السراب: الجزء الأول
هذه القصة من أجمل القصص التى قرأتها .. وقتها كان السائد هو الكتب الورقية .. بالطبع مع مرور الوقت فقدت الكثير من الكتب ومن ضمنها الكتاب الذي يتضمن هذه القصة .. بحثت في الانترنت ولم أجدها .. فحاولت أن ارويها لكم من ذاكرتي محاولاً قدر المستطاع تذكر التفاصيل وطبعاً مع الإحتفاظ بالمعني كاملاً .. أعجبتني القصة من البداية لأنها أعطتني إجابة شافية لمعنى أن الحياة وهم وسراب .. أو كما في الآية الكريمة: (وَمَا هَٰذِهِ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا لَهْوٌ وَلَعِبٌ ۚ وَإِنَّ الدَّارَ الْآخِرَةَ لَهِيَ الْحَيَوَانُ ۚ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ) ..
اليكم القصة:
كان هناك رجل يعيش في إحدى المدن الهندية القديمة، وكان يعيش حياة بسيطة، يعمل في مهنة الزراعة ويذهب يوميًا بعد انتهاء عمله إلى معلمه الروحي أو "الغورو" ليستمع إلى محاضراته ومواعظه الروحية. كان هذا المعلم مشهورًا بالحكمة، ويأتي الناس من أماكن بعيدة لسماع تعاليمه، لكن الرجل الذي كان يتابع دروس الغورو لم يكن مقتنعًا تمامًا بما كان يسمعه.
في كل مرة، كان المعلم يتحدث عن فكرة "المايا"، وهي كلمة سنسكريتية تعني "السراب" أو "الوهم". كان يكرر دائمًا أن العالم الذي نراه ونشعر به ليس إلا وهمًا، وأنه غير حقيقي. كان يقول إننا في هذه الحياة نعيش في "مايا"، وكل ما نراه حولنا من أشياء مادية، وأشخاص، وأحداث، ليست إلا خيالات زائلة لا تمثل الحقيقة المطلقة.
ظل الرجل، على الرغم من احترامه لمعلمه، غير قادر على استيعاب هذه الفكرة. كيف يمكن أن يكون هذا العالم وهمًا، وهو يشعر بكل شيء فيه؟ كيف تكون الأشجار التي يراها، والأرض التي يحرثها، والناس الذين يتفاعل معهم، مجرد أوهام؟ بدا له هذا الكلام غير منطقي، وكان يتساءل: "كيف يمكن أن يكون كل شيء وهميًا بينما يبدو لي كل شيء حقيقيًا؟".
في كل مرة كان يذهب إلى معلمه،
يسأله نفس السؤال: "كيف يمكن أن تكون الدنيا وهمًا وكل شيء يبدو لي حقيقيًا؟ أريد تفسيرًا". لكن الغورو كان يظل صامتًا، فقط ينظر إلى الرجل بنظرة عميقة قبل أن يواصل الحديث عن موضوع آخر دون الإجابة على السؤال. تكرر هذا الموقف مرات عديدة، وفي كل مرة كان الرجل يشعر بالإحباط. كان يتمنى أن يحصل على إجابة شافية، لكنه لم يكن يعرف لماذا يتجنب معلمه الرد.
ذات يوم، شعر الرجل بالإحباط الشديد وقرر أنه لن يتوقف عن السؤال حتى يحصل على إجابة. ذهب إلى المعلم في المساء، وأعاد سؤاله المعتاد، لكن هذه المرة كان إلحاحه أكبر من أي وقت مضى. كان بحاجة إلى أن يعرف الإجابة مهما كلفه الأمر. وقف أمام المعلم وقال: "يا معلمي، لقد سألتك مرارًا وتكرارًا، كيف تقول إن الدنيا وهم؟ أريد أن أفهم، وأنت دائمًا لا ترد!".
