الأصنام والأوثان

الصنم هو ما أتخذ إلها دون الله وله صورة وهيأة ويصنع من الخشب أو الذهب أو الفضة أو نحاس أو حديد فهو جثة إنسان أو حيوان، وقال بعض العلماء أنه الصورة بلا جثة، وهو يختلف عن الوثن في كونه له جسم أو صورة، بينما الوثن قد يكون حجارة أو شجرة ما، وأقدم ذكر للكلمة كان على هيئة "صلم" وهو إله عرفته العرب في أعالي الحجاز خاصة في تيماء وازدهرت عبادته 600 ق.م، وورد كاسم علم لأشخاص -وفسرنا سابقا تحول أسماء الآلهة لأشخاص- ورمزه الثور عند ثمود، ووردت الكلمة بمعنى تمثال في نصوص المسند -وهو المعنى الذي نعرفه وعرفه العرب قرابة البعثة ويبدو أنه المعنى الحديث الناتج من نسيان الإله الأصلي- ويبدو أنها كانت تقدم كقرابين للإله -كما يصنع البعض تماثيل لزعمائهم-، واللفظة تساوي "الدمية" عند عرب الجاهلية -الجاهلية هي الفترة القريبة من الإسلام-

وكلمة وثن هي من الكلمات التي ترمز للاله كما نراها نصوص المسند -يخطر على بالي الآن لماذا يعتبر عرب غرب ووسط الجزيرة أنفسهم مستعربين وأن لغتهم مأخوذة من عرب الجنوب-، ولكنها ليست قربانا يقدم للاله بل هي رمز الإله نفسه، ويبدو اعتبار الوثن ما لا شكل واضح له منطقيا، فالإنسان أول الأمر وخاصة العرب يعبد ويقدس ما يجده حوله كصخر نيزكي أو ذو شكل مكعب -خطر على بالي تفسير لتقديس العرب للمكعبات فهي عملية أكثر من باقي الأشكال- أو حتى شجرة أو خشب من شجرة عجيبة، ومع التطور الإقتصادي -وهو ما يعني للعرب تطور تجاري- أعجب العرب بهيئة الأصنام التي وجدوها عند غيرهم من الشعوب واستوردوها منهم وقدموها لآلهتم الغير مجسدة -لم يعبد العرب آلهة مجسدة وتقريبا لم يعبد إنسان إلها مجسدًا- كنوع من أنواع الحلى أو الأجساد المزينة التي يمكنهم إستعمالها، ويبدو هذا التفسير منطقيا من وجهة تطورية لولا أننا نعلم أن "عكرمة بن أبي جهل" كان ممن يصنعون الأصنام بمكة ولكن القصص الأقدم مثل قصص "هبل" تدل على أن هذه الصناعة صناعة حديثة فالعرب لم يعرفوا هذه الأصنام ذات الأشكال العجيبة بداية، وجميع أديانهم متعلقة بالصخور والأخشاب.

فاللات صخرة بيضاء منقوشة في صورتها الأصلية -لا نستبعد أن تكون مكعبة- وفي روايات أخرى نجدها تمثالا من حجر على هيئة امرأة محاربة أو تجمع أحيانا إلى نفسها الخصب والنماء -وهو الشكل الذي نجده عند من تقدموا من العرب مثل التدمريين والأنباط وأفكر أن اضع ملحقات بالصور يوما ما-، وهذا وما يتوافق مع تفسيرنا من كون الأصنام المصورة أخذت موضع الأوثان غير المصورة تدريجيا وربما حتى سريعا في تلك البلاد العربية التي كانت وثيقة الصلة بغير العرب، بينما احتفظت بصورتها البدائية كحجارة والأصنام كهدايا لهذه الآلهة، وتمثال ود كان رجلا محاربا، وتمثال سواع على صورة امرأة، وتمثال نسر كان نسرا.

وعرف العرب أصناما أصغر حجما ربما هي الدمى يأخذونها معهم أينما ذهبوا -ربما منها صنم العجوة الذي أكله الفاروق-

الشفاعة والأصنام

وأحد صور الشرك هي الشفاعة التي دافع بها المشركون عن أنفسهم فهم لم يعبدوا تلك الأصنام ولكنهم اتخذوها وسيلة للتفرب ألى الله فهي واسطة بينهم وبين الله.

