قصر راجيف الملعون: الدخول إلى عالم الظلام الجزء الثاني

حتى تتابع هذه القصة وتفهمها جيداً لا بد من مراجعة الجزء الأول بعنوان: تجارب الغربة قصص وتجارب مرعبة.

في الجزء الأول كنا أمام القصر المهجور عندما أنهى رام قصته، شعرت بقشعريرة تسري في جسدي. كانت الرياح تزداد قوة، وكأن القصر نفسه يستمع إلى قصتنا. ترددنا للحظة قبل أن نخطو نحو الداخل، واجهتني رغبة غريبة في العودة، شيء بداخلي كان يصرخ أنني ارتكبت خطأً فادحاً بالمجيء، ولكن "رام" ظل هادئاً، وإن كان وجهه لا يخلو من التوتر. لكنني، مغلوب على فضولي، أصررت على الدخول. لقد وصلت إلى هذا الحد، ولم أكن لأتراجع الآن.

القيت نظرة أخرى على القصر كان غارقاً في الظلام يحيطه السكون الغريب, وبدأت ظنوني توحي لي بأن هناك أشياء تتحرك داخل القصر ترتدي نفس لون الظلام والفزع, خيل الي انني اراهم من خلال النوافذ مكسورة الزجاج, بدأت اتصبب عرقاَ رقم الجو البارد, وأرتجف من الخوف. في تلك اللحظة أيقنت فعلاَ أنني لن أتحمل مغامرة الدخول لهذا القصر المرعب. نظرت الى صديقي رام لأنقل له رأئي النهائي فوجدته أيضاَ متوتر ويبدو أنه يشجع نفسه كي لا يخزلني أو يبدو جباناً أمامي. 

ولما قلت أنني قررت عدم الدخول وطمأنته أننا سنعود في وقت آخر بدا عليه الإرتياح وتنفس الصعداء, ولكن رغم ذلك قال مازحاً: هل جبنت؟, لقد قلت لك أن المكان مرعب من قبل, ولكن صدقني الآن أراه أرعب مما تخيلت, أن تسمع شئ وترى بنفسك وتجرب شئ آخر. 

الدخول إلى عالم الظلام

تنفسنا الصعداء وشعرنا بالإرتياح وهممنا للعودة ومغادرة هذا المكان الموحش, ولكن قبل أن نكمل إستدارتنا, سمعنا صوتاً ينادي "راااام" من أمام المدخل الرئيسي للقصر المظلم, لم نكن نصدق آذاننا, ولكننا رأينا آخر شئ كنا نتوقعه, صديق رام "قوتام" ينادي علينا وهو خارج من القصر ضاحكاً ومرحباً بنا. كنا غير قادرين على الحركة أو اي ردة فعل سوى الصمت الأبله وأعيننا تحدق ناحية "قوتام" في غير تصديق أو إستيعاب, حتى شعرنا بيديه تربت على أكتافنا مازحاً ومرحباً. أخيرا نطق رام متسائلاً: أنت؟؟ ماذا تفعل داخل القصر؟. 

رد قوتام: يبدو أنه توارد خواطر, أنا ومجموعة من الأصدقاء أتينا هنا للمغامرة والإستكشاف مثلكم تماماً. كان يتحدث بينما أمسك بأيدينا يقودنا نحو مدخل القصر قائلاً: هيا, بقية الأصدقاء في إنتظارنا في الداخل. 

عندما خطونا داخل القصر، كانت أول ما لفت انتباهنا هي رائحة العفن والدمج الغريب بين البرد والحرارة. الجدران قديمة ومكسورة، وأجزاء من السقف متساقطة، كأن القصر نفسه يبكي ببطء موتاً بطيئاً. أصوات غريبة كأنها همسات من الماضي كانت تملأ الأرجاء، رغم أن الهواء كان ساكناً. أضواء ضعيفة من شقوق في السقف كانت تعطي المكان وهماً خفيفاً من الأمان، لكننا كنا نعلم أن كل شيء هنا غير طبيعي.

أشار لنا "قوتام" ان نستكشف المكان وصعد الى الطابق الثاني مردداً أنه سينادي بقية الأصدقاء. بينما رحنا نستكشف البهو الكبير.

كانت الأبواب تصدر صريراً مخيفاً في كل مرة نلمسها، كأنها تشتكي من لمسنا لها. مع كل خطوة نخطوها، كان صوت الحجارة المتناثرة على الأرض يصنع صدى غريباً، كان يبدو وكأننا نسمع خطى أخرى خلفنا، أو حتى بجانبنا. كل شيء حولنا بدا وكأنه يتحرك في الخفاء، يعطينا إحساساً بأننا لسنا وحدنا.

في إحدى الغرف الواسعة والمظلمة، شعرنا بأن الجدران تنبض، وكأن القصر له قلب ينبض بالحياة. فجأة، ظهرت على الجدران نقوش غريبة، شعارات وأشكال لا يمكن فهمها، كأنها كانت مكتوبة بلغة قديمة مجهولة. حاول "رام" أن يشرح لي أن هذه الرموز تتعلق بالسحر الأسود، وأنها قد تكون جزءاً من الطقوس التي استخدمها صاحب القصر لجلب الثروة، لكنه بدا غير واثق بنفسه.

لقاء مع الرعب

في لحظة لا تنسى، وقع نظرنا على شيء مرعب: في أحد الزوايا المعتمة، ظهرت لنا امرأة شاحبة، وجهها مشوه وعيناها فارغتان، تحدق فينا بصمت مرعب. لم تكن تتحدث، لكنها كانت تنقل لنا شعوراً بالرعب القاتل. كان جسدها مغطى بثياب ممزقة، وكانت يداها الطويلتان تبدوان غير طبيعيتين، وكأنها خرجت من أعماق كابوس.

