صفعة الحب ❤️
من كان يظن أن صفعة صادقة ستغير حياتي ,و توقظ بقلبي تلك المشاعر الجياشة اللذيذة ...
لنرجع للصفعة الأولى لأنها مرتبطة إرتباطا وثيقا بصفعة عمري ..
كنتُ تلميذة شطورة في مرحلة الإعدادية , أجلس في الطاولة الأولى من الصف الأوسط..محبوبة من الجميع ..فقط مشكلتي أني سيئة جدا في رياضة كرة الطائرة ...و كان هو نجم الفريق " أحمد "
كان رشيقا, وسيما , ماهرا جدا كان محط أنظار جميع بنوتات القسم بل بنوتات المدينة كلها ,رغم أنه كان ضعيفا جدا في الرياضيات و الحساب لكن القلب لاتهمه الأرقام بقدر ماتهمه النظرات و الكلام , وكانت لديه نطرات لو رُسمت لأحرقت ورقة الرسم , وصوته به بحة تميزه عن كل الأصوات, طبعا لم يكن يهمني كطفل ولم أكن أحبه فأنا إبنة البابا المؤدبة المدللة ولا ينقصني حب أطفال , لكن أردت أن أكون
قائدة الفريق و نجمته مثله , أردتُ أن يختارني أنا دون البقية لأشكّل معه ثنائيا رائعا , لكن للأسف كان مهتما ب " رشيدة " لا أدري ماذا أعجبه فيها؟؟ هي مثل البطة
و شعرها أصفر كالدمى , ولم أكن لأتنازل عن محرمتي الجميلة التي تغطي شعري الأسود و أن أعَرِّض شعري للشمس و لِلَمس من أجله أبدا...
باءت كل محاولاتي في جذب إنتباهه بالفشل فقد كا ن يراني تلميذة مجتهدة فقط لم يعرف أني رياضية بالفطرة , وذات يوم خطرت في بالي فكرة, سأبرهن له أني طفلة قوية وأهل للثقة و أستطيع أن أوقف الأطفال عند حدودهم لو تمادو معي , ولم أجد غير " عمر " لأثبت قوتي ..." عمر " ذلك التلميذ الخجول العبقري كان يجلس قبالتي في الصف الأول وكنت أعرف أنه ينظر لي كثيرا و كلما إنتبهت له يهرب من نظراتي لكن تورد خدوده يفضحه تماما, إستغليت إحدى الفرص و ذهبت ناحيته وصرخت في وجهه بقوة ليسمعني الجميع
-لماذا تنظر إلي؟
- من تحسبني ؟
-إذا نظرت إلي مجددا سأصفعك ؟
صُدم وبقي صامتا و مندهشا , و إنقسم تلاميذ القسم مابين ضاحك و مستغرب, أما "أحمد " فكان يضحك بهستيريا ... لأنه يكره " عمر " و يغار من تفوقه خصوصا في الحساب.
مرت الأيام ولم يتغير شيء , سوى أني تخلصت من نظرات " عمر " , و صار يكرهني , لقد كان يظنني رقيقة و ملاك فلما صرخت في وجهه ذلك اليوم صار يتجنبني
وكأنني طفلة متوحشة , ولم أبالي به ف"عمر " ربطني به كره فطري منذ البداية و الحمد لله صار متبادلا الآن...
وذات مساء شتوي ماطر كنّا على وشك عبور الوادي الصغير لنصل لقريتنا , لكن مستوى المياه مرتفع والوضع خطير ,هل هو القدر أم أني أردت لفت الإنتباه , رغم تحذير البنات فقد نزلت للوادي وكأنّي أستعرض موتي لأن المياه كانت قوية جدا , وبقيت عالقة في الوسط باكية ميتة من الرعب وزاد صراخ الأطفال الوضع سوءا , رأيت "أحمد" وتمنيت لو حضر و أنقذني كما ينقذ البطل بطلته , ونسيت أني لست بطلته , على الأقل "نخوة أطفال" لكن الجبن الذي لمحته في عينيه جعلني أموت بصورة ما , وإستسلمت لتيار الوادي يجذبني لأي مكان ..لأشعر بيد قوية تمسك بي و تحملني بكل عزم و إصرار للجانب الآخر ,لما إنتبهت و نجوت أخيرا رأيته " عمر " لقد أنقذني ...
