لنفترض أن مستقل يعمل كمسوق إلكتروني لأحد الشركات أو العلامات التجارية، وعُرض عليه مشروع آخر من قبل شركة منافسة للشركة التي يعمل لديها حاليًا، أو كاتب محتوى يعمل ككاتب مقالات لدى إحدى المواقع، وبالمثل عُرض عليه مشروع للعمل لدى موقع آخر منافس، هل برأيكم يجوز العمل مع كليهما دون إخبار أحد الأطراف عن المشروع المنافس الآخر؟ أم من الأساس لا يجوز أن يعمل مع كليهما في نفس الوقت؟
العمل مع عميلين متنافسين حق مشروع للمستقل أم تجاوز لأخلاقيات العمل؟
برأيي بما أنه قد يعتبر البعض أن قبول العمل مع شركتين متنافستين في نفس الوقت يثير تعارض مصالح ويضعف الثقة بينه وبين العملاء، فهذا يعني أننا يجب أن نتجنّب هذه المسألة وطبعاً خاصة إذا اشتبهت إحدى الشركات في احتمال تسريب أفكار أو استراتيجيات للشركة الأخرى، حتى لو لم يكن ذلك مقصوداً. وبالعموم لو كان المستقل مصرّ على هذا الجمع وهذا الموقف، يتطلب عندها من المستقل الالتزام بمبادئ الشفافية وتوضيح موقفه منذ البداية، يعني أن يشرح لهم الحاصل، بالإضافة إلى فصل العمل بين العملاء بشكل صارم جداً لتجنب أي تضارب محتمل. ولكن لماذا نريد تعب الأعصاب؟ برأيي إلغاء أحدهما أسلم.
ولكن لماذا نريد تعب الأعصاب؟ برأيي إلغاء أحدهما أسلم.
ربما العائد المادي جيد، نحن في العمل الحر غير مستقرين تماما من حيث عدد العملاء أو تدفق المال، قد تأتي أوقات تعمل بها بشكل مكثف وأوقات أخرى لا تعمل من الأساس، ولهذا خيار رفض مشروع جيد بعائد جيد قد يكون صعبا، إذا كان المستقل في حالة ركود من القبول في المشاريع.
إذا أبرم المستقل عقدا مع الشركة فإنه ملزم قانونا ببنود العقد وبقانون العمل في بلده, ويمكن للشركة أن ترفع ضده دعوى قضائية إن علمت أنه يعمل في نفس الوقت مع شركة منافسة لحظة إبرام العقد, فقوانين العمل بأغلب البلدان تجرم العمل مع المنافسين دون إذن, أما إن كان العمل بلا عقود ولا مواثيق فهو حر يفعل ما يشاء...ولكن إن علمت الشركة قد تتوقف عن التعامل معه مما قد يضر بسمعته في السوق. ويجب الإشارة أنه في بعض البلدان حتى العمل بلا عقود لا يعفي المستقل من المتابعات القانونية في حال تضرر الشركة من المنافسين بسببه.
أغلب الحالات في العمل الحر لا تكون بها عقود ملزمة ولا تدخل أي قوانين لتنظيمها، الاتفاق يكون ودي بين الطرفين، ولا يوجد ما يلزم أي طرف بالالتزام بالاتفاق سوى ضميرهم والتزامهم المهني والأخلاقي، ولهذا تركيزي كله على مدى أخلاقية الفكرة، بعيدا عن فكرة وقوع ضرر لأي طرف، إذا وجد المستقل في نفسه القدرة على تأدية عمله بشكل جيد أيعمل على كلا المشروعين أم الفكرة نفسها غير مقبولة أخلاقيا، ففي النهاية عملك سيفيد محتوى شخص منافس لمن عملت معه أولا!
أخلاقية الفكرة من عدمها متوقف على الضرر من عدمه, إذا لم يكن هناك أي ضرر واقع على أي طرف وبلا أي عقود فما المانع إذن؟ أما إن حدث ضرر فما على المتضرر إلا اللجوء للقضاء, ويمكن للشركة توكيل محامي بدولة المستقل لرفع شكاية ضده للضرر الذي حصل لها, فعدم وجود قوانين وعقود تنظم العمل الحر لا يعني إخلاء المسؤولية من الأضرار الحاصلة.
