الظل الفارغ عندما تشرق الشمس ، و تنقشع الظلمات ، و يولد الضياء ، عندما تنكسر الأغلال ، و تنفك العقد ، و يتحرر العقل ، و تدب الحياة في القلب ، عندها سيتذكر الظل الفارغ أيام إقامته في الهاوية ، و اختبائه عن أعين الناس و عن أعينه ، سيتذكر أيام انحساره ، أيام خوفه ، أيام جهله ، أيام غضبه، أيام فراغه ، عندها سيتذكر الظل الفارغ أيام ظله . الفراغ شيء مفزع ، مرعب للنفس ، مدمر للعقل ، مميت للقلب ، و لكنه مريح للظل ، كتب الظل على نفسه الفراغ ، و وجد أغلال الجهل بعد أن تعذب من نار العلم المستعرة ، و بحث عن سلاسل الدعة و الركون بعد ما رأى من جحيم رحلة البحث . أقام الظل المحكمة و اتهم قلبه و عقله ، كان القلب في نظر الظل مجرم أسرف في إجرامه و زاد من غور جراحه ، اتهمه بمحاولة إفنائه ، لقد بث إلى كيانه مشاعرمضطربة لا تحمل إلا الضرر لجوهره و ماهيته ، لم يعرف للراحة طعمًا بعد أن بدأ القلب في إرسال هذه المشاعر الآثمة ، لقد سلط عليه كارثة الحب ؛ و بدأت الأهواءتعصف بأركان وجدانه ، شاهد الظل ظلاً يقوض نفسه و يقذفها لبحر المجهول ، لا قاع له و لا شاطىء ، فكان لزامًا عليه الغرق محروقًا بنيران عذابه . أما الجريمة الثانية التي اتهم بها القلب ، فكانت في تعليم الظل شعورًا سبب له مصائب فاقت من سبقها ، فكانت الرغبة التى ابتلى بها الظل شعورًا مزقه تمزيقًا و كلهذا سببه القلب . لم يكتف القلب فقط بإغراقه في بحر جحيم الحب بل بدأ بتقطيع جسده رويدًا رويدًا بأنصال الرغبة الهائجة ، كان الظل لم يفقد نفسه بعد و لكن عندما تملكته الرغبة أدرك الظل أنه قد خسر ذاته للأبد. و عندما ظن القلب أن الظل قد أن انتهى من اتهاماته ؛ فاجأه الظل بالتهمة الثالثة ، لقد ادعى الظل أن القلب قد سبب له سقمًا لا يبرأ منه أبدًا، اتهمه بأنه من أمرضه بمرض الحسد . بعد معاناته مع حبه و فشله في تحقيق رغبته ، تملكه الحسد ، لقد حسد كل شيء ، حسد الذين وجدوا السعادة في حبهم ، حسد الكارهين الذين لا يعرفون حبًا ، حسدالراغبين ، و حسد القاعدين ، حسد قلبه على قدرته على المحبة و شعوره بالرغبة ، حسد الإنسانية في حبها و كرهها و جدها و هزلها و رغبتها و أنانيتها ، حسد الكون بأسره على قدرته على الحركة بينما هو قابع في الظلمة . لم يستطع القلب أن يجد جواباً أو أن الظل لم تكن له النية في أن ينتظر له إجابة ، ثم توجه للعقل . "إن الجحيم هو العقل " هكذا بدأ الظل في حديثه ، ثم بدأ في سرد الجرائم ،" لم أنعم بساعة أبدًا منذ أن بدأت في العمل ، كانت الحياة هادئة بسيطة ، تدور الأرض ويدور الناس و يدور الكون و لكن أنت قررت أن يتوقف الجميع ، و في الحقيقة لم يتوقف أحد إلا أنا" "دائمًا ما نظرت إليك باحترام و وجل و وقار ،و عندما جئت إلىّ أول مرة ، ذقت السعادة في البداية ، و غشيتني سكرة المعرفة ، و شعرت بأن العالم في قبضتي ، و أني سأنال حريتي ، فكم كانت سذاجتي حينها " " لم يدم هذا الشعور -شعور الغبطة بالسيطرة - طويلًا ، فقد بدأت كينونة ذاتك الحقيقية تتجلى و تتكشف ، لقد أذقتني العلقم المر بعد ما أسقيتني قطرات من ماء زلال،أنت من أرشدني لشمس المعرفة و لكنك لم تحذرني بأني سوف أحترق بنيرانها الضارية ، ما أخرجني من نعيمي إلا أنت ،مدعيًا أنك تملك مفتاح النعيم الحقيقي ولكنك قذفتني في غياهب الجحيم بعد أن عرفتُ زيف نعيمي و بعد أن أدركت بعدي عن النعيم الصحيح ، فلم أجد إلا لجحيمك منزلي ". " لماذا ؟ لماذا قررت أن تقتحم حياتي ؟ من أعطاك الحق في تدميرها ؟ ألا ترى ما أوصلتني إليه ؟ ألا ترى وجداني و قد تحطم ؟! ألا ترى كياني و قد تقوض ؟! هل أعجبك الأمر الآن ؟ هل يعجبك هذا الظل الذي كان يومًا إنسانًا ؟" و لم يعط الظل للعقل هو الآخر فرصة للرد ، لقد أصدر الحكم بنفسه ، و أخذ الأغلال و أسر بها قلبه ، و حبس عقله بالسلاسل ، ثم ختم على روحه بالفراغ . إن الإرادة الإنسانية شيء غامض مخيف ، لا أحد يدري حقًا من أين تأتي ، هل من القلب ؟ أم من العقل ؟ ، و لكن ما اتُفق عليه حقًا بأن الإرادة شيء كاسح ، بمجرد أنتظهر لا تفنى أبدًا حتى و إن فنى الجسد. إن إرادة الحب ، إرادة المعرفة ، إرادة الحقيقة ، إرادة الحياة ، إرادة الإنسان ، لا يمكن أبدًا أن تتوقف حتى ولو وضعوا الأغلال و اعترضوا طريقها ، فإنها يومًا ماستتحقق ، وهذه حقيقة مطلقة . لذا كان محتماً على هذه الأغلال أن تنكسر و أن تبلى تلك السلاسل و أن يتحرر ما كان قد خُتِم . كان من المستحيل للظل أن يبقى ظلاً مهما حاول ، كما أن الماء لا يمكن أن تكون نارًا، فإن الإنسان لا يمكن أن يكون ظلاً ، و كما أن الفراغ لا يجتمع مع الحياة فقد أدرك الظل - أو من كان يومًا ظلاً - أنه لم يكن يومًا فارغًا ، حينها أقام محكمة من جديد ليعرف فيما أخطأ و لكن هذه المرة لم يتهم قلبه ولا عقله ، بل وجه التهم إلى ظله الذيظن لفترة طويلة أنه حقيقته . نظر ما كان ظلاً إلى ظله فوجده لم يكن ظلًا ، أمعن النظر ثم عرف الحقيقة ، هذا الظل كان إنساناً ، إنساناً خائفًا ، خائف من قلبه أن يخونه ، خائف من عقله أن يضله ،خائف من إنسانيته أن تبتلعه . أدرك الإنسان الجديد الذي كان يومًا إنسانًا قديمًا متنكرًا بالظلال ، أنه لا يوجد مجرمون لأنه لم تكن هناك جريمة في الحقيقة ، لقد طلع فجره أخيراً منتظرًا إشراقشمسه بعد ليله السابق الطويل .
انتحار رجل
انتحار رجل بقلم أيمن الشنديدي (١) في ظلمات الطرق يسير ، قد غاب عقله عن كل ما يحيط به ، و انغلق قلبه فلا يكاد يشعر بشيء ، و انظفأت روحه فهو في حكم الأموات . تناقلته الأمواج المتلاطمة من طور إلى طور ، من نجاح رنى إليه إلي فشل وقع فيه، من طموح شغف به إلى يأس فتك به ، أخذ الموج يعصف بنفسه و بدنياه إلى أن رمته إلى ذاك المكان ، إلى خلاصه ، إلى مثواه الأخير
بجانبي شبح
بجانبي شبح بقلم أيمن الشنديدي في هذا العالم , ينقسم البشر لثلاثة صنوف : الأول هو من لا يؤمن بما يسمى أشباحاً بل و يجدها خزعبلات اختلقتها أفئدة الأطفال المذعورين , أما الثاني فهو من يؤمن بها حقاً و يجدها مسألة ملهمة مثيرة للاهتمام , و هو في الحقيقة لم ير شبحاً قط و لكنه يمني النفس بأن تظهر له إحداها فيصدق ظنه و يذهب ليتبجح باكتشافه العظيم أمام الصنف الأول . أما الثالث , وهو الأشد ندرة ,فهو من