"رام" حاول أن يمسك بي ويجرني للخارج، لكن قدماي تجمدتا في مكاني. شعرت بقلبي يتوقف للحظة، وكأنني علقت بين عالمين. بدأت تلك المرأة تتحرك باتجاهنا ببطء، كل خطوة كانت تصدر صوتاً مثل حفيف الأوراق الجافة، لكن ما كان أكثر رعباً هو أن خطواتها لم تلمس الأرض. كانت تطفو بشكل غير مرئي باتجاهنا.

في تلك اللحظة، بدأ كل شيء من حولنا يتغير. الجدران بدأت تدور من حولنا، وكأننا عالقون في دوامة. الأصوات أصبحت أعلى وأكثر تشويشاً، كأن الجدران تصرخ بنا، تلعننا لأننا دخلنا هذا المكان.

القفز بين الجنون والعقل

بينما كنا نحاول العثور على المخرج، بدأت الأرض تحتنا تتحرك، كأنها تنبض بالحياة، وكأننا نسير على سطح شيء حي. في كل زاوية من القصر، كان هناك شيء ينتظرنا، طيف أو صوت، أو همسة تجعلنا نشعر بالجنون. بدأنا نسمع أصواتاً غريبة، أصوات ضحكات متقطعة وأصوات نحيب. "رام" أمسك بي بشدة وقال بصوت متهدج: "علينا أن نخرج الآن، وإلا سنفقد عقولنا هنا."

كنت أسمع أصواتاً غريبة تناديني باسمي، كأنها قادمة من أعماق القصر. في لحظة يأس، نظرت إلى "رام" وكان وجهه قد تغير، بدا وكأنه يرى شيئاً لا أراه، عيناه كانتا مفتوحتين بشكل مرعب، وكأنه كان يرى المستقبل أو ربما نهايتنا.

رحت أردد في صوت خائف مرعوب كل ما تذكرته من آيات وأذكار, وكان رام ينظر إلي وكأني بت أهلوس من الخوف, فعلاً كانت الأذكار تخرج من فمي كالحشرجة أو كصوت الإنسان عندما يتحدث وهو غاضب أو غارق في البكاء ..

أخيراً، وجدنا المخرج، أو هكذا ظننا. كانت الأبواب تغلق أمامنا كلما اقتربنا منها، وكأن القصر لا يريد أن يغادره أحد. ولكن في لحظة جنونية من الهلع، استطعنا أن نفتح أحد الأبواب وركضنا خارجاً بأقصى سرعة.

الهروب بأعجوبة

عندما خرجنا من القصر، كنا مبللين بالعرق رغم أن الجو كان بارداً في الخارج. لم نلتفت وراءنا، كنا نسمع أصواتاً تتبعنا حتى ونحن بعيدون عن القصر. كانت الامطار قد بدأت تهطل، وغطت السماء بسحب سوداء كأنها تعكس الشر الذي رأيناه في الداخل.

"رام" ظل صامتاً طوال الطريق، كان واضحاً أنه كان يعاني مثلما كنت أعاني. كلانا كان يحاول استيعاب ما حدث، ولكن في أعماقنا، كنا نعلم أن هناك أشياء في هذا العالم لا يجب الاقتراب منها. ذلك القصر كان واحداً منها، ولم نكن مستعدين للعودة إليه أو حتى الحديث عنه.

وكلما أبتعدنا من القصر إزددنا هدوءاً وطمانينة وفجاءة تذكرنا "قوتام" وأصدقاءه, مالذي حدث لهم يا ترى؟, قال رام مفكراً: يستحيل أن نعود لذلك القصر على الأقل الليلة, سنعود في الصباح إن أمكن لنري ماذا حدث لـ "قوتام" وأصدقاءه, وافقته على الفور فبالنسبة لي العودة الى هناك تعني دخولك للكابوس بكامل إرادتك.

أخبار "قوتام" وأصدقاءه, المفاجأة المرعبة:

في اليوم التالي قابلت رام في وقت متأخر, كان يبدو مصدوماً وغير مصدق. فسألته هل عرف أي أخبار بشأن "قوتام"؟, فقال: هذا ما جئت لأخبرك به, وأكمل: لقد ذهبت لمنزل "قوتام" لمعرفة أخباره ففتح لي الباب بنفسه, وكنت أحدق فيه غير مصدق وكأنني أعمل "إسكان" لجسده لأطمئن على سلامته. سألني "قوتام" مالك؟, تنظر إلي وكأنك تراني لأول مرة .. ولما ذكرت له مغامرة الأمس إندهش وأكد لي أنه لم يتحرك من البيت لأنه ظل مريضاً طيلة الأيام الماضية. صعقت طبعاً من كلامه وظللت أساءله واكرر: انت لم تكن معنا في قصر راجيف المهجور؟ وظل يؤكد لي أنه حتى وإن لم يكن مريضاً فلن يذهب إلى هناك. فظللت أتسآل مرعوباً: من الذي قابلنا هناك إذا؟, وبل شجعنا على دخول الكابوس بأرجلنا؟.

انتهى الجزء الثاني "الدخول إلى عالم الظلام: قصر راجيف الملعون" ..

هل تعتقد أننا كنا سنعود لذلك القصر الملعون مرة أخرى مهما كان الثمن؟, طبعاً لا .. هذا ما كنت أعتقده ولكن كان للقدر رأي آخر فقد قادنا إلى هناك بطريقة لم تخطر لنا على بال .. لذلك إنتظر يا صديقي الجزء الثالث من هذه القصة بعنوان : لعنة راجيف وطلب الروح المحبوسة.