لا بد وأننا جميعًا في خلال مسيرتنا التعليمية قابلنا أنواع مختلفة من المعلمين منهم من كان صارمًا جدًا ومنهم من كان ودودًا جدًا، وما بين كليهما درجات متبانية تجمع بين الاثنين، وفي بداية تجربتي كمبتدئة في المجال تم إخباري بأن علي دائمًا وضع مسافة بيني وبين الطلاب، وألا أكسر الحاجز بيني وبينهم بحيث لا تكون هناك أي فرصة للتعامل معًا سوى من خلال ما يتم تناوله أثناء الحصة، فحتى التعليقات البسيطة غير المتعلقة بها غير مسموح بها، وبرغم تطبيقي للقواعد إلا أنني لم اقتنع بها تمامًا داخليًا، فشعرت أنها تبعدني كثيرًا عن الدور الذي كنت أريد وظننت أنه علي أن أقوم به، فطالما كنت أريد أن أكون كصديق يستمع وينصح ويحول كل شيء صعب لأمر سهل ومرح، فمن وجهة نظركم هل يجب على المعلم أن يكون صديقًا لطلابه؟
صداقة المعلم لتلاميذه تضر أم تفيد العملية التعليمية؟
شخصيًا كمعلمة أحب فكرة صداقة الطلاب خاصة الصفوف العليا، ولكن على ألا يزداد الأمر عن حده لدرجة تجاوز الحدود، فلا بد أن يعرف المعلم جيدًا كيف يوازن بين كونه قريبًا من طلابه ويقدم لهم الدعم العاطفي والاجتماعي، وبين الحفاظ على سلطته التعليمية واحترام المسافة المهنية اللازمة لضمان بيئة تعليمية فعالة ومنظمة، فالمعلم يجب أن يكون مرشدًا وصديقًا في ذات الوقت، ولكن مع الحفاظ على التوازن المناسب لضمان سير العملية التعليمية بفعالية واحترام.
شخصيًا كمعلمة أحب فكرة صداقة الطلاب خاصة الصفوف العليا.
أنا على عكسك تمثل المراحل العليا بالنسبة لي تحديا أكبر مع إنحدار كبير في مستوى التربية والأخلاق الذي شهدته في المدارس، الطلبة يستندون على أولياء أمورهم وكلا الطرفين يرون المعلم كعدو يعكر صفو حياتهم بطلباته، وعلى هذا الأساس فالطلبة يتشجعون كثيرا لتجاوز الحدود دون أي خوف كما كان في السابق لأنهم يدركون جيدا أنهم لن يتأثرون بأي شيء، فكيف يمكن إنشاء صداقة معهم في هكذا وضع!
أعتقد أن العلاقة بين المعلم والطالب يمكن أن تكون متوازنة بين الود والاحترافية. يُمكن للمعلم أن يكون داعمًا ويُظهر اهتمامه بالطلاب، مما يُحسن البيئة التعليمية ويُحفز الطلاب على التعلم. وفي نفس الوقت، من المهم الحفاظ على حدود مهنية واضحة لضمان احترام القواعد والسلطة التعليمية.
من وجهة نظري، يمكن أن تكون العلاقة الجيدة بين المعلم والطالب عاملاً إيجابيًا جدًا إذا تم إدارتها بشكل صحيح. بوجود الحدود الواضحة يمكن للمعلم أن يكون بمثابة مصدر الدعم والمشورة، مما يساعد الطلاب في تطورهم الأكاديمي والشخصي دون التأثير على هيبة المعلم في الصف.
أتذكر أن من بين جميع أساتذتي في كافة المراحل التعليمية، اثنان فقط من تركوا بصمة في ذاكرتي، ولم يكن ذلك بالضرورة لتميزهم في الشرح عن أقرانهم، ولكن لأن كليهما عاملنا كأصدقاء أو إخوة صغار، فكنا نلجأ إليهم عند حدوث مشاكل لنا خارج الفصل، وداخل الفصل تركوا دائمًا مساحة للترفيه والنقاش وحتى النصح لنا ونحن صغار، ربما قد أفترض أن ذلك جعلهم يحصلون على نصيب من السخرية أو التوبيخ من باقي الأساتذة، الذين يحبون أن تكون دائمًا العلاقة مع التلميذ هي علاقة سلطوية أبوية، ولكن تلك العلاقة بالتأكيد حصلت لهذين المعلمين على ما هو أكبر فرغم مرور أكثر من عشر سنوات مازال كثير من الطلاب يذكرهم بكل خير.
نعم بلا شك، المعلم الصديق أكثر تأثيرا من الصارم، لكننغ لا ننكر أن لكليهما ايجابيات وسلبيات،(في حال اعتبرنا أن كلا المعلمين يتحليان بالمسؤولية تجاه تعليم الطلاب والأمانة) فنحن لا نتحدث عن المعلم القاسي الذي لا يضع اي اعتبارات لمصلحة الطلاب او علاقته الانسانية بهم ويرى التعليم مجرد مهنة لكسب راتب وحسب دون احترام رسالة التعليم النبيلة، هذا بلا شك لا يوضع في نفس المستوى مع بقية المعلمين باختلاف أساليبهم، لكن المعلم الصارم الذي يكون أمينا خادما لرسالة التعليم، مهما كان اسلوبه حازما بعيدا عن اللين والتساهل حرسا على الحفاظ على نظام البيئة التعليمية واحترام الحدود، يمكن أن تبدر منه مواقف جميلة ترسخ في أذهان الطلاب، ومع أني شخصيا أفضل المعلم الهين اللين الصديق، لكنني أفضل أن يكون حازما في بعض المواقف (ليست الخاصة بالتعليم نفسه بل اقصد مواقف الشغب وتعدي الحدود الاخلاقية والاداب العامة)، هذا الحزم احيانا هو مايجعل الطلاب يفكرون دائما بطريقة: "هذا المعلم رائع وسمح ولطيف في التعليم، يمكن أن أسأله عن اي شيء دون ان اشعر اني غبي او ان يعاتبني، يشرح لي باكثر من طريقة كأنه صديقي، حببني في المادة الخاصة به، لكنه غير متسامح ابدا عن الفوضى والشغب، السلوكيات السيئة في حصته قد تكون عواقبها وخيمة جدا"
المعلم الذي ينجح في رسم هذه الصورة في أذهان طلابه هو الأمثل برأيي.
أعتقد أن وصلت لأفضل نموذج يوازن بين الأمرين يا رفيق، بالفعل هناك حالات يلزم فيها الصرامة وحالات أخرى لا مشكلة من إظهار اللين والود فيها، أنا كذلك أفضل الطريقة التي تسمح لي بالتعرف على الطلبة أكثر وفهم شخصياتهم لأستطيع مساعدتهم على فهم أنفسهم والتغلب على مشكلاتهم سواء في التعليم أو في الحياة عموما. الإنسان يقضي ما يقارب من ١٥ أو ١٤ سنة في التعليم قبل الجامعي نصف يومه يقضيه في بيئة المدرسة فلا شك أن مؤثر كبير جدا على حياته، ولأن لكل مرحلة حساسيتها وسماتها فهم محتاجون لشخص يمد لهم العون لتجاوز كل مرحلة بسلام وليس لشخص يجعلهم أصعب عليهم.
التعليقات