هل أنا سعيد؟ قصة تعيد نفسها منذ آلاف السنين
في قرية صغيرة، تتوسطها بيوت قديمة متراصة بألوان باهتة، عاش رجل يُدعى سعيد. كان سعيد مختلفًا عن باقي أهل القرية، لم يكن مشهورًا بينهم بالحكمة أو العلم، بل كان معروفًا بميله للوحدة والتأمل في كل شيء حوله. كان يجلس ساعات طويلة أمام نافذة صغيرة في بيته المتواضع، ينظر إلى السماء والأشجار، يحاول أن يجد معنى أعمق للحياة التي كان يعيشها الجميع دون تساؤل.
أهل القرية كانوا غارقين في حياتهم اليومية،
يقرأون الكتب الدينية والأدبية، يستمعون إلى الخطب والمواعظ التي تتحدث عن الحق والرحمة ووالحب والحرية، ولكن ما إن تنتهي تلك اللحظات من السمع أو القراءة، حتى يعود كل منهم إلى عاداته القديمة: الكذب والنفاق والخوف الدائم من الحرية التي كانوا يسمعون عنها دون أن يفهموا جوهرها.
كان سعيد يرى فيهم تلك المفارقة. كيف يمكن للإنسان أن يتحدث عن الحق والحرية وهو يعيش في كذبة يومية؟ كيف يمكن للناس أن يتطلعوا إلى الرحمة وهم يمارسون القسوة مع أنفسهم ومع غيرهم؟ كان يلاحظ كيف أن الكلمات التي يُفترض أن تنير قلوبهم لم تعد سوى شعارات فارغة، تُردد دون أن تخترق أعماقهم.
في يوم من الأيام،
قرر سعيد أن يخرج عن صمته. كان يدرك أن الحديث في مثل هذه الأمور قد يجلب له المشاكل، فقد كانت القرية تحكمها تقاليد صارمة، ولم يكن هناك مكان للأفكار التي تتعارض مع ما تعلَّموه واعتادوا عليه. لكن شيء ما داخله كان يدفعه للكلام. كان يشعر بأن صمته قد طال، وأنه لا بد من مواجهة هذه الظلمة الروحية التي تغلف القرية.
بدأ سعيد في الحديث مع جيرانه وأصدقائه. كان يسألهم: "ما الفائدة التي جلبها لنا كل ما قرأناه وسمعناه حتى الآن؟ نقرأ عن الحق والرحمة والحرية، ولكن أين هي في حياتنا؟ لماذا نكذب من الصباح إلى المساء؟ لماذا نخاف الحرية التي نسمع عنها ونكرهها في أعماقنا؟"
كان الناس ينظرون إليه بعيون مليئة بالحيرة والريبة.
بعضهم اتهمه بالجنون، والبعض الآخر تجنب الحديث معه، لكن سعيد لم يتوقف. كان يشعر بأن هناك شيئًا أكبر من مجرد كلمات تُقال. كان يؤمن بأن الإنسان إذا لم يعش الحقيقة في حياته اليومية، فإن كل ما يقرأه ويسمعه لا قيمة له.
مع مرور الوقت، بدأت كلمات سعيد تنتشر بين أهل القرية. لم يكن الجميع مقتنعين بما يقول، لكن هناك من بدأ يفكر. كان هناك رجل مسن يدعى حسن، عرفه الجميع بحكمته وتجربته في الحياة. كان حسن يستمع إلى سعيد بصمت، ثم دعاه ذات يوم إلى بيته.
جلس سعيد أمام حسن،
وكانت نظرات الأخير مليئة بالتساؤلات. قال حسن: "لقد سمعت ما تقول، وأنت تعلم أن هذه القرية لم تتغير منذ زمن طويل. نحن نعيش في ظلال تقاليدنا وعاداتنا. قد لا نكون صادقين مع أنفسنا، لكن هذا هو الطريق الذي سار عليه أجدادنا. فما الذي يجعلك تعتقد أن كلماتك ستغير شيئًا؟"
نظر سعيد إلى حسن وقال: "ليس الأمر يتعلق بتغيير الجميع. ربما لن يتغير أحد، وربما أكون أنا من سيظل وحيدًا في هذا. لكنني لا أستطيع الاستمرار في العيش في هذه الظلمة. أريد أن أعيش حياتي بصدق، أن أكون حراً كما أقرأ وأسمع. إن لم نستطع أن نكون صادقين مع أنفسنا، فما الفائدة من كل هذه الكتب والكلمات؟"
ابتسم حسن ابتسامة صغيرة،
ثم قال: "لقد كنتُ شابًا مثلك ذات يوم، وكنتُ أفكر بالطريقة نفسها. لكنني اكتشفت أن الناس لا يحبون التغيير. الخوف من الحرية كما تقول ليس مجرد كلمات، إنه حقيقة يعيشها الجميع. إنهم يخافون من أن يكونوا أحرارًا، لأن الحرية تعني المسؤولية، وتعني أن الإنسان يجب أن يكون صادقًا مع نفسه ومع الآخرين، وهذا أمر مخيف."
