أنت الان في قسم الطوارئ يتم تجهيزك للنقل إلى مصلحة حفظ الجثث!، ها أنت تفارق الحياة بعد حارث مروري مروع، انهى كل إمكانيات الحياة لذلك، تم إنعاشك بكل الطرق الممكنة، لكن دون فائدة، قد أعلن موتك السريري رسميا قبل خمس دقائق بالضبط، أنت الأن على بعد ساعات قليلة من عالم الخلود الأبدي حيث النار الأبدية أو الجنة السرمدية الأبدية، لقد دخلت منذ الثانية الأولى لموتك في ظلام دامس، برد قارص لا يحتمل، بالكاد تحتمله بشرتك المزرقة حد السواد، أصوات أجراس عالية تفجر طبلة أذنيك، وشعور مروع بالسقوط من مكان شاهق العلو إلى اللامحدود بينما تلاحقك وحوش وأشباح جائعة وأصوات ضحكات تسخر من جسدك الضعيف... توقف للحظة، إلى متي سوف تستمر الاعتقاد أن هذا هو سيناريو الموت فعلا؟ ألم تفكر في أن هذه القصة أصبحت مبتذلة بعض الشيء وتحتاج إلى تفكير أعمق، طيب لنسأل بجدية هذه المرة، ما هو الموت؟ هو مخيف إلى هذه الدرجة بالفعل؟

قبل قرون قليلة من الميلاد ظهرت فلسفات تحاول أن تجيب على سؤال الموت، باعتباره أهم سؤال لمعرفة معنى الحياة والسعادة، من أهم هذه الفلسفات، الفلسفية الأبيقورية التي تعتبر أن الطريق الوحيدة للوصول للأتراكسيا، أي السعادة والطمأنينة هي التخلص من الخوف بكل أشكاله، باعتباره أسوء أنواع الأوهام العقلية وأكثرها دمارا،وأكثر ما يمنع السلام والسعادة. وأكثر المخاوف سوء وعبثية هو الخوف من الموت.

يُجادل أبيقور، في أن الخوف من الموت هو مجرد حالة وهمية ناتجة عن ثلات أشياء: 1/نفورنا من الألم وخوفنا منه، 2/ نقص الوعي حول الموت.3/حالات التضخيم التي افتعلها البشر حول هذا الموضوع نتيجة لعدم قدرتهم على اختباره والحكم عليه بعده، فلا أحد عاد من الموت ليخبرنا ما هو، هذا الغموض هو ما يفتك بعقولنا حوله،، وهذا الخوف يفاقمه الاعتقاد الديني في إنك إن جلبت على نفسك غضب الآلهة، فسوف تعاقب عقابا جسيما في الآخرة. 

للتغلب على هذا الوهم يشرح أبيقور طبيعة الموت في حد ذاتها، فيقول بأن الموت هو الاشيء حرفياً! فالموت ببساطة هو نهاية الوعي، إذ لا يمكن أن يكون مؤلما أو مخيفا بأي حال، وهو نهاية الأحاسيس لأن الجسد فقد كل قدراته على الإحساس، فلا يمكن أن يستقبل أي إشارات تسمح له بالألم والمعاناة أثناء موته، الأمر ببساطة هو أن الموت هو عودة إلى الحالة الطبيعية التي كنا عليها في البداية، فأبيقور يرى كما يرى أصحاب النظرية الذرية بأن الإنسان كأي شيء في الكون مكون من ذرات متصلة مع بعض، فالروح هي مجموعة من الذات متناسقة بشكل معين ملتحمة بالجسد، عند الموت تتفكك تلك الذرات وتعود إلى صورتها الأولى لا أكثر، وهذا ما يجعل تجربة الألم غير واردة أصلا، لذلك يقول أبيقور جملته الشهيرة: "عندما نكون أحياء فتجربة الموت غير موجودة إذن لن نشعر بالموت وعندما نموت لن نكون أحياء لنشعر بالموت، لذا الخوف من الموت هو ضرب من الجنون".

شاركنا برأيك في تحليل أبقور لمسألة الموت؟ هل تراه محق؟ كيف تتغلبون على شعور الخوف من الموت؟