يقول الشاعر إدريس الجائي في قصيدته "الفردوس المفقود"

 وقفت حيران أشكو****إلى الجنادل ما بي

وقلت يا نفس شتا**** ن بين غاب وغاب 

إن هذين البيتين، مقتبسين من قصيدة "الفردوس المفقود" للشاعر إدريس الجائي،

 وهي قصيدة، يشكو فيها الشاعر حزنه إلى الجنادل، لأنه يصورها كالإنسان، الذي يصغي لأنينه وشكواه.

لكن، أحيانا نستغرب من هذه السهولة، التي صار عليها الشعر، سواء من ناحية فهم مخزى الكلمات، أو من ناحية فهم مضامين القصيدة. وبالفعل، يبقى هذا التساؤل واردا للكثيرين، خاصة عندما نقرأ قصيدة لعنترة بن شداد، الشاعر الذي تميز بفحولة أشعاره، ورصانة كلماته الشعرية المعبرة.

يقول الشاعر في قصيدته، "دعوني أوفي السيف في الحرب"

دعوني أُوَفِّي السيف في الحرب حقه*** واشرب من كأس المنية صافيا.

إن عنترة بن شداد، مثال الشاعر الجاهلي، الذي جعل من كلمته الشعرية سلاحا للتعبير عن قضاياه الإجتماعية،

 لقد مثلت قصائده نموذجا يحتذى به في العصر الجاهلي.

 لكن، بعد ظهور حركات التحسين اللفظي والزخرفة الفنية، أصبحنا نجد طائفة من الشعراء يؤمنون بفكرة المضمون الوجداني، مما جعلنا نلاحظ هيمنه المضمون على صلابة اللغة.

 وإذا ما عدنا إلى قصيدة الشاعر ادريس الجائي، سنلاحظ مباشرة هيمنة الأحاسيس التعبيرية، وبالفعل لقد ترك شعراء هذه الطائفة المضمون الذي تميز بصلابة معناه واعتمدوا بالمقابل على مضمون حداثي وجداني، وعلى كلمات سهلة يسيرة، بحيث يتسنى لنا كقراء للشعر فهمها بسهولة، في حين أن شعر عنترة بن شداد تميز بالفحولة واللغة التقليدية، ذات المفردات الصعبة.

 إنهما بالفعل لونين امتزج بهما الشعر العربي ليقدم لنا صورا مختلفة ومميزة في نظم الشعر، لكن، هناك ما أريد أن اطرحه على نفسي كاستفسار،

 هل استمر الشعر العربي في مرحلة المضمون الوجداني، أم أن هناك من رفض حركة الحداثة في مضمون الشعر؟