لأنَّ كلامَ المكاتيب ماتْ لأنَّ كلامَ الرواياتِ ماتْ

أُريدُ طريقةَ عشقٍ أحبُّك فيها بلا كلماتْ. (نزار قباني).

لقد قام الأدب في البدء على الطرافةِ، وحب الانزياح؛ محاولاً بذلك الانفصالَ عن حياة الواقع، والتعالي على الماديِّ والمتاح. ومِن هنا اكتسبت اللغة سحريتها، واستحق الشِّعرُ على العالَمينَ أن يُسَلِّموه أنفسَهم ليحلِّق بهم في معارجَ مِن الصفاء، وعوالمَ مِن الخيالِ اللطيف.

ولكنَّ الشعرَ يفقدُ قدرتَه، ويتنكَّر لأصحابِه خين يتخلى عن روح الطرافةِ والإبداع فيه، ولكن مِن أين يأتي الإبداع؟. لِلحسْنِ مآتٍ عديدة، وليس منها قطعاً التكرارُ، واجترار السابق.

أعتقد أن أخطرَ خطأ يرتكبُه الفنَّان عموماً أن يُكرِّرَ نفسَه أحرى غيرَه في عملِه الفني، إنه يُصيبُ جمهوره بنوعٍ مِن خيبةِ الأمل!، الجمهور يتطلعُ إلى المُفاجئِ والطَّريفِ في الأمر، وليست غايتُه أن يُكرَّرَ له القديم أيا كانت قيمته.

يحاول نزار قباني أن يستحدث كلماتٍ لم يطمثها إنس ولا جان، وأن يجترح معاني في الحب لم تخطر ببال أحد؛ إنه يترفع على الموجود، والمعروف، والمتاح..إلخ.

لا غرابةَ إذن أن استطاع نزار أن يختطف قلوب العرب، وأن ينال ثقة الجمهور؛ لأن هاجسَه الذي كان يشغلُه هو أن يفاجئهم بالجديد.

ولا شكَّ أن الكلمةَ والمعنى يفقدان رونقهما بالتكرار وإعادة الاجترار المستمر، وهنا أتذكر مقالةً للشاعر الفرنسي: (جيرار دي نرفال)، يقول فيها: "أولُ رجلٍ شبَّهَ امرأةً بوردة كان شاعرا، أما الثاني فمجرد شخصٍ معتوه".

 مِن ناحيةٍ أخرى، يحاول الكاتب أن يحتوي النصوصَ السابقةَ عليه في نصِّه المحدث؛ يفترض أنَّه في عمليَّةِ تواصلٍ وحوارٍ مع كل النصوص السابقة، وخاصةً تلك التي تحضر بقوةٍ في اللاوعي الجمعي للأمة والشَّعب؛ إنها محاولةٌ لتثوير الذاكرةِ الأدبيَّة، واستفزازٌ للمدوَّنة الشعبية.

فهلْ هي حيلةٌ يتقمَّص بها الكاتب غيره، أم هي فعلاً مشاريعُ إعادةِ قراءة وتثويرٍ للنصوص؟