"ليست كُل الأصوات مُقدره للجميع"
🍂🌃
في روما، عاشت فيونا في منزل هادئ بين شوارع حجرية ضيقة، ليس بعيدًا عن الآثار التي كان السياح يُعجبون بها يوميًا. بالنسبة للآخرين، بدت حياتها عادية: المدرسة، المنزل، والأمسيات الهادئة مع والديها.
لكن فيونا لم تكن عادية أبدًا.
همس والداها بتحذيرات، يُذكرانها بالحكايات القديمة التي عادت للظهور في المدينة. كانا يخشيان المصطلحات الشائعة في روما في سبعينيات القرن الماضي كلمات مرتبطة باللعنات، بأشياء من الأفضل عدم قولها.
أُغلقت الأبواب، وأُطفئت الشموع مبكرًا، وأصبح الصمت عادة في كل منزل.
لكن فيونا لم تكن تخشى ذلك.
بالنسبة لها، لم تكن القصص ظلالًا بل علامات.
كانت تعتقد أن من يرويها يُميزه القدر، بل ويُباركه.
وكلما همس الجيران بتِلك الحكايات ، كانت تبقى بالقرب، وأذنها مصغية تجمع كل كلمة خفية.
كانت فيونا بارعة في إخفاء الأسرار ليس فقط أفكارها، بل حياتها بأكملها.
لم يتسائل والداها قط عن أعذارها:
مشي متأخر، وجبة فاتت، رحلة مفاجئة خارج المدينة.
لم يعرفا قط عن الأماكن التي تسللت إليها،
أو العمل الذي قامت به سرًا،
عابرةً البلدان والمدن في أنحاء إيطاليا
كما لو كانت البلاد وطنها الثاني.
كانت دائمًا تعود هادئة ،بنفس الابتسامة الهادئة التي تُقنع الجميع بأنها عادية.
لكن فيونا كانت بعيدة كل البعد عن العادية.
أثناء جولاتها سواءً عبرت الساحة القريبة من البانثيون، أو ألقت عملة معدنية في نافورة تريفي، أو تجولت تحت ظلال الكولوسيوم
كانت تسمعه أحيانًا:
نداء ذئاب منخفض وبعيد.
لم يكن مخيفًا.
كان مألوفًا.
كما لو أن أحدهم ينادي اسمها دون أن ينطق به.
ثم، في إحدى الأمسيات بينما كانت عائدة إلى منزلها عبر زقاق هادئ، ارتفع صوت جديد فوق صمت المدينة. عواء لكنه كان
أطول.
أعمق.
ممتلئ بالحزن.
توقفت فيونا.
انقبض صدرها. كان الصوت يؤلمها كما لو أنه ينتمي إلى قلبها.
عندما سألت والديها لاحقًا، لم ينظرا إليها إلا بنظرة غريبة.
_"أي عواء؟" قال والدها.
_"لم نسمع شيئًا على الإطلاق."
ظلت فيونا مستيقظة تلك الليلة، تتساءل إن كانت قد تخيلت ذلك.
لكن في أعماقها، عرفت أنها لم تفعل.
....
في مكانٍ ما في البلاد، في متجرٍ صغير يبيع البضائع للمسافرين العابرين، كان يعمل "ماتيو". شابٌّ.
كان يعمل نادلًا في النهار، يكسب قوت عائلته،
لكنه في الحقيقة كان ممرضًا.
-واحدة من قصصٍ عديدةٍ خفيةٍ لم تُروَ بعد، ستكشفها فيونا يومًا ما.-
ومع أن فيونا لم تكن مسافرةً حقًا، إلا أنها اعتبرت نفسها مسافرةً لمجرد رؤيته.
ومع وجود اثنتي عشرة مركبةٍ للوصول إليه، لم يكن الأمر يُشكّل مشكلةً بالنسبة لها.
في النهاية... إنه ماتيو.
---
لم تكن فيونا من النوع الذي يُثرثر، بل كانت متحفظة.
إذا أردتَ إخفاء سرّ، عليك إخبارها به فحسب.
لذا لم تكن رحلتها صعبةً بعيدًا عن عائلتها.
-فلم يكن من الصعب عليها إيجاد عمل هنا، وتوفير المال هناك.-
°~°~°~°°~°
_"...أخيرًا، أنا هنا،" همست فيونا.
