كنت أنوي صراحة أن يكون المقال مجرد تلخيص سطحي، ولكن انجرفت كعادتي أجمع وأكتب ولم ألحظ حجم المقال، ببساطة يمكن لأي أحد ألا يقرأه ويريح نفسه، ولكني سأنشره على كل حال، ولاحظت بعد انتهائي أني لم أذكر "حديقة الرحمن" الخاصة بمسيلمة طيلة المقال، وأهميتها تعتمد على رمزيتها، فهي تمثل منعطفًا تاريخيًا وتحولها من حديقة الرحمن لحديقة الموت له دلالات عديدة، وأترك القارئ مع نص اقتبسته من مكان ما:
وكان "لبنى حنيفة" حديقة هائلة، لها أسوار عالية، وأبواب حصينة يلجأون إليها وقت الأزمات، فلما دارت عليهم رحى المسلمين فى الحرب وطعنتهم، وعضهم القتل فروا جميعًا إلى الحديقة، وهناك دارت فصول معركة أشبه بالأساطير، وأطلق على تلك الحديقة بعدها حديقة الموت، لكثرة من قتل بها من "بنى حنيفة".
هذا الموضوع لا يعبر عن وجهة نظر صاحبه، ولكنه تلخيص لأفكار تحدث عنها جمال علي الحلاق في كتابه "مسلمة الحنفي: قراءة في تاريخ محرم"، والهدف من مثل هذه المقالات كما كررنا مرات هو قراءة في التراث لمحاولة فهم أنفسنا، ولا حرج في أن نعرج على آراء مخالفة لما نعتقده فنعيد تقييم افكارنا، فإن كنت مصيبًا فستزداد إيمانًا، وإن كنت مخطئًا فقد عرفت الصواب، فلا ضرر في كلتا الحالتين، وأخيرًا أود أن أنوه أني سأدافع قدر استطاعتي عن أفكار الكاتب -الذي قام بدوره بالدفاع عن مسيلمة باستماتة- وإن اختلفت مع تلك الأفكار أو مع نية الكاتب -الذي بعد عن الحياد في مواضع كثيرة- ولكني أفعل ذلك إيمانًا مني بأنه لن أستطيع تقديم أفضل ما لدي في نقاش ما لم أؤمن بالفكرة وأدافع عنها دفاعًا شديدًا، وسآخذ دور الطرف الأضعف في النقاش بداهة، وأعتذر مقدمًا عن أي أخطاء إملائية أو نحوية.
المنهج
المنهج الذي نتنهجه -أتحدث نيابة عن الكاتب- يعتمد على أسس منها: الرواية التاريخية صحيحة، وصحتها لا تشترط إلا وقوعها في أبسط صورها، أو وجود أصل لها، وإن اختلف الأشخاص والزمان والمكان، وهذا الركن لا يختلف عليه اثنان إن آمنا أننا ندرس التاريخ كما رآه من سجلوه، فنحن في النهاية ندرس وعي أجدادنا لا الأحداث في ذاتها، فلا نملك وسيلة إلا ما كتبوه وتناقلوه، ونحن هنا "طرف ثالث" في العلاقة بين الحدث ومن شهده، وقد نكون "الطرف المئة" إن تناقله ٩٨ شخصًا بعد الشاهد نفسه حتى سُجل في الكتب.
الركن الثاني هو الإيمان بوجود "قرصنة تاريخية" يقابلها "تهريب للتاريخ" في كل المرويات، والقرصنة ببساطة هي صبغ الأحداث بطابع الشخص أو الكذب في إحدى تفاصيلها قصدًا أو عن دون قصد لغرض ما، وفي موضع حديثنا هو غرض ديني أو قبائلي أو مناطقي -سنوضح لما قبائلي لاحقًا، ولا تختلف كثيرًا عما قد يفعله أحد مؤرخي السلاطين، فهذه القرصنة، أما التهريب فهو على النقيض، فالتهريب للحقائق التاريخية وسط المرويات يتضمن وعيًا من المُهرِب أن القرصنة حادثة أو ستحدث، وأنه سيحاول تهريب جزء من الحقيقة للأعراض السابقة، وقد يكون المُهرب -الرواي- لا يدري ما يهربه، فينقل الكلام دون إدراك لما فيه من مخالفة لأغراضه، فقد يكون هدفه القرصنة فينقل دون قصد حقائق هربها من يروي عنهم، وهنا نعتمد على المرويات الإسلامية.
وآليات التهريب التاريخي كما يذكر جمال هي:
١- التعمية: ذكر الخبر دون ذكر مصدره، فيكون عامًا كقول "قال أحدهم"
٢- التضبيب: إخفاء معلومات عن الحدث ذاته، كمن ذهب لمن (الرحمن)
٣-التجزيئ: إلقاء شذرات من الحقيقة وسط الكلام والأحاديث عن الأخبار، قد لا تعطي صورة للحقيقة وحدها ولكن يعضدها ما يقابلها في الأخبار الأخرى.
مقدمة
كانت هنالك مدن رئيسية ثلاثة في جزيرة العرب قبل الإسلام، مكة واليمامة وصنعاء، وبينما كانت مكة مدينة استهلاكية ومجتمع غير زراعي، كانت صنعاء واليمامة مجتمعات منتجة زراعيًا، تنعم بأمنن غذائي واستقرار على عكس مكة المهددة بالإنقراض إن انقطع عنها الإمداد من تلك المدن.
