لا فكرة لدي

(١_الوشاح )

_غير بعيد عن الواحة ،إختارت البنات مكانا مناسبا ،تحيط به بعض أشجار النخيل وفرشن الحصيرة قرب صخرة كبيرة ،تخفيهم عن الأنظار قليلا.. محاطات بعصي الجريد الصلبة.. تحلقن حول العروس (إيزَّا ) الجالسةعلى إستحياء في ثوبها السماوي الخلاب..

وعلى بعد نصف ساعة من المكان تقريبا ، جلس الشبان داخل كوخ القصب المزين يناقشون خطة الهجوم مع العريس ، ويعلمونه أفضل تقنية لرمي الوشاح على عروسه، وحين ذاك سيكون سهلا إختطافها وستنتهي الأمور سريعا...

وهكذا اتجه الجميع صوب موقع العروس ،مشيا على الأقدام ،إلا ( ماسين ) كان يمتطى فرسه( تيناس ) ..الفرس التي ستحمله مع(إيزَّا )لكوخ التحدي إن نجح في خطفها ..

وصلوا أخيرا وبدأ القتال دون مقدمات ، كأنها حرب بين جيشين ، البنات مسلحات بالعصي المسننة ، بينما لا سلاح في يد الشباب سوى سواعدهم القوية ، ومرواغاتهم المخادعة تجنبا للضربات العنيفة .

وفي لحظة خاطفة ،اقتنص(ماسين ) الفرصة ورمى الوشاح على( إيزَّا) فتهاوى الدفاع الأنثوي وتسلل بخفة واختطفها، وانطلقت (تيناس ) تسابق الريح مخلفة زوبعة من الغبار ، واهازيج الفرح من أصدقاء العروسين ..

جالسان يتأملان الشمس قبل الغروب ، مثل صديقين ذلك أن مراسم الزفاف لم تنتهي بعد حسب عادات القبيلة ، عليهما ان يتبادلا أشعارا واقوالا مقتبسة في تحدي أدبي حتى يحل الليل ، بعدها إن نجحت إيزا في قتل (ماسين ) خلال نومه ( إن نام ) أو ذبح فرسه ... فستسعيد حريتها ، وترجع لأهلها ، وإن لم تنجح فستكون زوجته للأبد .

خاطبها إيرنا :

_ هل أبدأ أم تبدأين ؟

بصوت مرتجف عذب تحدثت : ماسين انت دعائي المستجاب .

فتوتر ( ماسين ) ولم يفهم هل هو اقتباس من كتاب أم تعبير عن مشاعر حقيقية ..

_(إذهب حيث يذهب قلبك ) قول لحكيم الصين كونفشيوس ..

ردت إيزا

_وقد فعلت ما قاله الحكيم ،و هأنذا طوع أمرك ياكريم ...

عليه أن يعترف قبل أن يتورط أكثر لكن قلبي ليس هنا الآن ، إنه في غير هذا المكان ...يا إيزَّا.وبدت كلماته جادة ..

بدأ حديث الأدب يتحول لإعترافات قلب

_ماذا تعني ؟ سألته

الحقيقة أنك لم تكوني المطلوبة المرغوبة ، بل كانت ( لويزة ) ، لكن والدي سامحه الله خلط بين الإسمين د،فبدل أن يذهب عند أهل (لويزة) ،ذهب عند والدك وتم الأمر سريعا ، و تعرفين العادات حين يتم الإتفاق ،لا حل منه دون سفك الدماء وقطع الأعناق ..

فالتزمت بالعقد ،حتى يجمعنا العهد ، ثم ننهي الأمر بيني وبينك بالطريقة التي لا تؤذيك ولا تضر بسمعة عائلتك، وألتزم بما قطعته من وعد للقلب بأن تكون ( لويزة ) ولا غيرها رفيقة للدرب .

سحقا لأشعارك التي لم تشعر بي،حدثت نفسها بغضب وهو يتحدث عن حبيبة قلبه بتلك الطريقة الشاعرية ..

ثم واصل ..

الآن تستطعين النجاة وانت معززة مكرمة

ثم استل خنجره ووضعه قربها، لايوجد من هو أعز عندي بعد (لويزة) من ( تيناس)لكن لايمكن للمرء أن يحصل على كل شيء يحبه ..

تسير بحزن شديد نحو الفرس لتنفذ المطلوب ،وتسلم محبوبها للمرأة التي يهوى..

أي صراع بين عقلها والقلب ، مثل عصفورة كسرت أجنحتها ،تسير بخطوات متعثرة ..كأنها عَجَزَتِ فجأة

فلتطعنها ولتمضي لقبيلتها ، إيزا قتلت فرس ( ماسين) من مثلها ؟ ستكون سيدة نساء القبيلة

رغم شساعة الصحراء ونسمات ليل الشتاء الباردة

شعرت بالإختناق ،حتى الدمع تحجر داخل العينبن . و أنفاسها حبسب فلا أثر للتنهيدة ..

كأنها بلا روح ، فارغة تماما إلا من ألم عظيم يعتصر فؤادها ..

تتبادل النظرات مع ( تيناس ) ، تخاطبها بحزن

يضحي بك لأجلها ، لأجل عزيز يذبح عزيز

رفعت الخنجر وكادت أن ...لكن الدموع انفجرت فجأة ، فاارتمت على الأرض تبكي بحرقة ،كما لم تبكي من قبل ،

داعية الله أن يلهمها فعل الصواب ..وسقط الوشاح

فلكأن الظلام اندثر فجأة ولاح نور الصباح، حين رأته أمامها

وشاحه معها ، وقلبها معه...إذن لم يفت الآوان بعد ..

إنه دعاءها المستجاب ، كي تتركه إذن ؟

ايا كانت الأسباب ...

عادت أدراجها بسرعة ،وجدته وحيدا كالقمر ، وقبل أن يبادرها بالكلام ،استلت الخنجر ،وجرحت قدمه ، الجراح قصاص ، وأنت من بدأ ،جرحت قلبي فأقتص منك وهدأ الآن ، ثم ربطت قدمه بمحرمتها قائلة له كأنها تصدر حكما لا نقاش فيه

_لن تذهب لأي مكان ...

طوفان من المشاعر العاصفة إختلج قلبه ،فصمت دون كلام

آملا أن تنقضي الليلة بسلام و ترحل( إيزَّا) قبل ضوء النهار فلا مجال لفك عقد هذا الزواج إلا بموت أو رحيل أحد منهما...

مع شروق الشمس ، عادا العروسان للقبيلة ، على صوت الزغاريد ،وطلقات (البارود) مع دعوات بموفور الصحة وطول العمر وراحة البال ، .مرتبطان للأبد كزوجين

منفصلين تماما كروحين ,فقلب كل واحد منهما ليس معه ..

بعد أعوام ،في غابة المدينة ، تجلس( إيزَّا)مع أطفالها ،يرتاحون بعد جولات من اللعب والمرح ، يستلقي ( ماسين)

تحت الشجرة ، تقترب منه ابنته الصغرى

وتلمس أثار جرح في قدمه

من فعل بك هذا يا أبي ؟

ينظر لزوجته نظرات عاشق لمعشوقته

يستعيدان خلالها ذكريات تلك الليلة

_الحب هو من فعل بي هذا ...

لطالما سأل نفسه متى أحبها ؟ وكيف أحبها بهذا الجنون ؟

وكان الجواب دوما ( لا فكرة لدي )

و تلك قصة أخرى ....

تمت