شعر المناسبات بالرغم من النقاش حول إمكان عده أدبا خالدا أم لا، إلا أننا لا يمكن أن نجرده –في تقديري- من صفة الأدبيَّة، مادام يحمل معنى، ويسائل واقعا، ويتوسل بعناصر الصنعة الفنية، ويخاطب قيما ثابتة تضمن له الخلود على الرغم من أنه قيل لملابسات ومناسبات وظروف محددة ومعينة.
صفة الأدبيَّة في شعر المناسبات
أتفق معك د. عبد الغاني فيما تذهب إليه؛ فكثير من شعر أحمد شوقي وحافظ وغيرهما من شعر الناسبات وهو شعر رائع وما زلنا نقرأه ونتوقف عنده كثيراً. يعني هنالك قصائد طوال لأحمد شوقي توصف بشعر المناسابات نظمها لمناسبة ما للحاكم أو أمه أو شقيقته لصنع مبرات إنسانية وغيرها في أوقات الحروب. ولكن رواد مدرسة الديوان وبالأخص العقاد نزعوا من هذا الشعر صفة الشاعرية - وإن كانوا لم ينفوا عنه صفة الأدبييًة - ذلك لأنهم يعرفون الشعر على انه تدفق للعاطفة الحرة وانفعال الشاعر بمواقف نفسية عن تجربة حياتية وإنه تعبير عن النفس بكل ملابساتها.
كالمناسبات الوطنية والعالمية والأعياد والأحداث التي تقع في دنيا الناس ويتخذها الشعراء موضوعا لأشعارهم... : ذكرى مولد - حرب - سفر - عرس - نجاح ...
وما مبررهم بأنها ليست شعر؟ فأكثر الكلمات التي أشعرتنا بوطنيتنا كانت كلمات لأحمد شوقي وحافظ ابراهيم بمناسبة وطنية
لكن هناك كلمات تظل معبرة وتصل المعنى رغم انتهاء المناسبة التي كتب من أجلها، مثل بلادي بلادي لأحمد شوقي وأصبحت النشيد الوطني لاحقا
من مبرراتهم أن صلاحية هذا الشعر تنتهي بانتهاء المناسبة.... !!!!؟؟
ولكن قيمته الفنية والأدبية كشعر تظل باقية، بالأخص لو تحدثنا عن قامات شعرية كبيرة كالمتنبي وأحمد شوقي، ذهبت المناسبة وبقي الشعر حاضرًا، وبالمناسبة، بعض هذه الأشعار تتسم بالمرونة مما يجعل إمكانية تداولها عبر الأجيال في مناسبات شبيهة أمرًا شائعًا، مثلًا الكثير من الأشعار الوطنية ما زالت تردد في المناسبات الوطنية عبر مئات السنين، أو الأبيات التي تتناول مناسبات متكررة كالأعياد مثلًا.
بينما قصائد أخرى كقصائد المدح مثلًا قد تبقى خصوصيتها مرتبطة بالمناسبة والشخص الذي قيلت فيه ولكنها تظل تدرس كحالة فنية وأدبية يستفاد منها في الإستزادة في علوم الأدب واللغة لما تحتويه من تشبيهات عميقة ومعانٍ جزلة ومفردات مميزة.
شعر المناسبات هو شعر يُقال أو يلقى في مناسبات اجتماعية كيفما تكون. يعني أحمد شوقي مثلاً في قصيدة مطلعها :
اللَهُ أَكبَرُ كَم في الفَتحِ مِن عَجَبٍ ......... يا خالِدَ التُركِ جَدِّد خالِدَ العَرَبِ
يحيي ويبارك انتصارات مصطفى كمال أتاتوك. ما عابه النقاد وخاصة أصحاب الديوان أنه شعر مفتعل ليس له صورة في النفس ولا يقابله شعور حقيقي وقد يكون من النفاق و الرياء بمكان ولذا لم يعدوه شعراً طبقاً لهم.
أعتقد أن المتنبي أجاد في ذلك حيث أبدع قصيدته مهنئاً سيف الدولة بعيد الأضحى سنة اثنتين وأربعين وثلاثمائة:
لِكُلِّ اِمرِئٍ مِن دَهرِهِ ما تَعَوَّدا__وَعادَةُ سَيفِ الدَولَةِ الطَعنُ في العِدا
وهي قصيدة خالدة تصلح لكل زمن، ولا تنتهي جودة معانيها مهما مر عليها.
بالرغم من كونه محلى بالصفات الأدبية ولكن بصراحة لا أرى أنه ينقل تأثير القصيدة ويعزز اثرها، فهو خالي من التجربة، ومن الغرض الذي يبقى، حيث ينتهي أثر القصيدة وتفنى قيمتها بزوال ما تمت صياغتها لأجله
التعليقات