كان الدين عند العرب ذو طابع شخصي، لا يتوقف ذلك على تعدد آلهة كل قبيلة -أو أنصاف الآلهة- ولكن أيضًا في وجود اليهود والنصارى بين العرب، حتى احتوت الكعبة تماثيل المسيح والعذراء وإبراهيم [1] ولم يعارضوا وجود دين غير الإسلام عندما احسوا خطرًا على مصالحهم.
وعرف العرب الحكام والكهنة، وكان تعظيمهم للحكام أكبر، فذكروا منهم الكثير، منهم أكثم بن صيفي والأفعى الجرهمي -أقدمهم- وعدد كبير ذكرهم اليعقوبي في حديثه عن حكام العرب، والعرب شعب عملي،
ومن هذه التعددية نشأ تيار الأحناف الفكري الذي سعى للبحث عن الإله وسط هؤلاء فاهتدى لإله واحد، وكان منشأة الأحناف في بيئة زراعية أكثر قبولًا من بيئة غير مستقرة، ودعمه انتشار القراءة والكتاب على الأقل انتشارًا في المدن الكبرى موضع دراستنا لا يختلف عن انتشارها في مجتمعاتنا العربية قبل ٥٠ سنة -قد يكون موضع حديث آخر.
ومن الأحناف الذي عرف عنهم القراءة والكتابة: زيد بن عمرو بن نفيل، وورقة بن نوفل -بالعربية والعبرية، وقس بن ساعدة، والزبير بن عبد المطلب، أمية بن ابي الصلت.
اليمامة
جزء من العروض أو هي العروض، وتمثل حاليًا قطر والبحرين والأحساء، اشتهرت بالمراعي والخيول والزرع، فكانتا سندان حاجة العرب من القمح [٢] غنية بموارد المياه، تقع على الطريق بين مكة وموانئ الخليج، اُشتهرت بالسيوف القلعية -اشتهر بها بنو حنيفة ومنهم مسلمة- والثياب وزراعة العنب والقمح والخمور.
فاليمامة التي تنبأ فيها مسلمة مجتمع مستقر منتج -على عكس مكة- ريفي يفتخر بذلك -وهو ما سيكون له أثر على شخصية مسلمة ومنهجه- كما قال مسلمة (( لقد فضلتم على أهل الوبر، وما سبقكم أهل المدر))
ومن قرى اليمامة "حجر" وموسمها السنوي في العاشر من محرم إلى نهاية الشهر وهو يوافق عاشوراء "الكفارة" التي كانت تصومه العرب ويصومه الرسول قبل الإسلام[٣]، ويعتقد أنه تقليد حنيفي كما قال جواد علي في المفصل
ومن قرى اليمامة هجر ولها موسم في شهر جمادي الآخرة تقام فيه سوق للميرة، وإن ذهب الرسول إلى اليمامة ليدعو لنفسه فعلى الأغلب أنه ذهب في أحد هذين الموسمين.
بنو حنيفة
إحدى بطون بكر بن وائل وقبيلة بني حنيفة سكنت اليمامة بعد الحرب التي قضت على جديس وطسم، وإن لم يشتركوا فيها، وكانوا قومًا ذوي بأس شديد في القتال في حروب الردة، ومنهم زعماء الخوارج كنافع بن الأزرق -وتنسب له الأزرقية- ونجدة بن عامر الحنفي
وكانوا ذوي أنفة حتى بعد الإسلام فيذكر ابن خلدون في مقدمته أنهم حافظوا على جنسهم من الإختلاط بالأجناس الأخرى -ص١١٨-، ويقول البعض -ورقة بحثية لدي إن أرادها أحد- أن بني حنيفة كانوا في تحالف "اللهازم" ضد بني تميم -قبل الإسلام، وهو صراحة ما لم أعرف له أصلًا، وخاصةً إذا ما عدت لصاحب الأغاني فوجدته يقول عكس ذلك [٤] وغرابة الموضوع تزداد إذا عرفنا أن سجاح من بني تميم تحالفت مع مسلمة من بني حنيفة، وهذا حديث نؤجله، ولم يثبت عنهم كثرة الحروب، وهو ما سينعكس على سياسة مسلمة بعد ذلك.
وكانت قوتهم مرعبة في نظر قريش، فما أن منع ثمامة بن أثال الحنفي بعد إسلامه -وله قصة ابحث عنها- عنهم القمح حتى لجأت قريش لألد أعدائها وهو الرسول تطلب منه أن يتوسط لها عنده فأعاد إرسال القمح مجددًا، مما يوحي لنا بعدم استقرار قريش والتهديد الذي مثله بنو حنيفة عليها وعلى مكة، وهو ما سيجعل المسلمون بعد ذلك في حروب الردة شديدي الحرص على قتلهم تقتيلًا، بل بعد الحروب إذا أحسوا برجعة من أحدهم لدين مسلمة قتلوه دون استتابة -راجع ما فعله عبدالله بن مسعود هنا.
