الجزء الأول : سبب حدوث القصة
قصة : طار الطاووسان إلى الجنوب الشرقي
في أواخر السنوات من مملكة هان الشرقية في الصين القديمة ، يوجد رجل اسمه جو تشونغ كينغ و هو مسؤول حكومي صغير في دائرة لو جيانغ . و في عائلة ليو من الطبقة المتوسطة فتاة جميلة إسمها ليو لان جي ، أمها علّمتها النسج و الخيط و الآلات الموسيقية و قراءة الكتب منذ طفولتها ، فهي بنت مؤدّبة لطيفة فضيلة و اهتمّت بالتشريفات،عندما بلغت سن الرشد زوّجت جو تشونغ كينغ ، تشونغ كينغ أحبّها حبّا شديدا و لكنّه مشغول جدّا في العمل فهو في الندرة أن يعود إلى البيت . لان جي عاشت في البيت وحدها مع حماتها ،هي فعلت الشئون المنزلية و نسجت الأقمشة من الصباح إلى منتصف الليل دون الاستراحة ، ولكنّ حماتها تعتقد أنّ عملها المنزلي ليس جيّدا و عاملتها معاملة قاسيا قارسا ، فهي شعرت بالوحدة و الظلم .
لان جي متوتّرة توترا شديدا في اليوم الذي أستقبلت إلى بيت تشونغ كينغ ، لأنّها خافت على أنّ زوجها هذا ليس رجلا ستحبه .
و لكن في اللحظة التي أزال تشونغ كينغ فيها القماش الأحمر المغفور على رأسها ، هي شعرت بأنها فقدت روحها و وجهها أحمر مثل الورد ، يبدو أن بسمته قادرة على أن تذوّب الثلوج قبل آلاف سنوات .
قال تشونغ كينغ لطيفا :
سأبذل أكبر جهودي لتصبحي أسعد زوجة في الدنيا .
لبست لان جي ملابس العروسة التي صنعتها بنفسها هذا اليوم ، وهمت الحياة السعيدة في المستقبل . هي ظنّت أنّها بنت ذكية لقد أحبّت الدراسة منذ طفولتها ، وعلّمتها أمّها أشياء كثيرة و قالت لها إنّها لا بدّ من أن تصبح الزوجة الفضيلة و سوف يحبّها زوجها وحماتها رغم أنّها وجدت أنّ من الصعب أن تتعامل مع حماتها ، و لكنّها وثقت بأنها ستحقّق التعامل الجيّد مع حماتها في يوم من الأيام عاجلا أو آجلا .
بعد الزواج كان زوجها مطيعا لطيفا و هو رجل طيب القلب ، و لكنّه مشغول في العمل في دائرة لوجيا دائما ، إذا لا يوجد عمل مهمّ يسرع في العودة إلى البيت و إعطائها وحماتها الهدية .
في يوم من الأيام مرضت لان جي مرضا شديدا خلال عودة زوجها فطلب الإجازة و اعتنى بها دقيقا بجانب السرير كلّ يوم دون الاستراحة و أمسك بيدها بشدّة حتى شفيت . و لكن غضبت حماتها غضبا شديدا بذلك الشيء و عنّفتها لأنّها ظنّت أن لان جي تعوق ابنها عن مستقبله في العمل ، فكلّما مرضت لان جي خافت من معرفة زوجها هذا الخبر بعد ذلك .
أحيانا ما عاد تشونغ كينغ إلى البيت في إجازات الأعياد بسبب أنّه مشغول في العمل . قبل ثلاثة أيام من مناسبة عيد منتصف الخريف قال تشونغ كينغ في الرسالة أنه سيعود إلى البيت ، فانتظرته لان جي مبسوطة في هذا اليوم و تطلّعت إلى جمع شملهم ، هي نظرت إلى الباب من الصباح إلى مغيب الشمس ، و لكن حتى لون السماء مظلم و النجوم ظهرت لم تر أثره إلاّ الصوت الذي صاحت حماتها بها لحثّها على العمل و ضجيج أخت زوجها الضغيرة و القمر الوحيد المعلق .
أخذتها حماتها مثل خادمة البيت و طالبت منها أن تعمل الشئون المنزلية الثقيلة كل يوم ، هي ابنة من الأسر غير الغنية ولكن والديها أولعا بها فما فعلت الأشياء المنزلية الثقيلة الكثيرة منذ طفولتها . في البداية سلخت خيوط النسج أصابعها الناعمة دائما و نزفت الدماء ، ولكنها خافت من شتم الحماة فصبرت على الألم و دمعت بسكون و نسجت مواصلة . يوما بعد يوم ، ظهرت في أصابعها شرانق الدودة بسبب شدّة العمل .