"هاه... لنلقِ نظرة. أين ماتيو...؟ لا... ليس هنا... هممم... أمسكتُ بك."
وقف أمامها شابٌّ طويل القامة: "بشرةٌ شاحبة، شعرٌ مموج، عيونٌ بنيةٌ تتلألأ كالبلور، أكتافٌ عريضةٌ تتناقص تدريجيًا إلى جسدٍ نحيفٍ مفتول العضلات."
كان هو الشخص المناسب لها.
_"هيا هيا... لنتحدث إليه،" همست فيونا.
بينما كانت تشق طريقها بين الحشد للوصول إليه، أمسك بها رجل طويل مهيب .
_"ماذا تفعلين هنا يا جميلة؟" تمتم بصوتٍ واضحٍ أنه ثمل.
_"أحضر قهوة" أجابت فيونا بهدوء.
ضمها إلى صدره.
_"ابقي هنا يا جميلة."
حاولت دفعه بعيدًا لكنه كان أقوى منها.. يحاول تقبيلها واحتضانها وهي تقاوم.
فجأة.. انكسر التوتر بصوت حاد.
'''''''''''''
طلقه ناريه
''''''''''
في الجهة المقابلة من القاعة.. شابٌّ ملفوفٌ حول خصره ملاءة بيضاء يحمل مسدسًا.. صوته الناعم الآمر يخترق الفوضى:
_"اتركها."
_"حسنًا أيها الشجاع." قال الرجل الضخم وهو يدفع فيونا نحوه.
_"لكن أعطني زجاجة نبيذ أخرى!"
_"لقد فرغنا منهم ." أجاب ماتيو ببرود، وعيناه لا تفارقانه.
_"سأعود يا روميو." نادى الرجل الضخم وهو يتعثر مبتعدًا.
...
_"هل أنتِ بخير؟" سأل ماتيو فيونا.
بالنسبة لفيونا، كان الأمر بمثابة حلم تحقق. كان ماتيو يتحدث معها، وليس هذا فحسب، بل كان يمسك بيدها.
تعلقت عيناها بوجهه، تحفظ كل تفصيله، لا تجرؤ على الرمش حتى كرر بحزم أكبر:
_"هل أنتِ بخير يا آنسة؟"
_"أوه، آه... نعم، نعم، أنا بخير." تلعثمت فيونا.
قدّم لها كوبًا من الماء. اعتبرته ذريعة للبقاء بقربه أكثر من كونه مشروبًا.
_"ما اسمك؟" سألته وكأنها لا تعرفه. مع ذلك، بدا مختلفًا.. أحلى من شفتيه.
_"ماتيو. وأنتِ؟"
_"فيونا. اسمي فيونا" وكأنها تتأكد من أنه لن ينسى ذلك.
_"أهلًا بعودتكِ إلى العالم الحقيقي يا فيونا" قال بابتسامة باهتة.
_"انتبهي فقط" قال ماتيو.
_"دائمًا..." سكتت فيونا.
_"معذرةً، عليّ العودة إلى العمل."
واختفى فجأةً.
~~~
دارت فيونا في مكانها، وهمست لنفسها..
"الآن أنا ملكة العالم."
***
لكن فرحتها قُطعت.
ناداها صوت خافت من الخارج.. غريب، خافت، كأنه همس في الريح.
دون تفكير، تبعته. كالدمية..
انحرفت نحو الصوت.
تغوص في الظلام
كلما تعمقت، ازداد الظلام ظلمةً. ثم رأتهما:
* عينان حمراوتان تتوهجان في الظلال، ترتفعان حتى كادتا أن تصلا إلى طولها، ثم ترتفعان أكثر فأكثر حتى مرت من فوقها.*
تراجعت متعثرةً، وقلبها يخفق بشدة، حين دوّى صوتٌ من الظلام:
"حان وقتكِ..."
---
فجأةً... استيقظت فيونا في فراشها غارقةً في العرق، وجلدها يحترق.
للحظة، ظنت أنها تهلوس، وأنه حلم، حتى أدركت أن خوفها لم يفارقها، وأن قلبها لا يزال يخفق بشدة، لقد عرفت ذلك.
لم يكن حلمًا.
****
هل كان حلمًا أم لا؟
ما هذه العيون الحمراء؟ هل هي لإنسان أم لمخلوق شرير؟
لا تنسَ أبدًا إخفاء أصابع قدمك 🐾
🌒🌒🌒
التعليقات