كلنا التقينا مثل هذه العقلية التي تري وتؤمن بأن الرواية مجرد مضيعة للوقت. كنت في الأول اناقشه وأجاحدهم محاولة تغيير وجهة نظرهم، لكنني اقتنعت أنهم لا يتغيرون فتركتهم لحالهم.
ستكونون قد عشتم نفس هذا الموقف، كيف تصرفتم حينها؟ وما هي وجهة نظركم؟
لا أرغب على الإطلاق في تناول مثل هذه الآراء على أنها مسار للنقاش. إن العقليّة التي تتناول مفهوم الأدب الروائي والقصصي من هذه الزاوية لا تدرك موقفها من العالم بالقدر الكافي. إن الحكاية منذ قديم الأزل تمثّل الوسيط المثالي لفهمنا للعالم. ولو منح هذا الشخص نفسه بضع دقائق فقط للتفكير والتأمّل في كل أفكاره ومعتقداته، سيدرك أن الوسيط الذي تناول كل هذه الأفكار من خلاله كان القصّة، بشكلٍ أو بآخر، وبالتالي فإن الرأي لا ينم إلّا عن عدم فهمٍ للكثير من المعايير التي يتشكّل وعي الإنسان على أساسها.
الاقتصار على قراءة الروايات = خلل كبير في البناء المعرفي للإنسان ويصدُق عليه قول القائل أنه: مضيعة للوقت.
أعمارنا قصيرة، وما نجهله أكبر بكثير مما نعلمه، فلماذا تُبذَل الأوقات والأعمار في روايات - كثير منها - مليء بالحشو والأفكار الخاطئة التي لا تفيد المرء لا في دينه ولا دنياه؟!
أما إن كانت الروايات تشغل مساحة بسيطة من الجدول القرائي للإنسان فهذا لا بأس به، وإن كان شغلها بما هو - في كثير من الأحيان - أكثر متعة وفائدة؛ أولى.. مثل الكتب التاريخية والتراجم الذاتية. مع بذل أكثر الوقت في القراءة النافعة التي تسهم في ترقّي الإنسان وارتقاءه في معارج العلم.
الاقتصار على قراءة الروايات = خلل كبير في البناء المعرفي للإنسان ويصدُق عليه قول القائل أنه: مضيعة للوقت.
ما معنى الاقتصار على قراءة الروايات؟ أظن أن فكرة التنظير على قراءة الأدب ليس بالأمر المحمود على الإطلاق. فعلى الرغم من أن الكثير من الأشخاص يرون أن الأدب يأتي في مرتبة أدنى من الكتب، فإن هذه النظرة لا تنم إلّا عن جهلٍ بجوانب الأدب، ذلك الفن الذي يصدّر مجموعة من التجارب اللغوية الإنسانيّة الخاصة. وعليه، فإن التعاون مع أنفسنا من أجل إتقان التقليل من شأن الأدب أو فرع من فروعه الأكثر ثقلًا كالرواية لا ينم إلّا عن قصور في معرفتنا به. فعلى سبيل المثال، الحضارة العربيّة التي نتفاخر بها ونزهو بإطلالاتها الفكريّة واللغويّة قامت بصفة أساسيّة على الأدب.
لا بد من التفريق بين الكتب الأدبية العريقة، مثل كتب الجاحظ وابن قتيبة، وبين الروايات المعاصرة التي تكتب بحروف عربية ولكنها بأساليب أعجمية.. وعلى فكرة: اغلب الروايات هذا حالها، وليس رأيي هذا وإنما رأي أصحاب الصنعة!
الفصحى التي يكتب بها كثير من الكتاب اليوم أقرب إلى لغات الإفرنج منها إلى لغة القرآن.
وما هي وجهة نظركم؟
الروايات كانت المدخل للقراءة بالنسبة لي، من طفولتي للان تمثل الروايات جزء لا بأس به من مجمل قراءاتي، أقدر الرواية الجيدة ولكني لا أنتظر منها تعليمي شيء!
من وجهة نظري فقرائتي للروايات هي سبيل للبحث عن أسئلة جديدة، لأحيا حياة لن أستطيع عيشها في واقعي الحالي ولست منتظرًا لاجابات منها أو دروس مستفادة.
وأعتقد أن هذه هي الطريقة الأصح لقراءة الروايات -من وجهة نظري-
أما بالنسبة لمن يرى أن الروايات مجرد مضيعة للوقت فمن المؤكد أن رأيه مبني على أساسات قوية وتجارب سابقة لها كل الاحترام ولكني لا أتفق مع هذا الرأي، فالقراءة بوجه عام ممتعة وان لم تكن مفيدة من أي جانب فعلى الأقل ممكن أن تفيد المرء روحانيًا او حتى إطلاعًا على ثقافات مختلفة في الروايات المترجمة.
اشكرك على هذا الرد القيم. متفقة معك قليلا لكنني أرى أن حتى الروايات لها القدرة على تعليمنا أشياء لن تستطيع الكتب الأخرى تعليمنا. يمكننا أن نتعلم من حياة الأشخاص الآخرين نتعلم من أخطائهم ونعيش معهم خيباتهم والآمهم لتجنبها في حياتنا الواقعية.
رأيك يحترم وشكرا لك على الإجابة.
ما أراه أنً الكثيرين قد لا يقرأون الرواية وقدرتها على التأثير. بل ربما يقرأها البعض من باب التسلية أو من باب اكتساب اللغة و التعابير. ولكن للرواية خطر عظيم في المجتمع ود تسجل الروايات لحقب زمينة بعينها في المجتمع. خذ مثلاً روايا تشارلز ديكنز مثل أوليفر تويست وقصة ميدنتين و أوقات عصيبة وغيرها. فهي ترسم لك ملامح العصر الفيكتوري ويمكن من خلالها ان تستشف وترى كيف كان المجتمع يفكر و يتعاطى مع الكثير من الأشياء و المبادئ و المُثل وفيما يخص الثورة الصناعية وغيرها. كذلك، الرواية قد تستعمل الرمز فتعمي على القابضين على أزمة الحكم في فترات معينة فلا يعرف مغزى الرواية وما ترمي إليه إلا من يعلم كيف يقرأ الرمز ويعي ما بين السطور.
حينما تقرأ رواية فإنك تسافر إلى عالم آخر، وتستفيد من تجارب شخصيات أخرى حتى ولو كانت غيرحقيقية، الرواية عالم غامض لكننا نكتشفه ونفتح أبوابه المغلقة بما لدينا من مفاتيح الأدب والوعي، الكثيرون لا يحبون الرواية، والسبب الحقيقي لان الرواية أقرب إلى الواقع وتعري مجموعة من الحقائق التي يرفض الكثيرون معرفتها ويتهربون من حبكتها . الرواية مواجهة فكرية ونفسية ينتصر فيها القارئ البطل..
التعليقات