في يوم من الأيام ، أخذها النعاس الشديد خلال النسج فنامت ، دخلت حماتها غرفة النسج و رأت أنها لا تعمل فشتمها بصورة عنيفة ، و لا تسمح لها بالنوم طول الليل.
بعد أن عادت إلى غرفتها جلست على السرير بمفردها و بكت لوقت طويل ، هي ما أدركت السبب الذي يجعل حماتها لا تحبها ، لم يتصوّر عقلها أن الحياة ليست عادلة هكذا. هي أرادت أن تعود إلى بيت أمّها و بثّت شكواها إلى أهلها ، و لكن من المستحيل أن تفعل هكذا لأنه كان ممنوعا في ذلك العصر ، لا أحد يستمع إلى شكواها إلاّ المرآة النحاسية على المكتب و الأزهار و الأوراق في الساحة و جهاز النسج في غرفة النسج .
إن تشونغ كينغ موظّف حكومي صغير في دائرة لوجيا ، هو أحبّ أمّه و زوجته و لكنه لا بد من العمل المجتهد لكسب الأموال ليطعم أهله فمعظم أوقاته بقاها في الدائرة و نادرا ما عاد إلى البيت ، هو اشتاق إلى أهله اشتياقا شديدا خلال العمل .
في اليوم من الأيام عاد تشونغ كينغ إلى البيت و وجد زوجته باكية في الغرفة فسألها :
ماذا بك يا حبيبتي ؟
فقالت لان جي لزوجها:
استطعت النسج في ثلاث عشرة سنة من عمري ، درست الخيط في أربع عشرة من عمري ، استطعت العزف على القيثار في خمس عشرة من عمري ، قرأت الكتب و الأشعار في ست عشرة من عمري ، أصبحت زوجتك في سبع عشرة سنة من عمري ، و لكن أشعر بالحزن في قلبي دائما. زوجي أنت موظّف حكومي ، أنت عفيف و مخلص في الحب . نادرا ما نتقابل . أبدأ أنسج بزوع الفجر ، لا يمكنني الاستراحة حتى أعماق الليل . أنسج خمسة أقمشة خلال ثلاثة أيام ، ولكنّ حماتي ظنّت تعمّدا أنّني أنسج بسرعة بطيئة . في الحقيقة أنّني لست أنسج ببطيء ، بل حماتي أمّك صعبة الإرضاء و كوني كنّة أسرتك صعب .
لا أستطيع أن أحتمل تعسيرها علىّ ، أبقى في هذا البيت قليلة الأهمية و القيمة . أنت اذهب إلى حماتي و أخبرها ذلك الشيء فورا ، و اجعلها تطردني الآن.
عندما سمع الزوج هذه الكلمات ، ذهب إلى الصالة و قال لأمّه:
ابنك أنا مطبوع على أن أكون موظّفا صغيرا فقط ، تزوّجت هذه المرأة لحسن الحظّ . عندما بلغنا سنّ الرشد أصبحنا زوجين ، نحن نرغب في أن نترافق حتى الميت . نعيش معا بضع سنوات ، هذا الوقت ليس طويلا و أظنّ أنه بداية الحياة السعيدة . لا يوجد أيّ ذنب في سلوكها ، هل تعصيك حتى حضرتك تعاملينها بلا رحمة .
أجابت الأمّ لابنه:
كيف أنت عنيد هكذا يا بنيّ ! الكنّة هذه لا تتّبع التشريفات ، تصرّفاتها حرّة و لا حدّ لها . الغضب عليها في قلبي منذ زمن طويل ، كيف تساهلها و أنت على رأي نفسك ! لجاري الشرقي بنت مطيعة ، اسمها تشين لوه فو ، مشيتها أحبّ من أيّة بنت ، أمّك أنا تخطب لك هذه الفتاة من أهلها في أقرب الوقت . علىك أن تطردها بسرعة ، و لا تجعلها تبقى في بيتنا .
ركع تشونغ كينغ أمام أمه و تضرّع على أمه قائلا:
إذا أطرد هذه المرأة من بيتي اليوم فلن أتزوّج المرأة الأخرى أبدا .
سمعت الأم هذه الكلمات فغضبت غضبا شديدا و دقّت السرير الخشبي قائلة:
يا لك من جراءة ، كيف تساعد زوجتك و أنت هراء في هراء . قد قطعت المحبّة لها ، لا تقول لي أكثر عن ذلك ، لن أقبل و أسمع طلبك أبدا .
