إنتهى الجزء الأول من قصة السراب عندما عرض الرجل على والد الفتاة الزواج منها .. وتمت الموافقة على الزواج بسرعة، وتزوج الرجل من الفتاة .. يمكنك مراجعة الجزء الأول من هنا:

السراب: الجزء الثاني

مرت سنوات عديدة منذ أن استقر الرجل في حياته الجديدة. أصبح أبًا لعدة أطفال، وقد توسعت مزرعتهم بشكل ملحوظ، وصار يديرها مع زوجته وأطفاله بكل حب واجتهاد. المزرعة الآن كانت ممتلئة بالحياة؛ الماشية تجوب الحقول، والمحاصيل تنمو بغزارة. كانت الحياة تبدو مثالية، مليئة بالراحة والفرح. لقد نسي الرجل تمامًا سبب قدومه إلى هذا المكان، ونسى سؤاله القديم الذي لطالما ألح على معلمه الروحي للإجابة عنه. كان الآن يعيش حياةً مليئة بالمعاني المادية، ويشعر بالسعادة العميقة بفضل زوجته وأطفاله والمزرعة التي أصبحت أكبر وأغنى مما كان يتخيل يومًا.

على مر السنين، تعلم الرجل كل جوانب إدارة المزرعة.

لم يكن يعتقد يومًا أن الحياة ستكون بهذا الشكل. تغير كل شيء بالنسبة له. اختفى لديه الشك الذي كان يشعر به من قبل حول "المايا" أو الوهم، ولم يعد يفكر في أن العالم قد يكون مجرد سراب. بالنسبة له، كل شيء كان ملموسًا وحقيقيًا؛ الحب الذي كان يشعر به تجاه زوجته، الفرحة التي يشعر بها وهو يرى أولاده يكبرون أمام عينيه، التعبير عن النجاح المادي من خلال المحاصيل التي يحصدها عامًا بعد عام. كانت الحياة بالنسبة له مليئة بالواقع الصلب.

مرَّت اثنا عشر سنة وهو يعيش هذه الحياة الريفية السعيدة. وكان يشعر بأنه قد وجد مغزىً حقيقيًا في وجوده، وأن الحياة التي يعيشها الآن هي كل ما يهم. نسي كل شيء عن الماضي، نسي معلمه الروحي، نسي المدينة التي كان يعيش فيها من قبل، بل ونسي سؤاله الأساسي عن الحقيقة والوهم.

ولكن، في صباح أحد الأيام، تغير كل شيء فجأة.

في ذلك الصباح، كانت السماء ملبدة بالغيوم الكثيفة، وكانت الرياح تهب بقوة غير عادية. بدا أن هناك عاصفة تلوح في الأفق. حاول الرجل طمأنة عائلته بأن الأمر مجرد عاصفة صغيرة، لكن شيئًا ما بدا غير طبيعي. كانت العاصفة تزداد شدة بشكل مرعب، وبدأت الأمطار تهطل بغزارة لم يسبق لها مثيل. سرعان ما تحولت الأمطار إلى سيول، وبدأت المياه تتجمع بسرعة حول المزرعة. حاول الرجل إنقاذ ما يمكن إنقاذه، ولكن الماء كان يزداد ارتفاعًا كل لحظة.

أصبحت الأمور تزداد سوءًا بسرعة.

الماشية بدأت تُجرف مع تيارات الماء العنيفة، والأرض الزراعية التي عمل عليها لسنوات طويلة تحولت إلى بركة طينية ضخمة. في لحظة يأس، نظر إلى منزله، ورأى أن المياه قد بدأت تتسرب إليه. حاول أن يدخل لإنقاذ عائلته، لكن الماء كان يتدفق بسرعة كبيرة. انهار المنزل بسبب ضغط المياه، وتدفقت السيول بشكل لا يمكن إيقافه.