وكانوا يستعملون العبيد في الزراعة، ولهم موال كثر، وربما ساعد ذلك على النشاط الفكري، حتى قال فيهم الشاعر:
صارت حنيفة أثلاثا فثلثهم...... من العبيد، وثلث من مواليها
قد زوجوهم فهم فيهم وناسبهم...... إلى حنيفة يدعو ثلث باقيها
وأديانهم بين النصرانية -كهوذة أحد قادتهم- والمجوسية بحكم الجوار، ووثنية فهنالك أخبار عن صنعهم أصنامًا من عجوة، وحنيفية كما رحمن اليمامة ومن تبعه، وللمجوسية ثلاث صلوات كما من المفترض عدد الصلوات لبني تميم بعد تحالفهم مع مسلمة الحنفي حيث أسقط عنهم الفجر والعشاء، وصلوات المجوس مع طلوع الشمس والظهر والغروب، وبنو تميم عرفوا المجوسية وكانت فيهم، فربما كان ذلك من حكمة مسلمة أن أبقى عدد الصلوات لهم كما عرفوها.
إسلام بني حنيفة وردتهم
أما في ما ذكر عن إسلامهم بعد وفدهم للرسول، الذي منه رجال سنذكرهم، فلم يثبت من إسلامهم شيئًا، أما مقدمهم على الرسول فكان في العاشر من الهجرة، ونزلوا في رواية الطبري في دار ابنة الحارث، ونرى العظمة والوقار الذان نالهم مسلمة عند قومهم في الخبر:
حَدَّثَنِي بَعْضُ عُلَمَائِنَا مِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ، أَنَّ بَنِي حَنِيفَةَ أَتَتْ بِمُسَيْلِمَةَ الى رسول الله ص تَسْتُرُهُ بِالثِّيَابِ، وَرَسُولُ اللَّهِ جَالِسٌ فِي أَصْحَابِهِ، وَمَعَهُ عَسِيبٌ مِنْ سَعْفِ النَّخْلِ، فِي رَأْسِه خوصات، [فلما انتهى الى رسول الله ص وهم يسترونه بالثياب، كلم رسول الله ص، فقال له رسول الله: لَوْ سَأَلْتَنِي هَذَا الْعَسِيبَ الَّذِي فِي يَدِي مَا أَعْطَيْتُكَ!]
ويوضح الخبر السابق التعمية التي تحدثنا عنها في المنهج، وأما قاله مسلمة لرسول الله فيمكن أن نعرفه من باقي الروايات، وخبر آخر معمم يتحدث عن إسلامهم في المدينة وارتدادهم في اليمامة، ووالله لا أراه إلا تأليفًا، فكيف أسلموا ولم يكادوا يصلون لليمامة حتى ارتد؟ يوم أو يومين على الأقل حتى؟ وإن أسلم رجال من الوفد فالقبيلة كلها لم تسلم ولا يوجد خبر يعضد ذلك، أضف لذلك تلميحة قالها الرسول في الرواية عن مسيلمة "أَما إِنَّهُ لَيْسَ بِشَرِّكُمْ مَكَانًا، يَحْفَظُ ضَيْعَةَ أَصْحَابِهِ" وهي ما اعتمد عليه مسيلمة في تلك الرواية ليوضح حسن العلاقة بينهم، أو الشراكة، ونفس الرواية تهرب جزءًا من قرآن مسيلمة عن الحبلى، ويتبعها حديث الطبري عن وضعه الصلاة وإحلاله الخمر -واستحله بعض الأحناف عدا زيد بن عمرو بن نفيل والمذهب الحنفي يحلل بعض أنواعها طالما دون السكر- والزنا، ولم يدعم كلامه وسنجد في مرويات أخرى حقيقة الأمر.
ويرى البعض أنه والرسول لم يتقابلا، والبعض أنهم تقابلا ويسقط كلام مسلمة، والبعض أنه جاء في وفدين لا وفدًا واحدًا، مرة تابعًا ومرة متبوعًا[٦]، هكذا يستقيم التحالف في الأولى والخلاف في الثانية بعد أن قوى المسلمون، ونرى في البخاري:
حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي حُسَيْنٍ حَدَّثَنَا نَافِعُ بْنُ جُبَيْرٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ قَدِمَ مُسَيْلِمَةُ الْكَذَّابُ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَجَعَلَ يَقُولُ إِنْ جَعَلَ لِي مُحَمَّدٌ الْأَمْرَ مِنْ بَعْدِهِ تَبِعْتُهُ وَقَدِمَهَا فِي بَشَرٍ كَثِيرٍ مِنْ قَوْمِهِ فَأَقْبَلَ إِلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمَعَهُ ثَابِتُ بْنُ قَيْسِ بْنِ شَمَّاسٍ وَفِي يَدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قِطْعَةُ جَرِيدٍ حَتَّى وَقَفَ عَلَى مُسَيْلِمَةَ فِي أَصْحَابِهِ فَقَالَ لَوْ سَأَلْتَنِي هَذِهِ الْقِطْعَةَ مَا أَعْطَيْتُكَهَا وَلَنْ تَعْدُوَ أَمْرَ اللَّهِ فِيكَ وَلَئِنْ أَدْبَرْتَ لَيَعْقِرَنَّكَ اللَّهُ وَإِنِّي لَأَرَاكَ الَّذِي أُرِيتُ فِيهِ مَا رَأَيْتُ وَهَذَا ثَابِتٌ يُجِيبُكَ عَنِّي ثُمَّ انْصَرَفَ عَنْهُ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ فَسَأَلْتُ عَنْ قَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّكَ أُرَى الَّذِي أُرِيتُ فِيهِ مَا أَرَيْتُ فَأَخْبَرَنِي أَبُو هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ بَيْنَا أَنَا نَائِمٌ رَأَيْتُ فِي يَدَيَّ سِوَارَيْنِ مِنْ ذَهَبٍ فَأَهَمَّنِي شَأْنُهُمَا فَأُوحِيَ إِلَيَّ فِي الْمَنَامِ أَنْ انْفُخْهُمَا فَنَفَخْتُهُمَا فَطَارَا فَأَوَّلْتُهُمَا كَذَّابَيْنِ يَخْرُجَانِ بَعْدِي أَحَدُهُمَا الْعَنْسِيُّ وَالْآخَرُ مُسَيْلِمَةُ
ويذكر ابن الأثير والطبري أنه كان مع مسيلمة نهار الرجال بن عنفوة الذي تعلم القرآن والذي قال أيضًا بشراكة الرسول مع مسيلمة، وتورد المرويات الإسلامية ذلك وتنفيه، ولا نملك سوى الحيادية، فإذا قال المغلوبون ذلك وقال الغالبون أنه لم يحدث، فمن نصدق؟ وإن كثرت الروايات التي تتحدث عن نوع من الشراكة فماذا نفعل؟ أعتقد أنه هذا يجعلنا أميل للتصديق من التكذيب، وخاصة أنه لم يحاول الرسول افتعال حرب مع بني حنيفة أو قتل مسلمة كما حاول مع غيره، وهكذا يورد المؤرخون ارتداد بني حنيفة، فالسؤال هو لمَ لم يحاربهم الرسول؟ فإن كانوا مرتدين على عهد الرسول والمرويات تقول أن مسيلمة بعث للرسول في آخر العام العاشر من الهجرة يطلب منه الشراكة فلقبه الرسول بالكذاب، فلمَ لم نعرف رد فعل آخر من الرسول؟ هل كان أبا بكر الصديق -رضي الله عنه- أكثر حرصًا على الدين من الرسول؟ أم أنه لا حد ردة في الإسلام فلم يبالي الرسول لهم؟ أم لأنهم كانوا غير مقاتلين؟ أم أنهم لم يسلموا أصلًا
صفات مسلمة
وكان مسيلمة يصانع كل أحد ويتألفه ولا يبالي أن يطلع الناس منه على قبيح
والمصانعة قد تعني السماحة في عقل المغلوبين، ولا نرى أن هذه الصفات سيئة، فهي ما دارت حولها علاقاته السياسية بعد ذلك، وتحالفه مع سجاح، والمصانعة وإعطاء الهدايا هي ما ضمنت له التوسع دون اللجوء للحرب، على عكس باقي الأنبياء حوله -مدعين أو غير-
وكان عالمًا بالخدع والكثير من العلوم كما سنذكر في "دين مسيلمة" من المعجزات التي أتاها، وفسر ذلك الجاحظ أنه يعود لتردده على الأسواق.
وتذكر الأخبار أنه ضئيل ليس برجل -وهي الأخبار المشهورة- وبعض الأخبار تذكر قوته وبأسه والتي يمكن أن نعتبرها من تهريب التاريخ، وأنها الحق لأنه لا معنى لها في مؤسسة تكره مسيلمة، ففي البداية والنهاية لابن كثير على لسان وحشي[٥]: فإذا رجل قائم في ثلمة جدار، كأنه جمل أورق ثائر الرأس، فرميته بحربتي فوضعتها بين ثدييه حتى خرجت من كتفيه، ووثب إليه رجل من الأنصار فضربه على هامته...
فرجل بهذه الصفات وفي مرويات أخرى استمر بعد ضربته يقاتل، لا يصح أن يكون صغيرًا ضعيف الجسد، ولا يصح أن تثق قبيلة بكاملها برجل وتؤمن به وتحارب حربًا لم يشهد مثلها المسلمون قط -بشهادتهم- ويكون بذلك الوصف!
والأصح أنه كان كاهنًا قبل نبوته، أو كان نبيًا قبل ترسله -أي اعتبار نفسه رسولًا، وأن سلطته تزايدت بعد وفاة زعيم بني حنيفة هوذة بن علي، أو قبيل وفاته في العام الثامن من الهجرة -حسب التقديرات، فصار زعيمًا سياسيًا ودينيًا وبازدياد مكانته ربما ادعى لنفسه الرسالة، وقد يساعدنا ذلك في فهم الأخبار المتضاربة عن مقابلته للرسول تارة وتارة أخرى لا، فربما المقابلة تمت بعد قوته وعدم التقابل قبل قوته، وربما كان هناك تحالف ما قبل نمو سلطته العسكرية والسياسية حتى أصبحت خطرًا على سلطة الرسول ودولته الوليدة، فنجد دائمًا أن مسلمة يشتكي أن قريش تعتدي وتخالف عهدًا ما، ربما خالفته بعد قوتها وتناميها، وقبل ذلك لا يختلف اثنان على قوة بني حنيفة وسط العرب.
ومن صفاته الدهاء والحيطة هو والرجال بن عفوة، فقد أرسل له الرسول يومًا يستقدمه فرفض خوفا فقال فيه الرسول : يقتله الله ويقتل الرجال معه، والله أعلم ما كان ليحدث لو ذهب للمدينة.