صمت تشونغ كينغ بسبب أنّ قلبه مفعم بالقلق و الاضطراب و مهموم ، هو ودّع أمّه و عاد إلى غرفته بعد السجود أمام أمّه . و قال لزوجته و هو نشج بسبب الحزن الشديد قائلا:
لا أريد أن أطردك في الأصل ، هذا ليس نيّتي ، أنت تعرفين أنّني أحبّك بصميم القلب ، و لكن أمّي ترغمني على أن أطردك . أنت تعودين إلى بيت أمّك مؤقّتا فقط ، و أنا أعود إلى دائرة لوجيانغ مؤقّتا . سأعود إلى بيتنا بعد وقت قريب ، ثمّ سأروح إلى بيت أمّك لاستقبالك بكلّ تأكيد و نعود إلى بيتنا معا . أنا أعرف أنّك تشعرين بالظلم و الحسرة ، و لكن هذا لمدّة قصيرة فقط ، أتمنيّ ألاّ تخالفي كلّ ما أقول .
عندما قال تشونغ كينغ هذا الكلام في عينيه دموع .
قالت لان جي لزوجها :
لا تذكر هذه الكلمات أبدا ! عندما انتهي فصل الشتاء و بدأ فصل الربيع في ذلك السنة ، أنا ودّعت كلّ أهلي العزيزين و دخلت بيتك ، في قلبي أوهام و توقّع للحياة السعيدة في المستقبل . اعتنيت بالحماة طوعا لرغبتها في كلّ شيء ، كلّ ما فعلته بحسن السلوك و ما تجاوزت على ما لا ينبغي أن أفعله . عملت مجتهدة في كل ليل و نهار ، المتاعب أحاطت بي و أنا بمفردي ، و لكن ما تظلّمت إلى هذه الأحوال من حماتي أبدا .
أظنّ في نفسي أنّ الذنب لا يتعلقّ بي ، و أستطيع أن أعتني بالحماة بكلّ قلبي و روحي طول حياتي لجزاء نعمتها . لكنّني أطرد من هذا البيت في النهاية ، كل الجهود التي بذلتها له بدون جدوي ، قلبي متألّم حتى إنني أسمع صوت كسرة قلبي ، كيف أعود إلى بيتكم مرّة ثانية .
عندي سترة مبطّنة ، هي مطرّزة بالخطوط الزخرفية الجميلة البراّقة . و عندي ستارة مصنوعة بالشاش الأحمر ذو طابقين و شكلها مثل وعاء حرمي ، و في كلّ الأربعة أركان لهذه الستارة كيس عطري معلقّ . عندي صناديق مختلفة عددها أكثرمن ستين ، بعضها كبير و بعضها الآخر صغير ، كلّها محزوم ثابت بالخيط الحريري الأبيض ، الأشياء في كلّ هذه الصناديق مختلفة ، هذه الأشياء المتنوّعة مخزونة فيها ، و هذه الأشياء جميعها ثمينة قيمة في الأصل ، و بعضها نادرة . و لكن أنا شخص حقير غبيّ فالأشياء التابعة لي كلّها رخيص مثل النفايات ، فلا يجدر باستخدامها لاستقبال العروسة الجديدة . إذا يوجد أيّ فرصة يمكنك أن تصدقّ بها على الآخرين بكل هذه الأشياء في المستقبل .
أعرف أنّ من المستحيل أن نتقابل بعد ذلك و لا نستطيع أن نحبّ بعضنا بعضا منذ هذا اليوم . أتمني لك أن تخفّف على نفسك في أيّ وقت و تذكّرني دائما لا تنس هذه المرأة المسكينة أبدا .
عندما زقع الديك و الشمس ستشرق في اليوم التالي ، قامت لان جي من النوم مبكّرا و هي تجمّلت و تزيّنت بكل عناية أمام المرآة النحاسية . هي ارتدت الفستان المطرّز ذو الطابقتين ، كلّ هذه الحركات التي فعلتها أعادت بضع مراّت لضمان مشيتها و ملامحها أجمل .ثم لبست الحذائين الحريرين ، دبوّس الشعر على رأسها براّق . الخصر محزوم بالحزام الحريري الأبيض الباهر ، الأذنان معلّقان بالحلق المزيّن بجوهوة القمر المضيئة . الأصابع العشرة رفيقة و زهرة مثل جزر البصل ، الشفة تحمّرت يبدو أنّ في فمها زنجفر . هي تمشي خفيفة الحركة بخطوة قصيرة ، جمالها وحيد و فريد في العالم .
