بدأ دوستويفسكي روايته بعنوان رسائل من تحت الأرض برجل يعيش تحت الأرض، سئم الحياة وسئمت منه الحياة، يكره الناس ولا يطيقه أحد، رجل متناقض جدا إلى أبعد الحدود، فيه العديد من السلبيات، ومع ذلك يكرر دائما أنه يبحث عن الجمال، وربما تبدأ شخصيته هنا في الظهور وهي الشخصية المتناقضة بكل ما للكلمة من معنى ، يظهر عكس ما يبطن، يقر قراره أن يقوم بفعل معين ثم يذهب ليفعل عكسه تماما ، يفكر ويحلل ثم يقوم بشيء لا يفرضه عليه لا عقله و لا ضميره

يقدم لنا الكاتب العبقري دوستويفسكي بطل روايته فجأةً على أنه شخص مثقف، مثقف القرن 19، وعلى الرغم من ثقافته وكثرة قراءته وبحثه، إلا أنه لا يعرف من هو، ويقول بشكل واضح أنه لم يستطع أن يكون لا حقودا ولا طيب القلب، لم يستطع أن يكون بطلا أو حشرة، كل ما يفعله هو الجلوس في زاوية غرفته أسفل الأرض، جلوسًا مهينًا لا يعرف أحد وجوده، لكن يجد البطل عزاءً لهذا وهو أنه إنسانٌ ذكي جدًا، ووحده الأحمق من يستطيع أن يكون شيئًا

بعد 40 سنة يقرر هذا الرجل البائس والحزين كتابة مذكراته، يرى أن هذه هي الطريقة الوحيدة حتى يعرف كل شيء، يريد أن يعترف بعد هذا العمر الطويل أمام نفسه، لا يهمه العالم ولا يهتم أن يقرأ أحد مذكراته، وهنا يبدأ كاتب الرسائل بكتابة مواقف حدثت خلال حياته، بعضها استمر لدقائق لكن ظل بها لسنوات، أبسط المواقف التي تحدث في حياتنا وتمر بعد ذلك مرور الكرام، لا تمر مع هذا المثقف، بل يحملها معه فوق ظهره