كثيرًا منَّا يعتقد أن الحياة دون صداقات لا معنى لها وأن العلاقة الودّية بين الأصدقاء هي الممول الذي يضمن استمراريتنا في هذه الحياة، فالصديق وقت الضيق، يحمل عنك همومك ويساعدك في حل مشكلاتك. لقد رأيتُ هذه التجربة في قصة صديقتين، بدأت صداقتهمتا منذ أيام الدراسة واستمرت بسفرهما من بلدهما والعمل في نفس المكان، حيث إنَّهما يخبران بعضهما ما قد لا يخبرانه لأختيهما، وهذا إن دلَّ فإنَّه يدل على قوة الصداقة بينهما.

لكن ما لفت نظري مؤخرا في كتاب "رسالة الصداقة والصديق" للكاتب أبي حيان التوحيدي، ما قاله الكاتب أنَّ لا يوجد معنى حقيقي للصداقات التي تُنشئ بين البشر، حيث قال الكاتب:

"ينبغي أن نثق بأنه لا صديق ولا من يشبه بالصديق.... وإذا أردت الحق علمت أنَّ الصداقة والألفة والأخوة والرعاية والمحافظة قد نبذت نبذًا، ووطئت بالأقدام ولويت دونها الشفاه، وصرفت عنها الرغبات." وكأنَّ الكاتب في هذا القول يقنعنا بأن لا نؤمن بشيئ اسمه صداقة مع الناس، فربما يعتقد أنَّ الصداقة تسودها الغيرة والمجاملات، فهي ليست حقيقية!

استشهد الكاتب بقول أفلاطون كمثال قوي على قوله: "صديق كل امرئ عقله." واستشهد أيضًا بقول ابن العميد الذي كان ينافسه صديقه حاجب ركن الدولة والذي كان يريد أن يزحزحه عن الوزارة ليتولاها هو: "أفكان يجوز لي أن أحلم بهذا في اليوم ثم أتمتع بالعيش في اليقظة؟ لا والله."

حقيقًة ما زالت رؤيتي وقناعتي حول أهمية تكوين الصداقات في المجتمع قوية. وبرأيي أنَّ الفكرة تكمن في كيفية اختيارك لصديقك، فالفحص الدقيق للشخص والاختبار لفكره ومنهجه وسلوكه يحددان طبيعة ونوع وأخلاقيات الفرد الذي تودّ أن تجعله صديقك، . فالصداقة الجيدة هي التي يسودها جو المحبة والمودة والنصح والإرشاد بين الطرفين.

وأنتم، هل تتفقون مع أبي حيان التوحيدي، هل هناك معنى حقيقي للصداقة في حياتكم؟