في كتابه "فهم وسائل الاعلام" أطلق مارشل ماكلوهان عبارة خالدة: الوسيلة هي الرسالة.

ماكان يُنظِّر له مارشل ماكلوهان هو تأثرنا بوسائل الاعلام، فطريقة التقديم، تؤثِّر في المُتلقّي أكثر من المحتوى نفسه.

كتاب مارشل أتى في فترة الستينيات، حين استقرَّ التلفاز بيوت الأمريكيين وأصبح منهم، وأصبحت وسائل الإعلام تغزو البيوت بشكل لم يشهده البشر سابقًا.

ماكلوهان كان يعتبر أن المواد المرئية التي تتمثّل بالتلفاز، هي مواد سهلة المشاهدة، ولا تتطلّب جهدًا لمشاهدتها، ورأى أنّ شيوع ذلك في الناس يعني أنّ نسبة كبيرة منهم سيتأثّر بالرسائل المضمّنة في هذه الوسائل، من دون مقاومة أو تحدّي ذهني لها.

القراءة تختلف

قراءة الكتب تختلف جذريًا عن متابعة المواد المرئية، فالقراءة لا تُلقي عليك محتواها ولا تفرضه، وإذا تأثّرت بشيء فيها فللمحتوى الدور الأكبر في ذلك.

القراءة تتطلّب طاقة ذهنية، كل شيء لكي يُفهم يجب أن يُمثّل في الذهنب بعلاقات وصور، وفي اللحظة التي تتوقف فيها عن متابعة أسطر الكتاب، يتوقّف سيل المعلومات، وينتهي تواصلك مع الكتاب، على الأقل مؤقتًا، وذلك لا يحدث مع التلفاز، فقد تستطيع أن تتلقّى بعض المعلومات وأنت غافٍ!

المرئيات الحديثة متعدّدة الاتجاهات

في عهد ماكلوهان، لم تكن الخيارات كثيرة، كانت المواد المرئية تُفرض عليك من مزّود التلفاز وليس لك دور في أختيارها، أمّا الآن فعندنا مائدة عامرة، فنستطيع مع الانترنت أن نشاهد ما نُريد، في الوقت الذي نُريد.

لكن المشكلة الجوهرية تبقى ذاتها، فكما كان التلفاز خيار الكُسالى، تستغل بعض المواقع الآن هذه النقطة، فتحاول أن تستحوذ على انتباه مستخدميها لأطول فترة مُمكنة، وتبقيهم معلّقين في "خوارزمياتها" لأطول فترة ممكنة. هذا الاستحواذ من شأنه أن يفرض بعض الأفكار على الطريق، المشكلة التي نبّه عليها مارشل قبل أكثر من 60 سنة.

وتبقى بعض المواد، مرئية كانت أو نصيّة، تتحدّى الفكر، وتُعمل العقل. تستطيع ان تتعلم، وتستطيع ان تترك نفسك. الخيار لك.

كما كان يُقال في ثقافة الحمية الغذائية " أنت ما تأكل" فيقال أيضًا في عصر المعلومات السريعة " أنت ما تستهلك"

انت بما تستهلك تختار مستقبلك، وتختار كيف يُمكن أن تُشكَّل اراءك، أهي من عصير جهد ذهني مُضنٍ، أم خوازرميات تبرمج آراء الملايين؟