وبدل أن أشكره وجدتني أ صفعه بكل قوة , كيف تجرأ على لمسي , أفضل الموت على أن يلمسني هو و سرتُ غاضبة مبللة باكية للبيت وتركته مصعوقا مثل المرة الأولى .
مرت السنين وكبر الأطفال و تفرقت أقدار الجميع ,أصبح " أحمد" تاجرا غنيا و تزوجت رشيدة برجل تكرهه, وصرت طالبة في الجامعة , أما عدوي " عمر " فكان أدبه وتفوقه حديث الجميع.
بين المحاضرات و الكتب و مع قصص صديقات الغرفة كانت تسير أيامي , لم يكن للرجل وللحب نصيب فيها , فإن كان مقدرا لي أن أحِبَ وألتقي بفارس أحلامي
فسيحصل ذلك دون تخطيط مسبق.
كل شيء مكتوب منذ الأزل , حتى تأخري ذلك المساء في درس الكمبيوتر الخصوصي ثم غياب الحافلة التي توصلني للبيت و كلما أقول ستصل الآن يزداد الوقت مرورا
و تخلو المحطة من البشر ...وتعلو أنفاسي خوفا , فتاة وحيدة مثير ة للشك و لقمة سهلة للذئاب التي تملأ المكان , كيف الحل ؟
هل أعود للجامعة ؟ تأخر الوقت كثيرا ..حتى سيارات الأجرة تبدو فكرة سيئة فذلك السائق عيونه لا تنبئ بخير أبدا...
كنت تائهة, ضائعة, حائرة ,مرعوبة لا أجد ملاذا آمنا , وصار الوضع أخطر لما إقترب شابان تبدو واضحة جدا أهدافهما,كنت أرتجف خوفا و غضبا و ألما وندما لأني لم أبقَى في الجامعة ... فجأة كلمات أعادت لي بعض الأمل ....
- " هل من مشكلة ياشباب "؟
إلتفتُ صوب الصوت لأراه , كما أمسك يدي يوما و أنقذني من الغرق , هاهو من جديد ينقذني مما هو أسوأ من الغرق
" عمر " ومن غيره ؟
-رد أحد الشباب بسخرية : من أنت وما شأنك ؟
-رمقه بنظرة كلها ثقة و تحدي وقوة : هي عرضي و سأقتلك إن إقتربت منها .
كلمات حادة وصادقة دفعت بالشابان للإنصراف كذئبان هربا من صياد غاضب ...
حينها أمرني بأن أركب في سيارة الأجرة ..وجلس قرب السائق و انطلقت بإتجاه مدينتي ...
لما وصلنا أخيرا وبقينا لوحدنا أردت شكره وقبل أن أتفوه بحرف صفعني بقوة : هذه حتى لاتتأخري مرة أخرى في العودة للبيت .
لم أستطع قول كلمة ...بقيت صامتة و هادئة وعدت للبيت واضعة كفي على خدي مكان الصفعة .
منذ تلك اللحظة عرفتُ أني أحببته و لطالما كنت أحبه, ليته صفعني قبلا كي أدرك هذه الحقيقة المذهلة ...
كيف لم أنتبه لروعته... للسلام و الآمان النابع من عيونه..رجل يحميني و ينقذني و يخاف عني و يصفعني لما أخطئ هذا هو ...
لقد فهمت أخيرا أن لي قدرا سألقاه ...سألقاه .
- تمت
التعليقات