قمت بكتابة الجزء الأول من قصة وفكرت في أن أشاركها معكم بشكلها الحالي ليقوم كل منكم تكرماً بنسخها وكتابة مقطع بطريقته ثم يأتي آخر ويكتب مقطع آخر كنوع من أنواع تبادل الإلهام وتحفيزه .
أَعَلينا وأنت غرس يدينا!!؟
لم يكن تاجر القماش أبو الحسن ذو الأربعة والسبعون عاماً تاجراً عادياً، بل كان مليئاً بالتفاصيل، دلته التجارب إلى المعنى الخفي للأمور، مكنته من النظر في حقيقتها وزادت كفائته في إدراك الواقع.
في طريقه إلى السوق يجول بنظره باحثاً عن البسطاء والفقراء والمغبونين ليعطيهم قوت يومهم أو قوت عيالهم وربما يسد عنهم ديونهم أو يسمع منهم ويدعو لهم، فلا أحد يقف معه إلا ونال نصيبه من الخير وكأنما خاض في جزة صوف لم يخرج منها إلا حاملاً بعض شعيرات الصوف التي علقت به دون أن يدري.
يرونه وهو يوشك على السقوط مع كل خطوة يخطوها فيركضون نحوه لمساندته، لكنه يغرس عصاه في الأرض فيرتكز عليها بدنه الذي أخذ في الوهن ثم يشدها ليستقي منها القوة وتشده ليواصل الطريق.
يرونه أيضاً واضحاً صادقاً بريئاً من التناقض وبعيداً عن الشكوك، يرتدي مما يبيع للناس وكأنه يعرض جودة بضاعته على جسده فيحسن اختيارها كما يختار كلماته التي تجري على لسانه، رداءه وأناقته هو الترجمان الأول على أنه تاجر أقمشة.
في مكان بارز وسط السوق يوجد محله، وهو الأقدم والأكبر والأعتق وكأنه بوابة مفتوحة على حكايات الماضي، انتثرت الذكريات على رفوفه الخشبية بين مساطر الأقمشة ومطربانات الخرز والسيلان واللولو، وفوق طاولة النرد وخلف كرسي الخيزران.
عندما يصل أبو الحسن إلى محله، ينحني بسنواته وجسده ممسكا قفل غلق المحل، يهز السلك ويعاند رعشة يديه حتى يدخل المفتاح في غله، ثم يمسك الستار الحديدي بكلتا يديه اللتان خاضتا غمار الحياة وينهض معلناً للسوق بأكمله بأن يوماً جديداً قد بدأ.
فتهيج الطيور المعششة فوق اسطح المحلات من صوت قرقعة ستار المحل، وتتسرب الطمئنينة في قلوب التجار والباعة المتجولين، فينادي كل منهم على بضاعته بألحانه وكلماته لتمتزج مع مساومات السيدات وطرائفهن.
يجلس أبو الحسن ليريح أنفاسه المتلاحقة، قبل أن تصل إحدى المحظوظات، (فالمحظوظة في عرف السوق هي العروس التي تصطحبها أمها لشراء لوازمها من محل أبو الحسن)، حتى وإن توفرت بضاعته في محلات أخرى فإن علاقة ثقة وعاطفة وذكريات طويلة الأمد تربط الزبائن بمحله، إضافة إلى أن المتر لديه هو مئة وعشرة سانتيمتر، ولم يسلم أبو الحسن من بعض الحكايات التي تناقلتها النساء عن حسن طلعة العروس وبياض بختها إن ابتاعت من أقمشته.
كان أحد أهم مبادئه هو الاعتماد على يده دون الاستعانة بأجير، وكلما نصحه التجار بانتقاء صبي أو صانع كان يردد (لايحك جلدك مثل ظفرك).
وكان من عادات تجار السوق أنهم يصطنعون الأجير، فيأخذونه صبياً صغيراً ليتدرج بالمهنة وينسب لها ثم يكون عاملاً فيتعلم حس الصنعة، وأسرار السوق، و مكارم الخلق وشرف المهنة من شيخ الكار، فما ان يشتد عوده حتى يتخاطفه التجار..
في صباح يوم أغبر أتت امرأة إلى السوق مع ولدها
التعليقات