وكانت هذه إحدى محاولات الرسول للتغلب على دعوته، ولم يلجأ للحرب، نعته بالكذاب وحذر المسلمين من فتنته، وحذر مسيلمة في محله والا انتهى به الأمر بإغتيال كإغتيال الأسود العنسي، وهذا الحذر ظهر في رواية مجهولة السند قالها البلاذري عن وصول مبعوثين من الرسول عبدالله بن وهب، وحبيب بن زيد بن عاصم "فقطع يدي حبيب ورجليه" في رواية أخرى يوردها أنهما كانا مع عمرو بن العاص، وهما فقط من أسرا، والظاهر أن غمرو بن العاص لم يكن ذاهبًا لليمامة ليتنزه
مقتل مسلمة
كَتَبَ إِلَيَّ السَّرِيُّ، عَنْ شُعَيْبٍ، عَنْ سَيْفٍ، عَنْ أَبِي عَمْرِو بْنِ الْعَلاءِ، عَنْ رِجَالٍ، قَالُوا: كَانَ عَدَدُ بَنِي حَنِيفَةَ يَوْمَئِذٍ أَرْبَعِينَ أَلْفَ مُقَاتِلٍ، فِي قُرَاهَا
الطبري
وكانت الحرب ضارية يوم مقتله، تارة للمسلمين وتارة لبني حنيفة حتى قتل من المسلمين في تلك المعركة ٦٦٠ -حسب ابن الأثير-، وانتهت بمذبحة في حديقة الرحمن، حتى سميت بحديقة الموت، ويذكر ابن الأثير مقتل مسلمة ومعه الأخبار الساخرة، لا ندري إن كانت كذبًا وتشويهًا، أما أنها قصد من بني حنيفة أنفسهم ليخفوا جثة قتيلهم، فمجاعة بن مرارة الذي يتعرف على القتيل من بني حنيفة، فيورد ابن الأثير:
فخرج بمجاعة يرسف في الحديد ؛ ليدله على مسيلمة ، فجعل يكشف له القتلى حتى مر بمحكم اليمامة ، وكان وسيما ، فقال : هذا صاحبكم ؟ فقال مجاعة : لا ، هذا والله خير منه وأكرم ، هذا محكم اليمامة ، ثم دخل الحديقة فإذا رويجل أصيفر أخينس ، فقال مجاعة : هذا صاحبكم قد فرغتم منه . وقال خالد : هذا الذي فعل بكم ما فعل .
ووصل كتاب أبي بكر إلى خالد أن يقتل كل محتلم ، وكان قد صالحهم ، فوفى لهم ولم يغدر .
تعليقي: الحرص على إبادة القوم عن بكرة أبيهم لا أرى له حاجة
وممن اشترك في قتله حسب ابن الأثير: وحشي مولى جبير بن مطعم ورجل من الأنصار- يقول اليعقوبي أنه أبو دجانة الأنصاري-، وعبدالرحمن بن أبي بكر الذي رماه بسهمه، وقول اليعقوبي هنا غريب:
وقتل من المسلمين خلق عظيم، ثم قتل مسيلمة في المعركة، طعنه أبو دجانة الأنصاري، فمشى إليه مسيلمة في الرمح فقتله، ورماه وحشي بحربته فقتله، وهو يومئذ ابن مائة وخمسين سنة.
وكأن رجلًا في المئة والخمسين من عمره قادر على الحراك لحرب! ونقدر أنه في الستينات أو السبعينات، بل الأعجب هو أن رجلًا أصيفرًا صغيرًا ضئيلًا كما يقول ابن الأثير والطبري قادر على السير بعد طعنة!
دين مسلمة
وكانت نبوة مسلمة قبل الإسلام، ودعا لعبادة الرحمن، حتى عُرف هو نفسه برحمن اليمامة، ولا أدل على ذلك من اعتراض على السجود للرحمن لأنهم لا يعرفون إلا رحمن اليمامة قريش في تفسير الآية 60 من سورة الفرقان (إِذَا قِيلَ لَهُمُ اسْجُدُوا لِلرَّحْمَٰنِ قَالُوا وَمَا الرَّحْمَٰنُ أَنَسْجُدُ لِمَا تَأْمُرُنَا وَزَادَهُمْ نُفُورًا))، والآية من الآيات المكية في السورة، وتسبق سورة الفرقان سورة الكهف بكثير التي يقدر نزولها بعض العلماء لما قبل الهجرة للحبشة [٨]
بيضة قارورة وراية شادن.... وتوصيل مقصوص من الطير جادف
استدل مسيلمة على نبوته بقرآنه وبمعجزاته، فأدخل البيضة في القارورة وأخرجها، وأول من وصل جناح الطائر المقصوص، وأما إدخال البيضة فيرد المسلمون أنه سهل ببعض الخدع لها علاقة بالخل، فيقول الجاحظ في كتابه الحيوان:
والبيض إذا أطيل إنقاعه في الخلّ لان قشره الأعلى، حتّى إذا مددته استطال واستدقّ وامتدّ كما يمتدّ العلك، أو على قريب من ذلك- قال: فلمّا تمّ له فيها ما طاول وأمّل، طوّلها ثمّ أدخلها قارورة ضيّقة الرّأس، وتركها حتّى جفّت ويبست. فلمّا جفّت انضمّت، وكلما انضمّت استدارت، حتى عادت كهيئتها الأولى. فأخرجها إلى مجّاعة، وأهل بيته، وهم أعراب، وادّعى بها أعجوبة، وأنّها جعلت له آية. فآمن به في ذلك المجلس مجّاعة. وكان قد حمل معه ريشا في لون ريش أزواج حمام، وقد كان يراهنّ في منزل مجّاعة مقاصيص. فالتفت، بعد أن أراهم الآية في البيض، إلى الحمام فقال لمجّاعة: إلى كم تعذّب خلق الله بالقصّ؟! ولو أراد الله للطّير خلاف الطّيران لما خلق لها أجنحة، وقد حرّمت عليكم قصّ أجنحة الحمام! فقال له مجّاعة كالمتعنت: فسل الذي أعطاك في البيض هذه الآية أن ينبت لك جناح هذا الطائر الذّكر السّاعة! فقلت لسهم: أما كان أجود من هذا وأشبه أن يقول: فسل الذي أدخل لك هذه البيضة فم هذه القارورة أن يخرجها كما أدخلها. قال: فإني أريد أن أناجي ربّي، وللمناجاة خلوة، فانهضوا عنّي، وإن شئتم فادخلوه هذا البيت وأدخلوني معه، حتى أخرجه إليكم السّاعة في الجناحين يطير، وأنتم ترونه
ويقول الجاحظ بعد شرح الخدعة: فلما فعل ذلك ازداد من كان آمن به بصيرة، وآمن به آخرون لم يكونوا آمنوا به، ونزع منهم في أمره كلّ من كان مستبصرا في تكذيبه
وقد كان يوحى إليه، وله قرآنه، والإيمان بالملائكة وغيره من الرسل، ففي المرويات أنه قال للرسول أنهم هما الاثنان رسل، وأما إيمانه بالملائكة
الملك على أن ينزل إليّ، والملائكة تطير، وهي ذوات أجنحة، ولمجيء الملك زجل وخشخشة وقعقعة، فمن كان منكم ظاهرا فليدخل منزله؛ فإنّ من تأمّل اختطف بصره.