توقف المعلم عن الحديث،
ونظر إليه مرة أخرى، لكن هذه المرة بنظرة مختلفة. كانت نظرة مملوءة بالتفهم والهدوء. وبعد لحظة صمت طويلة، قال: "أنت الآن جاهز. سأجيبك على سؤالك، لكن ليس الآن. تعال إلي غدًا في الصباح الباكر وسأريكم الإجابة بنفسي".
غمر الفرح قلب الرجل، فقد شعر أن أخيرًا سيحصل على الإجابة التي طالما انتظرها. عاد إلى منزله وهو مليء بالترقب، قضى الليل متقلبًا على فراشه، غير قادر على النوم، وهو يتساءل ما الذي سيكشفه له معلمه في اليوم التالي.
في صباح اليوم التالي،
استيقظ الرجل مبكرًا، ارتدى ثيابه بسرعة، وتوجه مباشرة إلى بيت المعلم. عندما وصل، وجد معلمه بالفعل في انتظاره عند الباب، ومعه سائس الخيول الذي كان قد جهز حصانين. ركب المعلم حصانه، وأشار إلى الرجل أن يركب على الحصان الآخر. كان الرجل متحمسًا، ظن أن الإجابة قريبة وأن رحلتهما هذه ستكشف له سر الحياة.
بدأت الرحلة. قاد المعلم الرجل خارج المدينة، ومروا عبر طرقات ضيقة ومزارع خضراء حتى وصلوا إلى أطراف قرية صغيرة تقع على تلة. كانت القرية هادئة، والمنازل متناثرة حول مساحات زراعية واسعة. توقف المعلم ونظر إلى الرجل، وقال: "أنت تسألني عن السراب، وتريد أن تفهم كيف يكون هذا العالم وهمًا؟".
رد الرجل بحماسة:
"بالطبع، أريد أن أعرف! ولكنني لا أدري لماذا جئنا إلى هنا؟ وما علاقة هذا المكان بـ"مايا" التي تتحدث عنها؟".
ابتسم المعلم بهدوء، وقال: "ستفهم كل شيء في الوقت المناسب. لكن قبل ذلك، أريدك أن تفعل شيئًا صغيرًا لي. هناك منزل في تلك القرية" — وأشار إلى منزل كبير في وسط القرية، محاط بمزرعة خضراء وقطيع من الماشية — "اذهب إلى ذلك المنزل، واطلب من صاحبه بعض الماء للشرب، ثم عد إلي هنا".
نزل الرجل من على الحصان،
وسار باتجاه المنزل الذي أشار إليه المعلم. كان المنزل يبدو جميلًا وسط تلك المزرعة، وكان الجو هادئًا تمامًا. عندما وصل إلى باب المنزل، طرق الباب، وفتحت له الباب فتاة شابة جميلة بشكل لا يُصدق. كانت جمالها يفوق الوصف، وتوقف الرجل مشدوهًا للحظة، عاجزًا عن الكلام.
كانت الفتاة تبتسم له، لكن قبل أن يتمكن من الكلام، جاء والد الفتاة إلى الباب ورحب بالرجل بحرارة. دعاه إلى الداخل، وقدم له الطعام والشراب. بعد فترة من الحديث، شعر الرجل بأنه يرغب في البقاء هناك لفترة أطول، وتولد في داخله شعور بالانجذاب نحو الفتاة الجميلة. وفي تلك اللحظة، قرر أنه يرغب في الزواج منها.
وبدون تردد،
عرض الرجل على والد الفتاة الزواج منها. وكان والد الفتاة يبحث بالفعل عن زوج لابنته، ورأى في الرجل شخصًا قويًا يمكنه مساعدتهم في الزراعة وتربية الماشية. وبهذا، تمت الموافقة على الزواج بسرعة، وتزوج الرجل من الفتاة.
بدأت حياة الرجل تأخذ مسارًا جديدًا تمامًا. أصبح جزءًا من هذه الأسرة، وساعد في إدارة المزرعة ورعاية المواشي. ومع مرور الوقت، أنجب أبناء وبنات، وبدأ يعيش حياة سعيدة هادئة في هذا المكان الريفي.
إنتظر الجزء الثاني من السراب
التعليقات