دخلت لان جي الصالة لتوديع الحماة ، الحماة ما فعلت أي شيء لاقناعها بالبقاء ، بالعكس أنها شعرت بالسرور ، و هي وضعت الخطّة في قلبها التي كيف تخطب لابنها الفتاة تشين لوه فوه من أهلها و عليها أن تحضّر ما من المهور لإبداء نيّتها الصادقة ، و في وهمها صورة استقبال هذه العروسة الجديدة .
قالت لان جي لحماتها و هي تسيطر على مشاعرها بقوّة لتتجنب سقوط الدموع قائلة:
كنت ابنة في البيت من قبل ، عشت في القرية منذ طفولتي . ما أرشدت و هذّبت في الأصل ، ما جعلني أن أشعر بالخجل هو أنّني تزوّجت ابنكم ، أنا أحسّ بالتقصير فيه بعد الزواج . لاقيت منكم كثيرا من النقود و المهور ، لكنّني لا أقدر على اكمال طلبكم جيدا . اليوم سأعود إلى بيت أمّي ، لن أنسي أنك مشغولة في الشئون المنزلية بمفردكم . على كلّ حال ، شكرا على نعمتكم و عنايتكم .
ودّعت لان جي أخت زوجها الصغيرة بعد الخروج من الصالة ، ما استطاعت أن تسيطر على مشاعرها ذلك الوقت ، دموعها مثل سلسلة اللآلئ .
قالت لان جي لأخت زوجها :
عندما دخلت هذا البيت كالعروسة ، أنت بدأت تدرسين المشي بدعم الجدار أو السرير أو غيره من الأدوات المنزلية باليد، اليوم أطرد من هذا البيت وسأعود إلى بيت أمّي ، الآن لك نفس الطول معي. أتمنّي لك أن تعتني بحماتي من كلّ قلبك ، و ساعديها على كل شيء . لا تنسيني كلّما لعبت في ليل اليوم السابع من يوليو و اليوم السابع عشر من كلّ شهر .
ثمّ خرجت لان جي من هذا البيت و صعدت إلى عربة الخيل ، دموعها سقطت أكثر من مائة مطر .
ركب تشونغ كينغ الحصان في الأمام ، ركبت لان جي عربة الخيل وراءه . سرعة العربة سريعة أحيانا و أحيانا أخرى بطيئة ، فصوت عجلة العربة خفيض أحيانا و أحيانا أخرى صوتها عال ، ولكن وصلت العربة و الحصان إلى مفرق الطريق الكبير في نفس الوقت .
نزل تشونغ كينغ من الحصان و دخل خارج العربة ، أحني رأسه و قال لزوجته بصوت خفيض:
أحلف بأنني لن أقاطعك أبدا ، أنت تعودين إلى بيت أمّك مؤقّتا ، و أذهب إلى دائرة لوجيانغ اليوم . بعد وقت قريب سأعود إلى البيت بالتأكيد ، أحلف بأنني لن أخونك أبدا . لا أريد أن تفوتيني ، لا أستطيع أن أعيش بدونك ، أنت حياتي ، الحياة بدونك لا تكون مثل الحياة لا هواء و لا ماء ولا نور ، لا بدّ أن تعرفي أنني أحتاج إليك .
بعد سماع هذا الكلام قالت لان جي لزوجها:
أشكر لك إخلاصك و عنايتك ، أنت تتكرّم علىّ هكذا ، بعد وقت قصير سأتطلّع إلى مجيئك بحرارة . عليك أن تتصرّف مثل صخر الجبل الكبير ، و أنا سأتصرّف مثل عشب بمب بالتأكيد . عشب بمب ليّن كالحرير و لكنه متين وطيد ، و الصخر الكبير لن يحرك بالسهولة . لكن عندي أخ شقيق كبير ، شخصيته متهوّر و سريع الغضب ، أنا خائفة أنني لا أستطيع تقرير أيّ شيء على رأي نفسي ، هو سيخالف نيّتي بالتأكيد و يجعلني سقوطا في العذاب . على كل حال يمكنك الاطمئنان علىّ ، لن أغيّر نيّتي أبدا حتى الموت .
بعد اللحظة من الهدوء ، رفع المسكينان اليد للتوديع و القلبان مفعمان بالحزن الشديد و شعرا بحسرة على الفراق و المشاعر بينهما متواصلة ، الدموع كثيرة مثل البحر.
ثمّ خرج تشونغ كينغ من العربة والحصان مشي نحو دائرة لو جيانغ ، عربة الخيل راحت نحو بيت أمّ لان جي .