بقي الرجل عاجزًا، يشاهد منزله ينهار أمام عينيه. رأى أطفاله يجرفهم الماء، وزوجته تحاول الصمود لكن الماء غمرها. حاول اللحاق بهم، لكن السيول كانت أسرع منه. في تلك اللحظة، شعر بأنه فقد كل شيء. كانت صرخاته ممزوجة بصوت الرعد، وهو يرى عائلته تغيب في موجات الماء العاتية.

كانت اللحظات تمر ببطء شديد وهو ينجرف مع التيار.

كان يشعر بالعجز الكامل. كل شيء كان قد انتهى في لحظات. كل ما بنى، كل ما عاش من أجله، كل اللحظات التي ظن أنها كانت الحقيقة الحقيقية، جرفتها السيول في لحظات قصيرة. شعر أن حياته قد انهارت أمامه بشكل لا يمكن إصلاحه. لم يعد يعرف ماذا يفعل، ولم يعد قادرًا على التفكير في المستقبل. كان الألم شديدًا، والفقدان لا يمكن تحمله.

بعد ساعات من الانجراف مع التيار، وصل الرجل إلى منطقة بعيدة عن القرية. كان وحيدًا تمامًا، وقد أنهكته الأمطار والسيول. جلس على الأرض، محاطًا بالمياه والطين، باكيًا بشدة على كل ما فقده. لم يكن بإمكانه تصديق ما حدث. كيف يمكن أن يتغير كل شيء بهذه السرعة؟ كيف يمكن أن تنتهي حياته بهذه الطريقة المفجعة؟ كان يشعر وكأن الكون بأكمله قد تآمر ضده.

ولكن بينما هو غارق في نحيبه،

فجأة سمع صوتًا مألوفًا يقترب. رفع رأسه بصعوبة، ونظر حوله. في البداية ظن أن ما يسمعه ليس إلا هلاوس ناتجة عن صدمته العاطفية. لكن الصوت أصبح أكثر وضوحًا، كان صوت حوافر حصان. نظر إلى الأعلى، وإذا به يرى معلمه الروحي واقفًا أمامه على ظهر حصانه، تمامًا كما تركه قبل ما يبدو له وكأنه عمر كامل. لم يصدق الرجل عينيه.

اقترب المعلم من الرجل، ونظر إليه نظرة عتاب وقال: "أين الماء؟ لقد تركتك هنا منذ نصف ساعة وقلت لك أن تحضر لي ماءً، فماذا حدث؟".

نظر الرجل إلى معلمه في ذهول،

وكلماته لم تخرج بسهولة. نصف ساعة؟ لقد عاش حياةً كاملة! أنجب الأطفال، تزوج، عمل بجد، فقد كل شيء، كيف يمكن أن يكون كل هذا قد حدث في نصف ساعة فقط؟

أجاب الرجل بصوت متردد: "ماذا؟ نصف ساعة؟ لقد عشت عمراً كاملاً... لقد تزوجت وأنجبت الأطفال... كيف تقول إن هذا لم يكن إلا نصف ساعة؟".

ابتسم المعلم وقال بهدوء: "الآن عرفت ما هي المايا. كل ما عشته، كل ما شعرت به، كان وهمًا. أنت فقط عشت السراب الذي كنت تسألني عنه".

نهض الرجل بصعوبة من مكانه، وأخذ ينظر حوله. لم يكن هناك أي أثر للقرية أو المزرعة أو العائلة. كانت الأرض جرداء كما كانت عندما وصلا لأول مرة. كل شيء كان مجرد وهم، كان كل شيء سرابًا.

قال المعلم: "لنعد الآن إلى المدينة. عندما نصل هناك، أخبر الناس أنك غبت لمدة اثني عشر عامًا وتزوجت وأنجبت. سيعتقدون أنك جننت، لأننا لم نغادر المدينة إلا هذا الصباح".

نظر الرجل إلى معلمه غير مصدق، ثم بدأ يسير خلفه، لكنه كان يشعر بأن شيئًا ما داخله قد تغير للأبد.

بإذن الله عما قريب الجزء الثالث من قصة السراب.