موضوع الحرية الإنسانية شغل كتير الفلاسفة و الأديان و هل الإنسان مخير أو مسير او الإتنين مع بعض .. على مر التاريخ كان النقاش نظرى بحب بدون أى أدلة علمية لكن مؤخرا مع تطور أبحاث الدماغ و ثورة أشعة الرنين المغناطيسي الوظيفى قدرنا نفهم وظائف الدماغ على أساس علمى مش فلسفى .

 و نتايج الأبحاث بتكشف عن ضيق نطاق حريتنا و مدى تعقد الدماغ و إن أغلب أفعالنا نتيجة الجينات أو تشريح الدماغ و أى تلف أوى ورم فى الدماغ بينتج عنه تغير فى السلوك ممكن توصل لقتل إنسان أو إغتصاب أو فقدان المهارات الإجتماعية .. فالهوية الفردية معرضة للتغير بدون تحكم الإنسان كإنه ضيف على جسده و سجين ليه اللى بيقرر أغلب إختياراته و سلوكه .

لأول وهلة النتائج دى صادمة و محبطة و بتنسف كل مفهومنا عن حريتنا و بالتالي تحمل نتايج أفعالنا و إن كل النقاش الفلسفى و الدينى مجرد أوهام و إن مفيش حرية إنسانية .. بس هل فعلا مفيش حرية و إنها وهم طوباوى و حلم جميل مستحيل تحقيقه ؟!! 

الإجابة بتعتمد على مفهومنا للحرية .. كلمة حرية كلمة غامضة و تحتمل معانى كتيرة فبنعتبرها معنى واحد لكن الحرية عموما نوعين .. حرية من اللى هى تخلص من قيود و حرية ل اللى هى الرغبة فى فعل مبدع أصيل .. فأى حرية بتبدأ من جبرية و تخلصك من الجبرية أول طريق للحرية الحقيقة اللى هى الحرية ل .

فالحرية المطلقة مش حرية .. فلو فرضنا لعبة زى كرة القدم بتحكمها قوانين معينة فلو كل لاعب بقى حر مطلق ممكن يلعب برجله أو بإيده يقدر يضرب اللاعيبة المنافسة بدون عقاب .. كل فرق ممكن يلعب بعدد لاعيبة زيادة أو أقل فكل قوانين اللعبة مبقتش موجودة هنا متبقاش حرية تبقى فوضي .

فاللاعب اللى بنفس القوانين و شروط اللعبة يقدر يتفوق على المنافس بمساعدة باقى الفريق هنا الوسيلة اللى الحرية بتتحقق فيها و خصوصا لو الخصم منافس أقوى و رغم كدا تم التغلب عليه .

فعموما درجة تحكم الإنسان فى حياته متزيدش عن ١٠ ٪ .. فعلا أغلب قرارتنا مش بناخدها بشكل واعى و مستقل بيتحكم فيها عوامل مختلفة و متشابكة من جينات و بيئة و دماغ كل فرد .. إحنا بنشترك فى جيناتنا مع الشمبانزي فى ٩٨٪ يعنى ٢ ٪ هى اللى خلت الإنسان يوصل لكل التطور ده رغم إن جسديا أضعف من حيوانات كتيرة لكن اللى بيفرق الدماغ و الإرادة البشرية .

فيه شخص أطلق نار على مدرسة من طلاب و مدرسين و عمل مجزرة و لما تم القبض عليه تم محاولة معرفة سبب اللى قام بيه رده إنه مبعرفش السبب و إنه مش قادر يفهم نفسه و ليه عمل كدا .. بعد ما مات شرحه دماغه وجدوا ورم سرطاني .. و فيه عامل اخترق دماغ عامل متسببش قى موته بس غير فى سلوكه و فقد مهاراته الإجتماعية .. و غيرها كتير جدا من حالات بعد الإصابة بأورام فى الدماغ أو تلف سبب لأفعال و سلوك عكس طبيعة الشخص قبل الإصابة ..

فهل لو السلوك ده إجرامي يمنع محاسبته و معاقبته ؟!!!

فى حدود ضيقة جدا فعلا ممكن حصولهم على البراءة و إنهم غير مسؤولين و ده اللى بيتم فعلا و فيه اللى خدوا أحكام بالبراءة بس بالرغم من كدا أغلبهم مسؤولين .. طب إزاي ؟!!

لما بنتصاب بأمراض و بتجيلنا أعراض فيه اللى أول ما تظهر أعراض بيكشف عند الدكتور و فيه اللى بيتجاهل الأعراض .. الأول بيلحق يتعالج من المرض قبل ما يتطور و التاني حالة المرض بتسوء و بيلجأ متأخر للعلاج اللى بيكون أصعب .. فأي تغير سلبى حتى لو بسيط للإنسان بدون الرغبة فى فهم التغير و علاجه او لو كان مرض يتم معالجته قبل ما تسوء حالته .