وأهم هؤلاء الوسطاء فهم الأصنام، التي كانت تصنع من الذهب أو الفضة أو الحجارة الثمينة -مثل الحجارة النيزكة- والخشب -من الأشجار العريقة وافرة الظلال-، وكانت هذه الأصنام على عكس المتوقع ذات طبيعة خاصة تحتاج لشرح، فبعض هذه التماثيل كانت تقدم تقربا للاله، كما مثلا تهدي لصديقك لوحة له، أو تصنع لأحد عظماء الأمة تماثلا، فكانت الأصنام في حد ذاتها هدايا، وكانت لها نصب وأماكن معينة كالكعبات حولها منطقة حرم ينصب الصنم في مركزها وتقدم له الضحايا والهدايا ممثلا للاله على الأرض، وعلى الأغلب هذا نتيجة لسطوة الكهان فأغلب هذه الهدايا تذهب للكهنة -ونجد مثل ذلك لدى مسيلمة الكذاب الذي جعل منطقة حرما ومقدسة لموطنه-

أما أسباب هذه الهدايا فعادة كانت لمصالح دنيوية -على عكس المصريين مثلا الذين اهتموا بالاخرة- كأن ينتصروا في حرب فيرجعون ذلك لإله القبيلة وسيدها، فكان بالنسبة لهم أبا كما يدافع الأب عن أبنائه -ولا أعرف ما هذا الأب الذي ينتظر هدية مقابل واجبه فربما فكر اليهود بنفس طريقة تفكيري وسخطوا على إلههم- ومن أبيات الشعر الدالة على ذلك:

وسار بنا يغوث -أحد الآلهة- إلى مراد...... فناجزناهم قبل الصباح

وكذلك صيحة أبي سفيان في معركة أحد "اعل هبل" أو في المقابل صيحة المسلمين "الله أعلى وأجل" -وهي صيحة غريبة في نظري فيها اعتراف ضمني بوجود هبل كإله وربما تدلنا على معتقد العرب في الله كأكبر الآلهة وهبل كمنافس لله فيما يذكرنا بالقصص السومرية والاشورية عن الاله الجديد الذي يحل محل القديم ولكن هنا لحسن الحظ انتصر الاله القديم-

وبهذا الإيمان حمل العرب أصنامهم معهم في حروبهم كما في معركتهم مع الملك سنحاريب حيث انتصر عليهم واستولى على اصنامهم وهي "عثتر قرمية" -أحد صور عشتار- و"دية" و"دبلات" -على الاغلب احد صور اللات- وكانت مكانة هذه الأصنام كبيرة حتى أن العرب قدموا الهدايا الكثيرة لخليفته من أجل إعادتها، وتكرر الأمر مرة أخرى ويبدو أنه كان يتكرر كثيرا، ويبدو أن الآشوريين -الذين هم عرب في الأصل- كانوا يفهمون العرب جيدا فكانت في كل معركة تؤسر تلك الأصنام وتنكسر شوكة العرب، ومن تلك الآلهة "عثتر السماء" والذي يبدو أنه إله السماء -وذكرنا آلهة تشبهه في الجزء السابق مثل بعلشمون-

ومن أمثلة العرب في الحروب هي "لا تفر حتى تفر القبة" والقبة هي خيمة الصنم الذي كانوا يحملونه معهم في الحروب -شيء أشبه بما يوجد في التوراة- فنظام الخيمة هذا أنسب شيء لطبيعة حياتهم والذي أستبدل بالمعبد الثابت مع الإستقرار للعرب والعبرانيون على السواء، فالكعبة مرتبط بموضع استقرار اسماعيل ونسله وكذلك معبد سليمان مرتبط باستقرار العبرانيين، ويرد عند العبرانيين نفور أولي من هذا المعبد الذي خالف العادات والذي استغرق وقتا حتى يقبله الناس بينما نجد مع ظهور الاسلام شبه اجماع على مكانة الكعبة بين العرب -الا بعض العاقين- وهو ما قد يؤخذ كدليل على قدم الكعبة كبناء حتى تأخذ هذه المكانة

وكانت هذه العلاقة المصلحجية -راجع مقالة التدين المصلحجي- مع الآلهة لها عامل أساسي في تطور الدين عند العرب واستيراد آلهة القبائل المنتصرة معنويا وماديا، ومن أمثلة الانتصار المعنوي استيراد هبل من الشام التي كانت متفوقة في الطب مثلا، والمادي معروف، وليتفادى الكهنة خسارة مصدر رزقهم كانوا يلقون اللوم على الأتباع الذين لا يطيعون الإله وهكذت تكثر الهدايا للكهنة، ونشأت من هذه العلاقة بين القبيلة والاله ان أصبح الاله مرادفا للقبيلة ومن ينكر الهة القبيلة فهو في حكم الخائن وهذا يفسر موقف العرب تجاه الرسول في أول الدعوة حين أنكر آلهة القوم وأخل بميثاق العربي الأقوى ألا وهو ميثاق القبيلة باخلاله بالإيمان بآلهتها.

