الدرس الأول لكي يكون المرء فيلسوفاً أن يكون تلميذا جيداً لفيلسوف جيد، وهذا ما نعثر عليه في سيرة العظيم فريدريك نيتشه، الذي وجد في شوبنهاور ضالته وبطله.

تبدأ تلمذة نيتشه على شوبنهاور – حسب الكتاب- حينما وقع صدفة على كتابه" العالم إرادة وتمثل" في أحدى المكتبات القديمة، فيصف نيشته علاقته بهذا الكتاب ببهجة وإجلال كبير، يقول بأنه يشعر كأنما شوبنهار قد كتب هذا الكتاب خصيصا له، وإلى هنا يبدوا هذا أمرا عاديا، كلنا نشعر بهذا الشعور الغريب بأن كتابا ما قد كتب إلينا تحديداً، لكن المثير للإعجاب هي الطريقة التي يتحدث بها نيتشه عن معلمه، واصفاً علاقتهما بعلاقة الذات بالذات، الذات النتشوية تتلاقى وتمتزج بالذات الشوبنهاورية، فيحدث سحر فرادة القارئ بالمقروء، ويستيقظ عصر شوبنهاور من سباته في عصر نيتشه،  وفي نفس الوقت يُلهم نيشته لاستذكار ذاته ووجوده.

لكن مالذي يجعل شوبنهاور بالذات، المعلم الأمثل لرجل لا يعجبه العجب ولم يسلم أحد من نقده؟

الجواب ببساطة هو أن شوبنهاور في نظر نيتشه نجح في أن يكون فيلسوفاً استطاع أن يخلق عالم جديد ومستقبلي غير الذي وُلد فيه، وسيستمر في خلق عوالم جديدة مع كل قارئ له، واستطاع أن يعطي العالم معناه الحقيقي من خلال المعاناة كبعد وجودي، الكآبة والعزلة واليأس كسبيل للخلاص به لا للخلاص منه، وهكذا خلق شوبنهاور المعنى داخل العدمية،  وهذا ما جعله يستحق أن يكون دليلا فلسفيا ومعلما على غرار أساتذة اليأس الذين لا يصنعون إلا عبيدا وأتباعا جدد غير قادرين على التفكير.