عنه الغناء وشعر الغزل، لجأ إليه صديق له تاجر، كان قد عرض بضاعة من الخُمر النسائية فبيعت إلاّ السُّود منها، فطلب المساعدة من مسكين، فأنشد مسكين هذه الأبيات لتكون بمثابة أول إعلان تسويقي في التاريخ الإسلامي، إعلان على مستوى عالي جدًا!
فبعد أن انتشرت الأبيات ازداد الإقبال على شراء الخُمر السوداء في السوق، دكتوراة في التسويق يا مسكين!
في الختام، شاركوني شعراء آخرين عرفوا بألقابهم، أو شاركوني شعرًا.. لكم المساحة وللشعر أيضًا.
التعليقات