وكانت لكل أسرة صنم صغير يتمسح به للبركة عند قضاء الحوائج، وكان من أخص الظواهر لدى دين العرب هي ظاهرة الطواف - ولا أعرف لها تفسيرا حتى اليوم- وارتباطها بالحجارة -وخاصة المكعبة- فكان العربي يختار حجرا يستحسنه إذا نزل موضعا ويطوف به ويذبح وينحر عنده -هنالك حديث عن الفرق بين الأصنام والأوثان ولكني أتكاسل عن كتابته فلنعاملهم معاملة واحدة-، وطريقة اختيار الحجارة على أساس الأجمل أو الأغرب ربما نتيجة دافع سيكولوجي للدهشة من كل ما هو غريب، فربما احس الجاهلي برهبة وأن هذا الشيء الغريب يجب أن يكون مقدس بلا شك -كما نندهش من دقة الكون ونفترض لذلك منظما له-وهذا هو من يتخذ إلهه هواه، وبالتأكيد كان من العرب من لم يعبد الأصنام وهم الأحناف ولهم حديث آخر، ويرى بعض الباحثين أن عرب الجنوب لم يعبدوا أصناما فلم نجد مثالا عليها -على حد علمي- وربما يرجع ذلك أن صور آلهتهم موجودة في السماء بالفعل الشمس والقمر والزهرة، وفي النهاية وظيفة الصنم الاساسية هي التعبير عما لا نستطيع رؤيته، وإن كانت هنالك أسباب أخرى يوردها العرب كتقديس الأسلاف-يغوث ويعوف ونسر0 أو المسخ-اساف ونائلة-

وكانوا يحلفون باللات والعزى وغيرها من الأصنام، بل بكل الأصنام في قولهم "لا والدمى"

عمرو بن لحى

يبدو أنه كان كاهنا مشهورا مجددا على عهد غير بعيد من الإسلام -ربما مئة او مئتي عام- ويبدو أنه اشترى كثيرا من الأصنام من الخارج وكان من المؤسسين لمكانة مكة الدينية، بل يبدو وكأنه إبراهبم العرب الفعلي والمشرع الأول لخزاعة، فاستيراد الآلهة المختلفة إلى الكعبة يقوي من مكانتها الدينية وتطوير العبادة باستيراد الأصنام ذات الصور البديعة كان له الأثر الأكبر في ارتفاع مكانة مكة التي نكاد لا نجد لها ذكرا، فيبدو أنه كان شخصية معظمة قبل الإسلام وجاء الإسلام وقلب السحر على الساحر، وما كان يمدح عليه أصبح مسبة وذما له.

على السريع: يا ليل يا عين

"ياليل" هو اسم أحد أصنام الجاهلية، وكان من الجاهليين من تسموا به فنجد "عبد ياليل بن عمرو" أحد زعماء الطائف، ويقول فراس السواح أن صيغة "يا ليل يا عين" التي تبتدئ بها الأغاني الشعبية قد تكون صدى لتراتيل عربية دينية موغلة في القدم، ونحن ندرك بالفعل أن الليل لدى العرب له مكانة كبيرة وكذلك القمر، كما أن أُثر الكلمة في نفوسنا معروف لا يحتاج لشرح، أو أنها صدى لإلهة السومريين الليلية "ليليت" الجنية الليلية وممثلة الليل وحامية الأطفال فعينها عليهم دائما، فكانت الأمهات تتضرع إليها بهذه الأغنية "يا ليل يا عين" حماية لأبنائهن، ويقول آخرون أن النداء محرف عن "يا ايل" اله الساميين المعروف.

أو أن الجملة ذات أصل مصري قديم بمعنى "استيقظي يا عين"

وددت لو أضيف صورا ومعجما لآلهة العرب في هذا المقال ولكن لا يهم ربما أتركها ليوم آخر.