لهفي عليك أبا ثمامه ... لهفي على ركني شمامه
كم آية لأبيهم ... كالشّمس تطلع من غمامه
كان من أركان دين مسيلمة الصلاة، والصلاة عرفها الأحناف بل ببعض المبالغة قد نقول أن العرب عرفوا صلاتين على الأقل، صلاة الضحى وصلاة المغرب، منها ما قاله ابن عساكر عن صلاة زيد بن عمرو بن نفيل صلاة المغرب ركعة وسجدتين، وهو ما قد يدلنا على أن طريقة الصلاة نفسها عرفها العرب قبل الإسلام [٩]، وأما صلاة الضحى فقد كان الرسول يصليها وقريش لا تنكرها [١٠] وإن لم يتحدث الخبر عن صلاتهم إياها، ولكن على الأقل يؤكد معرفتهم بها.
وأول الصلاة إذ فرضت في الإسلام "صلاة الركعتين" وكانت قبل غروب الشمس وقبل طلوعها، أي موافقة لصلاة الضحى والمغرب حتى ليلة الإسراء وفرض الصلوات الخمس.
يقول الأعشى -البيت يشك البعض في أنه موضوع-:
وإني ورب الساجدين عشية..... وصك ناقوس النصاري أبيلها
ويقول في مدح الرسول:
وصل حين العشيات والضحى.... ولا تعبد الشيطان، والله فاحمدا
وبيده أن يضع الصلاة عن قوم تخفيفًا، ومن ذلك قصته مع سجاح حيث جعل صداقها وضع عنهم صلاة الفجر وصلاة العشاء، ويستغرب المسلمون ذلك وكأن الرسول لم يخفف عنهم الصلاة بدلًا من خمسين فجعلها الله خمس،
وقال ابن الأثير أنه كان لها آذان وإقامة حيث يقول:
وكان يؤذن له عبد الله بن النواحة ، والذي يقيم له حجير بن عمير ، فكان حجير يقول : أشهد أن مسيلمة يزعم أنه رسول الله . فقال له مسيلمة : أفصح حجير ، فليس في المجمجمة خير . وهو أول من قالها .
وبنو تميم وضعت عنهم صلاتي الفجر والعشاء حتى قال الطبري في تاريخه أن عامتهم لا يصلونها حتى يومه -تاريخ الطبري (تاريخ الأمم والملوك) 1-6 مع الفهارس ج2 ص ٢٧١.
والصلاة عنده على الأغلب قيامًا لا ركوع فيها ولا سجود، وهذا حسب خبر بالأسفل وضعناه في قرآنه والله أعلم.
وكان لها وضوء، ففي جزء من رواية:
وقالوا: تتبع حيطانهم كما كان محمد ص يصنع فصل فيها: فدخل حائطا من حوائط اليمامة، فتوضأ، فقال نهار لصاحب الحائط: ما يمنعك من وضوء الرحمن فتسقي به حائطك حتى يروى ويبتل، كما صنع بنو المهرية
ويورد ابن الأثير كلام يسهل تكذيبه، فهو نفسه بعد كل جملة يقول "واستبان ذلك بعد مهلكه" ولا يزيد هذا الكلام عن كونه تشويهًا تقليديًا لأي عدو، كما شوهوا صفات الرجل الجسدية، وكانوا قومه شديدي الإيمان به وبأنه رسول الله
كتب إلي السري، قال: حدثنا شعيب، عن سيف، عن خليد بن ذفرة النمري، عن عمير بْن طلحة النمري، عن أبيه، أنه جاء اليمامة، فقال: أين مسيلمة؟ قالوا: مه رسول اللَّه! فقال: لا، حتى أراه، فلما جاءه، قال: أنت مسيلمة؟ قال: نعم، قال: من يأتيك؟
وكان له تشريعات، فمنها ما جاء عن أنه: من أصاب ولدًا واحدًا ذكرًا لا يأتي النساء حتى يموت ذلك الولد، فيطلب الولد حتى يصيب ابنًا ثم يمسك -كما ذكر في الكامل في التاريخ- وكأنه يقول بتحديد النسل، فللرجل أن يتزوج حتى يولد له ولد فلا يلمس أنثى، وهذا الخبر عجيب غريب، ربما كان ما شرعه هو عدم التعدد في الزوجات.
