[ المجرمون الأكثر شراسة و خطرا على وجه الأرض ليسو محتجزين بحصانة كما هي محتجزة هذه المجموعة من البعوض المعدل جينيا في جامعة كاليفورنيا ، محبوسة داخل أقفاص بشبكات ضيقة , و التي حتى لو فرت منها .. بمعجزة ما ! ستجد أمامها طريق عامر بالأفخاخ من تيارات للهواء البارد ، و صاعقات بالتيار الكهربائي .. و التي من المؤكد ستقضي عليها لو حاولت الفرار قبل حتى أن تجد الوقت لإصدار صوتها المزعج ززز ... ]

إن إتخاذ هذه الإحتياطات ليس هباء .. بل لأن هذه المجموعة من البعوض هي من أجل تجربة يراها علماء الهندسة الوراثية مصيرية في تغيير " صنف كامل " من البعوض المسبب لمرض الملاريا .. إذا سارت التجربة كما هو مخطط له !

إن الحمض النووي لهذه المجموعة لا يحتوي فقط على جينات جديدة بل على قدرة هائلة أيضا .. و التي تتحدى أساس علم الوراثة نفسه ، هي قدرة نقل هذه الجينات إلى الأجيال التالية بنسبة 100% حتى لو تكاثرت مع بعوض بري لا يحمل هذه الجينات ..( نسبة 100% لكل جيل و بوجود أحد "الأبوين" بري لا يحمل هذه الجينات تعد نسبة مستحيلة نظرا للقواعد التقليدية في علم الوراثة )

ما يعني أن العلماء قد قامو بخرق أحد أهم الأساسيات التي يقوم عليها هذا العلم ، فمجرد إطلاق 10 من البعوض المتغير جينيا في منطقة بها 100000 بعوضة برية خلال مدة أقصاها عام و نصف سينقرض كل البعوض البري بلا إستثناء و يحل محله النوع المتغير جينيا ..

مشروع مجنون من أجل مهمة نبيلة :

جملة " تغيير صنف بأكمله " .. تبدو للوهلة الأولى مشروع عالم مجنون .. لكن الباحثين بجامعة كاليفورنيا هدفهم القضاء على أحد أكثر الأمراض حصدا للأرواح في العالم ... الملاريا !

تغييرهم لجينات البعوض يجعل الطفيلي المسبب للملاريا لا يستطيع التكاثر داخل الغدد اللعابية للبعوضة قبل نقله لدم الإنسان و جنبا إلى جنب تم تركيب جينات تسمى " المقصات " هي المسؤولة عن نقلها بنسبة 100% الى الأجيال التالية ، فعند إلتقاء الكروموسومين بعد التكاثر تقوم هذه " المقصات " بإحداث تغييرات داخل الكروموسوم الموروث عن البعوضة البرية و جعله مشابه للكروموسوم الموروث عن البعوضة المتغيرة ما يجعل الأمر يصبح كأن الكائن الجديد قد إكتسب كروموسومين متماثلين متشابهين يحملان جينات البعوض المتغير جينيا ..

على الورق هذه التقنية ناجحة جدا و فعالة في تخليص العالم من واحد من الأمراض الأكثر فتكا .. لكن قبل إطلاق هذه الوحوش الصغيرة إلى البرية يجب الإجابة عن بعض الأسئلة التي مازالت تطرح علامات إستفهام كثيرة ..

ماذا لو إستطاع الطفيلي المسبب للمرض الصمود أمام تلك الجينات و كون مناعة ضد الجزيئات التي تنتجها ؟ سيصبح أكثر قوة اذا حصل هذا .. ! ماذا لو هاجم الطفيلي كائنات أخرى غير البعوض و أصبح ينتقل عبرها ؟ سيكون الامر أكثر خطورة عندها !

هذا المشروع أكبر من تطبيقه على " البعوض " فقط في الحقيقة الباحثون يدرسون كيفية جعله يمس كل أصناف الكائنات الحية باستحداث كائنات لها القدرة على نقل صفاتها بنسبة 100% إلى الأجيال التالية