بالتأكيد في يومٍ ما وأنت تعمل شعرت بأنك أنجزت معظم العمل بالرغم من أن فكرك مشغول بأمور أخرى لا علاقة لها بما تقوم به من مهام، أو أنك كنت تقود سيارتك نحو وجهة معينة بينما أخذك التفكير بأشياء ومشاكل يومية لكنك بالرغم من ذلك وصلت لوجهتك المقصودة حتى وإن لم تتذكر تفاصيل الطريق (الشوارع الفرعية والأماكن التي مررت عليها).

وحتى لا نذهب بعيداً، إن كنت لا تمتلك سيارة أو لا تعمل الآن، وكان عليك الدراسة لإختبارٍ ما، قد تُنهي جزءً من الكتاب دون معرفة كيف فعلت ذلك! أو أنك تستمع للموسيقى وتغني معها بينما تُنهي دراستك بشكل لا بأس به.

كيف نفعل ذلك؟ هل لدينا عقلين مثلاً؟ أو قدرات خارقة؟

يجيب عالم الأعصاب ديفيد إيجلمان على هذه التساؤلات من خلال كتابه المُتخفِّي الحيوات السرِّية للدماغ، بأن الدماغ لديه قدرة فعلية على إنجاز معظم مهامنا اليومية دون حاجتنا للتركيز أو دون ضرورة حضور وعينا الكامل.

حيث يخبرنا في أحد الإقتباسات "فمهما شعرت بأنك مسؤول عما أنت عليه فإنك ستبدو كمسافر ضئيل على ظهر سفينة بخارية ضخمة، يَدّعِي أنه صاحب الفضل في إنجاح الرحلة، متجاهلاً بسذاجة التقنيات الهندسية الهائلة التي تقبع تحت قدميه".

فالدماغ لا يعمل دائماً بإرادتنا الحرة وأننا ليس لدينا إلا ترابط بسيط في فهم كيفية عمله، بل إن هناك حيوات سرية تقبع داخله قد تجعل من تصرفاتنا أشخاصاً مختلفين تماماً عما تصورنا أنفسنا.

بدأت رحلتي المشوقة مع هذا الكتاب حينما قرأت عبارة جوهرية يقول بها الكاتب "ثمة شخص ما في رأسي لكنه ليس أنا" ومع قرآتي لفصول الكتاب بدأتُ أدرك كيف أن القرارات والاختيارات التي قمت بأخذها طوال حياتي لم تكن تماماً تحت وعيي وإرادتي الكاملة بالرغم من تأكدي وقتها أنها كذلك.

كشف لي الكتاب أيضاً أن لا شيء من تصرفاتنا يحدث إعتباطياً فالدماغ حتى في أدق تفاصيل حياتنا البسيطة تكون لديه سلطة أولى علينا ومثال على ذلك أنه لو صدف وقرر أحداً الزواج ووجد أن شريكه يحمل نفس أول حرف من اسمه فـ الطبيعي هنا أن يعتبر الأمر مجرد صدفة! لكن يوضح لك الكاتب في دراسة أجراها على ولاية جورجيا ومقاطعة ليبرتي أن معظم الناس يتزوجوا من شركاء تتشابه أوائل حروف أسمائهم ولا يعود السبب إلى الأحرف، بل يعود إلى أن أولئك الأزواج يذكِّرون أزواجهم بأنفسهم فيميل الناس إلى حب انعكاسات أنفسهم على الآخرين.

ومن هنا لا ينّفك هذا السؤال عن مغادرة عقلي، هل نحن حقاً نمتلك السلطة الأولى على أدمغتنا في توجيه تصرفاتنا؟