السلام على من اتبع الهدى.

سبب كتابتي لهذا الموضوع هو ملاحظتي لانتقاد كثير من الناس في هذا الموقع وفي غيره، ”أفعال الإله“ عن طريق مدخلات أو طرق تفسير عاطفية بصورة من الصور (وإن كانت مغلفة بحجة منطقية). وأول هذه الأشياء هو الحكم على أفعال الإله في ذاتها (المروية في أحد الأديان) بأنها صحيحة أو خاطئة، أو أنه لا يمكن أن يكون الإله هكذا، أو يجب أن يكون هكذا، وما على هذه الشاكلة.

هذا الموضوع كتبته على عجالة، ولم تتخمر فكرته بعد في عقلي، وقد يكون به بعض الأخطاء، في ذاته أو إملائه. لذا أرجو لمن يرى خطأ، أن يتكرّم ويدلني عليه، ﻷصوبه في الموضوع وفي نفسي.


أول شيء لكي نضع هذا الأمر موضع النقاش، هو أن تفترض أن فكرة وجود إله خالق للكون هي صائبة وحقيقة، وأول شيء يجب أن تدركه نتيجة هذا أنك أنت وعقلك وكل الوسائل الحسية والمعنوية التي لها أثر على فكرك، هي صنع هذا الإله. ثاني افتراض هو أن تَعُدّ هذا الإله مطلقًا في كل شيء.

إذا وجد هاذين الشيئين في إله ديانة ما، فعليك حينها أن تعلم أن فعل هذا الإله – بالنسبة لك أنت أحد مخلوقاته - هو صواب مطلق، وكل ما لم يفعله هو خطأ مطلق؛ وهذا أمر طبيعي، فما أنت إلا نتيجته هو، فكيف يمكن أن يكون - بالنسبة لك أنت - خلاف ما فعله صواب، أو أن ما فعله خطأ، وأنت لا تملك من الأدوات إلا ما أعطاك إياه.


ومن جهة إسلامية، فالإله فرد لا شريك له، أي لا وجود إلا له وما أوجده، وبدون موجوداته لكان هو فقط كل شيء؛ أي لا وجود لأي شيء، حتى الفراغ والزمن، أو أي شيء يمكن أن يطرأ على بالك أو لا يمكن أن يطرأ على بالك، هو أيضًا غير موجود. ماذا تتصور الآن؟، مكانًا مظلمًا؟. لا، هذا أيضًا غير موجود!.

هذا في الجانب الوجودي، وبنفس التصور الإعجازي يكون الجانبي الحكمي (صواب أو خطأ). فمن أين يمكننا – نحن أحد مخلوقاته هو - أن نحدد أن فعله هذا صواب أو خطأ؟، ونحن لا نعرف إلا ما عرّفنا عليه، ونفكّر بما وهبنا؟!، وإن حَكمنا بصوابه أو خطأه، فما هي الوسيلة التي نستطيع بها أن نتأكد من أن ذلك الحكم صحيح، وأننا نحن لم نخطأ في التقدير نتيجة طريقة تركيب تفكيرنا الخاطئ؟؛ ففي النهاية إذا كانت في بعض أفعال الإله خطأ، فلا عدوان بعدها أن يكون تركيب فكرنا الذي حَكمنا به على خطأ فعل الإله، هو نفسه خاطئًا، كيف لا وهذه التركيبة هي نتيجة إله يمكن أن يخطأ! (وحاشى لله تعالى).


دعونا الآن نحوسب هذه المسائل ثم لنحكم عليها باستخدام الحساب نفسه:

الصواب والخطأ، حسابيًا هي نفترض أنهما الموجب والسالب. وبقدر الإيجاب أو الإسلاب يكون مقدار الصواب أو الخطأ. الإطلاقية كما ذكرناها في موضوعنا، تساوي حسابيًا قيمة اللانهائية.

ولنعتبر أنك تقول إن المسألة س صائبة بمقدار ص (ص > لا نهائية؛ لأن قولك ليس مطلقًا)، وكان قول الإله فيها أنها خاطئة، عليه ستكون المسألة هكذا:

س = ص – اللانهائية = - لا نهائية

أي أن المسألة خاطئة خطأ مطلقًا، ولم يكن لرأيك فيها أي أثر على النتيجة، بغض النظر عن مدى قوة أدلتك وشواهدك، ففي النهاية لا يمكن أن يصل رأيك للمطلق إلا إذا كنت مطلقًا، وبما أنك لست كذلك فرأيك له قيمة أقل من اللانهائية.

وأيضًا إذا كانت هناك مسألة أخرى س صائبة بالنسبة لك بمقدار ص، وكان قول إله فيها أنها صائبة، عليه ستكون المسألة كالتالي:

س = ص + اللانهائية = اللانهائية

ما يعني أن اعتبارك لصواب المسألة من خطأها لم يغيّر شيئًا من صحية القضية، إذ أن كل أدلتك وبراهينك، هي بالضرورة موجودة عند الإله بل ويوجد ما يزيد عنها.

ماذا نفهم من كل هذا؟، نفهم أنه مهما كانت عندك الاعتبارات والشواهد والبيانات لأمر ما من شأن الإله، هذا الأمر إن كان صائبًا، سيفعله الإله بلا شك، وإلا فلن يفعله الإله بلا شك. فرأيك هذا ليس له قيمة البتة حين وضعه في ميزان العقل. أنا لا أقول إن كل ما يُقال عن الإله عزّ وجل صحيح أو أنه يجب يُأخذ مأخذ الصواب المطلق، بل إن ثبت صحة شيء لله عزّ وجل، حينها يكون الفعل المذكور صوابًا مطلقًا، وهذا لا يعني بالضرورة أن صحة السند مطلقة. بعبارة أخرى: لا تحتجّ على دين ما، لأن إلهه يفعل أشياء لا تتناسب مع معايير الصواب والخطأ عندك.

ولا بدّ أن أنبه هنا أن الإله المطلق ليس بالضرورة أن تكون مخلوقاته مطلقة، بل إن خلقه لهذه المخلوقات هو الصواب المطلق؛ إذ أن الإطلاق فيه هو الإله فقط، وقد يكون من إطلاق حكمته ألا يكون خلقه مطلقين.