وهل من حق المستقل إخفاء عمله عن كلا الطرفين اللذان يعملان معه؟ حتى إذا وعد في داخله بضرر أحد الأطراف وفصل كلا المشروعين عن بعض، فهل يجوز إخفاء العمل عند منافس عن العميل، ففي النهاية هذه تعتبر ضمن خصوصيات المستقل، ولكن من ناحية الأخرى حساسية الفكرة تعطي حق للعميل للمعرفة لكي يختار إذا كان سيثق في نفس المستقل لإنجاز عمله دون الإضرار به من العمل عند منافس أم لا
في البداية أرى الأمر معقد، فحتى لو منعت المستقل من العمل مع الغير وافترضنا أن هذا حقي فكيف أعلم أنه استجاب للمنع.
ولو وافقت كيف أضمن أنه يلتزم السرية بخصوص عملي ومهامه معي ؟!
لا يمكن التحكم في الوضع هنا، وأظنه يفتح باب للشك والحذر بين أصحاب المشاريع والمستقلين، ولكن هناك بعض الأعمال تتحكم بالأمر بقواعد صارمة بحكم طبيعة العمل مثل ( الجهات الأمنية- القضاء- الجمعيات الدولية - ...)
في الجمعية عندنا كل متطوع أو موظف يمضي عند استلام وظيفته على إقرار أن لإدارة الجمعية الحق في التحقيق معه واتخاذ إجراء قانوني ضده في حال ثبوت أنه يعمل بمكان آخر مشابه، أو أنه ثرب أي مهمة أو معلومة تخص الجمعية حتى لو كانت بسيطة.
هنا الشروط موضوعة لحساسية المعلومات وتأثير العمل وعلى الجميع أن يلتزم بها أو يرحل لو كان القيد لا يعجبه.
في الجمعية عندنا كل متطوع أو موظف يمضي عند استلام وظيفته على إقرار أن لإدارة الجمعية الحق في التحقيق معه واتخاذ إجراء قانوني ضده في حال ثبوت أنه يعمل بمكان آخر مشابه،
هذا لا وجود له في عالم العمل الحر، حتى الإتفاق العادي بين المستقل والعميل هو غير موثق والإخلال بأحد بنود العمل سهلا كثيرا على كلا الطرفين، ما قد يحكمهما هو رغبتهم في إنجاز العمل من أجل المصلحة المشتركة والالتزام الأخلاقي، وكلا السببين قد يتلاشا لسبب أو لآخر، وهذه المرونة في العمل الحر هي في حد ذاتها ميزة للملتزم والمجتهد في عمله ولكنها في مواقف أخرى كالمعضلة التي أشير إليها هي عيب كبير، تخيل مثلا أن يعمل المستقل مع كلا العميلين ورغم حفاظه على مصالح كلا المشروعين إلا أنه لتشابه المجال يتم طلب نفس المهمة لكلا المشروعين كأن يكتب كاتب مقالات مثلا مثال عن نفس الفكرة أو نفس الخبر، فما هو بفاعل!!
ربما نقاط مثل:
الالتزام بالاتفاق، سِعة المستقل على تقديم نفس الجودة للطرفين في نفس الوقت بدون تكرار في الأفكار، وجود عقد يلزمه بالولاء للشركه من عدمه..
نقاط كهذه قد تحدد الاجابة بشكل موضوعي
ولكن، برأيي الشخصي.. يظل الأمر معتمدا على مبادئ المستقل بحد ذاته، سواء سمحت الشركة أو لا، العمل مع شركتين متنافستين دون الإفصاح أشبه بالسير على حبل مشدود بين ناطحتين.. خطوة واحدة خاطئة قد تؤدي إلى السقوط المدوي.قد يعتبره البعض طموحا وتطويرا لمهارات المستقل المهنية والتعاملية على حد سواء، فيما قد يعتبره الآخرون جشعا لا داعي له وخيانة محتملة للثقة ومخاطرة بالمصداقية المهنية وأن الطموح والتطوير متاح أكثر بالتركيز على جهة واحدة وعمل واحد وهذا ما أميل اليه ، فمصداقية المستقل رأس مال لا يعوض، والفرص ليست محصورة في هذه المخاطرة.. إذا كان ولاؤك قابلا للمساومة، فكيف يمكن لأي طرف أن يثق بك في المستقبل؟
إذا كان ولاؤك قابلا للمساومة، فكيف يمكن لأي طرف أن يثق بك في المستقبل؟
هذه النقطة تحديدا هي مربط الفرس في الفكرة بأكملها، مفهوم الولاء في العمل الحر هل موجود بالفعل؟ فالموظف العادي عمل في شركة أو مؤسسة ما من الطبيعي أن يكون مخلص لها وحريص على مصلحتها مع الأخذ في الاعتبار أنه يعمل لجهة واحدة فقط، أما المستقل فطبيعة عمله تجعله يعمل مع الكثير من العملاء في نفس الوقت، هو ليس ملزم بوقته أو جهده لطرف واحد، وبالتالي إذا صادف وكان أحد هذه الأطراف عمله مشابه لعميل آخر فلماذا على المستقل أن يكون ملتزما تجاه طرف واحد فقط طالما أنه في كل الأحوال سيؤدي عمله بشكل جيد للطرفين.