ولم يكن في دينه زكاة، بل قد كان ينظر لها على أنهت إتاوة، ويعطي هو ولا يأخذ، مثلما أعطي لسجاح نصف الغلات مقابل التحالف.
وكان من دينه الإيمان باليوم الآخر -راجع كلامه لسجاح في قرآنه بالأسفل- والصيام يومًا واليوم الآخر لا، والإيمان بالبعث والخلود -راجع قرآنه وحديثه عن حبة الخردل-.
ويبدو من بعض المرويات أنه حرم الخمر، والبعض الآخر أنه استحلها، ولا ندري أيهم حدث وكلاهما جائز وإن كنا نعتقد أنه أحلها فلم يحرمها أحد من الأحناف إلا ورقة بن نوفل.
وحرم اليمامة ومناطقها الزراعية، فأصبحت أرضًا حرام كما هي مكة -راجع قرآنه خبر يبدأ ب ضرب حراما-
قرآن مسلمة حسب ما ذكر في المرويات
إن بني تميم قوم طهر لقاح، لا مكروه عليهم ولا إتاوة، نجاورهم ما حيينا بإحسان، نمنعهم من كل إنسان، فإذا متنا فأمرهم إلى الرحمن
والشاء وألوانها، وأعجبها السود وألبانها والشاء السوداء واللبن الأبيض، إنه لعجب محض، وقد حرم المذق، فما لكم لا تمجعون
يَا ضُفْدَعُ نَقِّي نَقِّي، لا الشَّارِبَ تَمْنَعِينَ، وَلا الْمَاءَ تَكْدُرِينَ، لَنَا نِصْفُ الأَرْضِ، وَلِقُرَيْشٍ نِصْفُ الأَرْضِ، وَلَكِنَّ قُرَيْشًا قَوْمٌ يَعْتَدُّونَ
لَقَدْ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَى الْحُبْلَى، أَخْرَجَ مِنْهَا نَسَمَةً تَسْعَى، مِنْ بَيْنِ صِفَاقٍ وَحِشَى.
ضفدع بنت ضفدع ، نقي ما تنقين ، أعلاك في الماء ، وأسفلك في الطين ، لا الشارب تمنعين ، ولا الماء تكدرين .
سمع الله لمن سمع
وهو أمات وأحيا وإليه المنتهى
لا أقسم بهذا البلد، ولا تبرح هذا البلد، حتى تكون ذا مال وولد، ووفر وصفد، وخيل وعدد، إلى آخر الأبد، على رغم من حسد.
إنا أعطيناك الجواهر، فصل لربك وبادر، إن مبغضك رجل فاجر.
إنا أعطيناك الجواهر فصل لربك وبادر في الليالي الغوادر.
إنا أعطيناك الجماهر، فخذ لنفسك وبادر، واحذر أن تحرص أو تكاثر.
والمبديات زرعا ، والحاصدات حصدا ، والذاريات قمحا ، والطاحنات طحنا ، والخابزات خبزا ، والثاردات ثردا ، واللاقمات لقما ، إهالة وسمنا ، لقد فضلتم على أهل الوبر ، وما سبقكم أهل المدر ، ريقكم فامنعوه ، والمعيي فأووه ، والباغي فناوئوه . *معارضة للذاريات
والشمس وضحاها، في ضوئها ومجلاها، والليل إذا عداها، يطلبها ويغشاها، فأدركها حتى أتاها، وأطفأ نورها ومحاها. معارضة لسورة الشمس
يا وبر يا وبر، انما أنت إيراد وصدر، وسائرك حفر ونقر معارضة للعصر
وربما كانت هذه المعارضات سخرية واستهزاءً
والآتي يبدو أنه منحول في كثير منه: إن الله خلق للنساء أفراجًا، وجعل الرجال لهن أزواجًا، فتولج فيهن إيلاجًا ثم تخرجها إذا تشاء إخراجًا، فينتج لنا سخالًا نتاجًا.
والآتي أشك أنه من قرآنه ولكن هو من كلامه لسجاح[٧]: سمع الله لمن سمع، وأطمعه بالخير إذا طمع، ولا يزال أمره في كل ما يسر مجتمع، رآكم ربكم فحياكم، ومن وحشته أخلاكم، ويوم دينه أنجاكم فأحياكم علينا من صلوات معشر أبرار، لا أشقياء ولا فجار، يقومون الليل ويصومون النهار لربكم الكبار، رب الغيوم والأمطار.
حسب الطبري ذكر عام ١١ ه: لما رأيت وجوههم حسنت، وأبشارهم صفت وأيديهم طفلت، قلت لهم: لا النساء تأتون، ولا الخمر تشربون، ولكنكم معشر أبرار تصومون يومًا وتكلفون يومًا، فسبحان الله إذا جاءت تلحياة كيف تحيون، وإلى ملك السماء كيف ترقون، فلو أنها حبة خردل لقام عليها شهيد يعلم ما في الصدور، ولأكثر التاس فيها الثبور.