فى حالة الشاب اللى أطلق الرصاص على مدرسة أكيد ظهرتله أعراض غريبة و هو تجاهلها لحد ما إتفاقمت و وصلتله للجريمة ..فإهماله ده هو مسؤول عنه .. و فى حالة مكنش فيه أعراض مبكرة مجرد ما تتم المعرفه بقى مسؤول عنه .

لو فيه إتنين حصلهم حادثة فى نفس الوقت سببت فقدان بصرهم .. واحد منهم حالته النفسية ساءت و بقى كتير الشكوى و الغضب و الطبع ده إستمر معاه و التانى مع الوقت إتأقلم و بقي إيجابى و عملى بدل اللجوء للشكوى المستمرة .. الإتنين ملهومش يد فى فقدان بصرهم بس درجة إستجابتهم للى حصل مسؤوليتهم و مقياس مدى حريتهم .

الغريب إن الفقير أكتر حرية من الغنى !!!! 

كلام غريب صح ؟؟! لا أكيد مش صح !!

لا صح و ده الغريب فعلا .. وجهة نظرى الحرية بتتناسب طرديا مع الجبرية .. كل ما تزيد القيود كل ما فرص الحرية بتزيد .. مثلا في تجارب لعلاج مرضي عندهم شلل في إيد واحدة كان بيتم ربط الإيد السليمة و إجبارهم على إستخدام الإيد المشلولة .. فيه فعلا مرضى إستجابوا للأسلوب ده .. منعهم من إستخدام الأيد السليمة سبب لتحرير طاقة جبارة للعلاج من شلل الإيد التانية .. نفس المنطق لو فى الظروف العادية بدون مرض .. لو أجبرنا نفسنا على إستخدام الإيد الضعيفة مثلا الأيمن يستخدم الإيد اليسرى يس أو العكس ده بيزود نشاط المخ أكتر .

فبنفس المنطق الفقير الإختيارات المتاحة ليه قليلة جدا فده بيديله فرصة إنه يركز فى المتاح أكتر بدون فوضى الإختيارات اللى بتكون متاحة للغنى .. فلو عرف يستغلها و يتغلب على فقره و ينمى مهارات و قبول الواقع مهما كان سىء و صعب بتكون حالته النفسية أفضل كتير من الغنى اللى عنده خيارات كتير متاحة مش عارف يختار إيه منهم .

مثلا لو شخص ملياردير .. لو بطل شغل و عاش حياته كلها من غير شغل مش هيخلص ثروته .. الإختيارات اللى ممكن يقوم بيها كتيرة جدا و مفروض نظريا السعادة مضمونة رغم كدا بيختار يكمل زى ما هو إن يشتغل على تنمية ثروته أكتر .. و فعلا هيكسب أكتر و هيسعى تانى يكسب فلوس أكتر و هكذا .. رغم تعدد الإختيارات و الطرق بيختار نفس الطريق اللى ماشى فيه حتى لو كان ممل و مفيهوش جديد بسبب فوضي الإختيارات بتسبب تشوبش و الخوف من تحمل مسؤولية طرق و مسارات جديدة فيختار منطقة الراحة .

تاريخيا مفيش شخصية مميزة ما واجهتش معاناة صعبة من فقر أو جهل أو مرض أو سوء معاملة و قدرو ينجحوا أكتر من ناس ظروفهم كانت أسهل .. لإن قلة الإختيارات مع معاناة بتدى طاقة كبيرة و دافع أكبر لناس معينة بترفض الواقع السلبى و إستغلاله لواقع إيجابي .

فى نفس الوقت الموضوع مش حتمى .. فيه غنى بيقدر يستغل الظروف الكويسة إنه يتعلم تعليم كويس مع علاقات تسهله النجاح أكتر من اللى إتحرم من تعليم كويس .. و فى الفقير اللى هيستسلم للغضب و الإحباط و الظلم فيتماهى مع دور الضحية و يدمر نفسه بنفسه و ممكن توصله للجريمة .

مفيشة حتمية كاملة بس فيه جبرية جزئية .. الكل مجبر غنى و فقير .. مريض و سليم .. ذكي و محدود الذكاء .. بس فيه مساحة صغيرة جدا متزيدش عن ١٠٪ من التحكم فى حياته هى مصدر كل إيجابية و حرية و عبقرية و إبداع و فى نفس الوقت مصدر كل سىلبية و جريمة و فشل و إستسلام و يأس .

فالكل حر مهما سطحيا يظهر إن مفيش حرية .. لإن مفيش حرية من غير جبرية .. و كل ما تزيد القيود و الجبرية بيزيد معاها فرص الحرية و الإبداع .