لا أرى مانع أبدا من هذا , لكن ليس علي إخبار العميلين بذلك , ما الداعى لذلك ؟
بالعكس أرى أن يمكن أن يؤدى الامر الى مزيد من النتائج الجيده لكلا الطرفين
العمل مع عميلين متنافسين قد يكون حقًا مشروعًا إذا كان المستقل يلتزم بالحيادية والسرية المهنية، لكن تجاوزه لأخلاقيات العمل يعتمد على السياق. إذا تعارضت المصالح أو تم استخدام معلومات أحد العملاء لخدمة الآخر، فهذا يُعد انتهاكًا للأخلاقيات. المفتاح هو الشفافية والالتزام بحماية خصوصية كل عميل لضمان التعامل بشكل مهني وأخلاقي.
المفتاح هو الشفافية والالتزام بحماية خصوصية كل عميل لضمان التعامل بشكل مهني وأخلاقي.
وهل هذا مضمون وقابل للتحقيق على أرض الواقع؟ أستعرض مشكلات عديدة نتيجة لهذه المشكلة الأساسية، فماذا لو انطلب من المستقل نفس المهمة أو تنفيذ نفس الفكرة لكلا المشروعين؟ وكيف سيعمل المستقل بأسلوب مختلف وطريقة مميزة إذا كان يعمل في مجال كالكتابة مثلا، حيث لكل كاتب طريقة خاصة به، وسيكون من الملاحظ تقليد نفس الطريقة والأسلوب في الكتابة! ماذا لو تم استنفاذ كافة الأفكار بسبب العمل على نفس نوعية المشاريع، وفي حالة وجود أفكار قوية وأخرى عادية من سيأخذ الأفكار الأفضل! كل هذه التساؤلات لا أجد إجابة لها.
هل هذا مضمون وقابل للتحقيق على أرض الواقع؟ أستعرض مشكلات عديدة نتيجة لهذه المشكلة الأساسية، فماذا لو انطلب من المستقل نفس المهمة أو تنفيذ نفس الفكرة لكلا المشروعين؟
المناقشة هنا تسلط الضوء على التحديات الأخلاقية والعملية التي يواجهها المستقل عند العمل مع عملاء متنافسين، حتى مع التزام الشفافية وحماية الخصوصية. من الناحية النظرية، قد يبدو الالتزام بهذه القواعد كافيًا، لكنه في الواقع يواجه صعوبات عملية واضحة، مثل تداخل الأفكار أو استنفاذ الإبداع. إذا طلب العملاء مهام مشابهة أو ذات أهداف متقاربة، قد يصبح التمييز في الأسلوب والجودة بين المشاريع تحديًا كبيرًا، خاصة في المجالات الإبداعية كالتصميم أو الكتابة.
المسألة الأكثر تعقيدًا هي توزيع الأفكار الأفضل، حيث من الطبيعي أن يشعر العميل بأن المستقل يعطي الأولوية للآخر. هذه الإشكالية تُظهر أن المشكلة ليست فقط في الالتزام الأخلاقي، بل في الحدود العملية التي يفرضها العمل الإبداعي.
الحل قد يكمن في اختيار المشاريع بعناية، بحيث يتجنب المستقل العمل مع أطراف متنافسة في وقت واحد إذا كانت الأفكار متشابهة بشكل كبير. لكن السؤال يبقى: كيف يمكن للمستقل تحقيق هذا التوازن دون التضحية بفرص عمله؟ وهل يكفي الالتزام الأخلاقي وحده لضمان الثقة من جميع الأطراف؟
التعليقات