تجارب الغربة قصص وتجارب مرعبة: الجزء الأول
في أحد الأمسيات الهادئة في مدينة بونا الهندية، كنت أجلس مع صديقي "رام" على إحدى المقاهي المطلة على شارع مزدحم كما نفعل دائماَ.. كانت السماء تميل إلى الظلمة، والهواء مليء برائحة الطعام الهندي والتوابل. في تلك اللحظة، خطر في بالي سؤال غريب كنت أتردد في طرحه على رام منذ مدة. كنت قد سمعت عن قصر مهجور يقع في نهاية شارع "بانير"، بجوار بحيرة صغيرة. قصص الرعب المحيطة بذلك القصر كانت تتردد على ألسنة الناس في المدينة، ولكني لم أكن قد عرفت الكثير من التفاصيل.
نظرت إلى رام وسألته بشكل عفوي:
"هل تعرف شيئًا عن القصر المهجور في نهاية شارع بانير؟". التفت إليَّ رام بعينين غامضتين، وكأنني أثرت في نفسه شيئًا كان يحاول نسيانه. انتظر للحظة ثم ابتسم ابتسامة باهتة وقال: "هل أنت جاد؟ تريد أن تعرف عن القصر؟"
أجبت بحماس:
"نعم، ولكن لا أريد فقط أن أسمع عنه، أريد أن أذهب إلى هناك وأرى بنفسي."
فكر رام قليلاً قبل أن يقول: "إذا كنت مصرًا، فلنذهب غدًا. ولكن دعني أحذرك، هذا المكان ليس مكانًا عاديًا، والأحداث التي حصلت فيه ليست مجرد قصص خرافية."
في اليوم التالي،
كان الجو ثقيلاً، وكأن السماء تنذر بحدوث شيء غير طبيعي. اتجهنا معًا إلى نهاية شارع بانير، حيث القصر المهجور. القصر كان يقف شامخًا وسط الأشجار الكثيفة كأنه يختبئ من العالم، حوائطه القديمة متآكلة والأبواب الخشبية تكاد تكون متهالكة. شعرت بتيار بارد يسري في جسدي بينما كنا نقترب من بوابة القصر.
قبل أن ندخل، بدأ رام يسرد لي القصة الحقيقية للقصر وصاحبه:
كان صاحب القصر، راجيف، فقيرًا في بداية حياته، يعيش بالكاد على دخله المتواضع، ولكنه كان يحمل في قلبه طموحًا هائلاً. أراد الثروة بأي ثمن، وكان على استعداد للقيام بأي شيء للحصول عليها. على مر السنين، كلما فشل في تحقيق حلمه بالثروة، ازداد تعطشه وجشعه. وفي أحد الأيام، سمع عن طقوس السحر الأسود المعروفة في الهند باسم "الأقوري". تلك الطقوس كانت تتمتع بسمعة مرعبة، حيث يُقال إن من يمارسها يحصل على قوى شيطانية مقابل التضحية بأغلى ما يملك.
دفعه جشعه إلى البحث عن ساحر أقوري،
وعلى الرغم من المخاطر والتحذيرات التي تلقاها، قرر أن يغامر. بعد أشهر من البحث، وجد الساحر الذي وعده بالثروة، ولكنه حذره من أن الثمن سيكون باهظًا. لم يهتم راجيف بالثمن؛ كل ما كان يهمه هو أن يحقق حلمه. بدأ في تنفيذ الطقوس، وكانت الأمور تتغير بسرعة. ثروته بدأت تنمو بشكل لا يُصدق. القصر الذي كان مجرد كوخ بسيط أصبح قصرًا فخمًا، والحياة المرفهة أصبحت نمطًا طبيعيًا له.
ولكن،
كما يحدث دائمًا مع السحر الأسود، كان هناك جانب مظلم لا مفر منه. جشع راجيف لم يكن له حدود. بعد أن أصبح ثريًا، رأى زوجة جاره، وهي امرأة فاتنة الجمال. وقع في حبها بشكل مهووس، وأراد أن تكون له، رغم أنها كانت متزوجة وسعيدة في حياتها. طلب من الساحر مساعدته في الحصول عليها، ولكن الساحر حذره بشدة. قال له: "هذه المرأة متزوجة، وإذا حاولت الحصول عليها بالقوة، سيجلب لك ذلك الخراب واللعنة."
لكنه لم يستمع.
جنونه بتلك المرأة كان أقوى من أي تحذير. قرر أن يتصرف بمفرده، ودبر خطة للتخلص من زوجها. في إحدى الليالي المظلمة، دعا الزوج إلى القصر بحجة العمل، وهناك في الظلال الخفية للغرف الباردة، قتله بدم بارد.
لكن الأمور لم تسر كما خطط لها. بعد أن قتل الزوج، حاول راجيف التقرب من المرأة، لكنها رفضته بشدة. لم تكن فقط تكرهه، بل كانت تشعر برعب لا يوصف كلما اقترب منها. أخبرت الناس أن روح زوجها ما زالت تطاردها، وأنها ترى ظله في كل مكان. لم يمضِ وقت طويل حتى بدأت الأشباح تظهر في القصر. في البداية، كان راجيف يراها في زوايا عينيه، تحرك أشياء صغيرة، همسات في الليل. لكنه تجاهلها. لم يكن يعتقد أن الأرواح قادرة على لمسه.
ولكنه كان مخطئًا.
الأشباح بدأت تطارده بشكل مباشر. كان يسمع أصواتًا غريبة في الليل، يشعر بأيدٍ باردة تلمس جسده. وفي إحدى الليالي، استيقظ ليجد نفسه محاطًا بالظلال. كانت الأرواح تهمس له بكلمات غير مفهومة، تملأ عقله بالجنون. لم يعد يعرف هل هو حي أم ميت، هل هو في حلم أم كابوس.
تدهورت حالته العقلية بسرعة.
كان يصرخ في الليل، يرى وجوهًا مشوهة في المرايا، ويسمع أصواتًا تطلب منه الاعتراف بجريمته. في النهاية، لم يستطع التحمل. قفز من نافذة القصر في محاولة يائسة للهروب، لكنه لم يصل للأرض. تقول الأساطير أن روحه الآن محبوسة داخل القصر، تائهة بين الحياة والموت، تبحث عن خلاص لن يأتي أبدًا.
عندما أنهى "رام" قصته، شعرت بقشعريرة تسري في جسدي. كانت الرياح تزداد قوة، وكأن القصر نفسه يستمع إلى قصتنا. ترددنا للحظة قبل أن نخطو نحو الداخل، ولكن كان قد فات الأوان.
قريباَ بإذن الله بقية الأجزاء .. لا تنسوا دعمكم ..
التعليقات