سكت سعيد للحظة، ثم قال: "أفهم ذلك. لكنني أعتقد أن الخوف هو الذي يجعلنا نعيش في هذه الظلمة. الحرية ليست مخيفة، إنها النور الذي نحتاجه لنرى الحقيقة."
بعد هذا اللقاء،
بدأت أفكار سعيد تنتشر أكثر. لم يكن الجميع مستعدًا لتقبلها، لكن كان هناك مجموعة صغيرة من الشباب الذين بدأوا في الاقتراب منه، يستمعون إلى كلماته ويحاولون فهم ما يقصده. كانوا يرون في سعيد شخصًا مختلفًا، ليس لأنه يملك كل الأجوبة، ولكن لأنه يملك الشجاعة لطرح الأسئلة التي يخاف الجميع من مواجهتها.
أصبح سعيد قائدًا غير متوقع لمجموعة صغيرة من الناس الذين أرادوا أن يعيشوا بصدق وحرية. كانوا يجتمعون معه في أمسيات هادئة، يناقشون معنى الحياة، يتحدثون عن الحق والرحمة والحرية والحب بطريقة لم يعهدوها من قبل. كانوا يدركون أن الكلمات التي سمعوها طويلاً لم تعد تعني لهم شيئًا إذا لم يعشوا بموجبها.
لكن مع ازدياد انتشار أفكار سعيد،
بدأت الأصوات المعارضة ترتفع. كانت هناك مجموعة من شيوخ القرية الذين رأوا في أفكاره تهديدًا للنظام الذي حكم القرية لسنوات طويلة. بدأوا في التحريض ضده، واتهموه بأنه يحاول هدم القيم والتقاليد. كانوا يخشون أن تؤدي هذه الأفكار إلى فوضى، حيث لا يعود أحد يلتزم بما تعلَّموه عبر الأجيال.
في أحد الأيام، اجتمع شيوخ القرية في الساحة العامة، ودعوا جميع السكان للحضور. وقف أحد الشيوخ على منصة صغيرة وبدأ في الحديث: "أيها الناس، لقد سمعنا كثيرًا عن شخص يُدعى سعيد، ينشر أفكارًا خطيرة بيننا. أفكار تحاول أن تزعزع استقرار قريتنا وتدمِّر ما بناه أجدادنا. نحن نؤمن بالحق والحرية والرحمة، لكننا نعلم أن هذه القيم يجب أن تُفهم بشكل صحيح، لا أن تُستخدم لتبرير الفوضى والكذب."
وقف سعيد بين الناس،
يستمع إلى هذه الكلمات، وعيناه تمتلئان بالغضب والحزن في آن واحد. كان يعلم أن ما يقولونه عنه ليس صحيحًا، لكنه أدرك أيضًا أن الخوف الذي تحدث عنه حسن كان أقوى مما توقع. لقد كان الناس مستعدين للتضحية بالحرية والحق إذا كان ذلك يعني أنهم سيبقون في أمان.
عندما انتهى الشيخ من حديثه، تقدم سعيد إلى المنصة وطلب التحدث. كانت الأجواء متوترة، والناس ينظرون إليه بترقب. قال سعيد بصوت هادئ ولكنه مليء بالقوة: "أنا لا أطلب منكم أن تغيروا ما تؤمنون به. أنا فقط أطلب منكم أن تكونوا صادقين مع أنفسكم. أن تنظروا إلى حياتكم وتسألوا: هل نحن نعيش الحق الذي نتحدث عنه؟ هل نمارس الرحمة التي ندعيها؟ هل نحن أحرار حقًا؟"
كانت كلماته كالشرارة التي أشعلت النقاش في القرية.
البعض بدأ في التساؤل بصوت عالٍ، والبعض الآخر استمر في معارضة ما يقوله. لكن سعيد لم يتوقف. لقد أدرك أن التغيير لا يأتي بسرعة، وأن الناس يحتاجون إلى وقت ليفهموا ما يحاول قوله.
مع مرور الوقت، بدأت أفكار سعيد تجد طريقها إلى قلوب الناس. لم تكن الثورة التي تخيلها، ولكن كانت هناك بوادر تغيير. بعض الناس بدأوا في التفكير بطريقة مختلفة، وبدأوا في محاولة العيش بصدق أكثر.
انتهت قصة هل أنا سعيد؟ قصة تعيد نفسها منذ آلاف السنين
انتظر يا صديقي الجزء الثاني من لعنة الهاتف المسروق:
التعليقات