وفي رواية عند ابن الشيخ عن الأصمعي ذكر فيها عن شيخ
أفلح من هينم في صلاته، واطعم المسكين من مخلاته، وحاط من بعيره وشاته، ويوسف إذا دلاه أبناء علة أصبح في قعر الركية ثاويًا
والليل الأطحم، والذئب الأدلم والجذع الأزلم، ما انتهكت أسيد من محرم، والليل الدامس، والذئب الهامس، ما قطعت أسيد من رطب ولا يابس
و.هذه الآيات قالها كما يورد الطبري : وضرب حرمًا باليمامة، فنهى عنه، وأخذ الناس به، فكان محرما فوقع في ذلك الحرم قرى الأحاليف، أفخاذ من بنى اسيد، كانت دراهم باليمامة، فصار مكان دارهم في الحرم- والأحاليف: سيحان ونمارة ونمر والحارث بنو جروة- فإن أخصبوا أغاروا على ثمار أهل اليمامة، واتخذوا الحرم دغلا، فإن نذروا بهم فدخلوه أحجموا عنهم، وإن لم ينذروا بهم فذلك ما يريدون فكثر ذلك منهم حتى استعدوا عليهم، فقال: أنتظر الذي يأتي من السماء فيكم وفيهم
كان مسيلمة إذا صلى بالناس يقول: ما يريد الله بتولية ادباركم وسجودكم على جباهكم، صلوا قياما كراما، الله أكبر.
المصدر هنا
اذكروا نعمة الله عليكم واشكروها إذ جعل الشمس سراجا، والغيث ثجاجا، وجعل لكم كباشا ونعاجا، وفضة وزجاجا، وذهب وديباجا ومن نعمته عليكم أن أخرج لكم من الأرض رمانا وعنبا، وريحانا وحنطة وزوانا
ويدعي جمال علي أن سورة الرحمن جزء منها لمسيلمة وجزء للرسول ولكن صراحة لا أجد ذلك مهمًا.
نظرات أخيرة على قرآن مسيلمة
بالتأكيد يتضح لأي عاقل أن أغلب هذه النصوص إن لم يكن كلها وضع للتفكه أو لبيان إعجاز القرآن، والغالب أنه لا يقترب إلا نص أو اثنين منها من قرآن مسيلمة فعلًا، فرجل بمثل فصاحته لن ولم يرتكب أخطاءً بلاغية بهذه البشاعة، رجل قال لسجاح "هل لك أن أتزوجك فآكل بقومي وقومك العرب" وقال لقومه قبل حرب الردة "أما الدين فلا دين، قاتلوا عن أحسابكم" فيقارن هذه المعاني وهذه الفصاحة بالضفدعة التي تنق والفيل وخرطومه الطويل، أو يقارن الكلام الذي لا يشك باحث واحد أنه موضوع في حديثه مع سجاح عن الجنس، أولمثل هذه المرأة القوية يقال هذا الكلام؟ والله لا أتخيله إلا يجل لها كل الإحترام، هذه امرأة جمعت الرجال وحولت الأديان! حتى تحكي الأخبار أنه يتحصن عندما تجيئه، ولكن ها قد جمعت لك ما استطعت منها، وتفكر أنت فيها، فكما قلت في البداية الهدف ليس البحث عن مسيلمة في التاريخ، بل البحث عن أنفسنا، فحتى لو انتوى جمال علي -صاحب الكتاب في أول المقال- ان يثبت بهذه الآيات أن مسيلمة يجل كل احترام بالمرأة -وإلا لما أقسم بها- ففي النهاية نضع أنفسنا أمام معارضات لا يمكن تفسيرها.
والأغرب في وجهة نظري أنا لا نرى ذكرًا للرحمن عند من عرف برحمن اليمامة؟! والله إني لأجد في شعر الأعشى ذكرًا للرحمن أكثر من هذا! على الأقل بعض الدهاء في الصنعة يا شباب!
هذا وقد انتهيت من سرد ما سردت، لا أطيق صراحة أن أراجع ما كتبته، وليكن الله في عون من سيقرأه، فكرت أن أجزأه ولكن لم أطق أن أهذبه وأقسمه وأنظمه، لذا فلتسامحوني على هذه الفوضى، ومن المفترض أن أسألك أسئلة ولكني لا أحتاج في هذا الموضع لأن أسأل، فأعتقد أنك بالفعل ستتحرك دفاعًا عن معتقدك، وأنا هنا أنتظر اعتراضاتكم، وأخيرًا سأشير لشخص عزيز قد وجدت له رأيًا على حسوب عن الموضوع حين بحثت عن مسيلمة في الموقع
[١] أخبار مكة، هذه النسخة ص ٦٢
[٢] تاريخ العرب القديم وعصر الرسول ص ٣١
[٣] المواسم وحساب الزمان ص ١٠٠
[٤]
[٥]
[٦] شرح العلامة الزرقاني على المواهب اللدنية بالمنح المحمدية 1-12 ج5 ص ١٥٦
[٧] البداية والنهاية 1-8 مع الفهارس ج3 ص ٣١٧ سنة ١١ه وبصيغة مختلفة نوردها لأنها أزيد في تهذيب تاريخ الطبري لرجب محمود بخيت
[٨]
وهذه دراسة قصيرة تتحدث في ص ٣٠ تقريبًا عن آراء العلماء في زمن نبوته
[٩] مختصر تاريخ دمشق لابن عساكر، الجزء التاسع، ص ١٦٥
[١٠]
التعليقات