فكرة السلسلة: أكتب هذه السلسة عن كتاب "السباحة في بحيرة الشيطان" و الذي يضم عددا من المقالات التي أحببت أن أشارك معكم بعضها لمعرفة آرائكم.

عنوان الكتاب: السباحة في بحيرة الشيطان

اسم الكاتبة: غادة السمّان

عدد الصفحات: 187

صنف الكتاب: أدب الباراسيكولوجيا

أسم المقال: المجانين هم الأقلية العاقلة في عالمنا المجنون

التاريخ: 1968 ⁄ 07 ⁄ 05

نظرة عامة: تحدثنا غادة في هذا المقال عن كتاب "عصفور الجنة" من تأليف: الدكتور لينغ. هذا الكتاب الذي يتحدث عن حقيقة المجنون و يقدمه في صورة مخالفة عن ما اعتدناه في مجتمعنا، و يصل لحد الدفاع عن الجنون. يشير أيضا إلى مرض ال"شيزوفرانيا" المعروف بمرض انفصام الشخصية و الذي يخبرنا الكاتب أننا في الحقيقة مصابون جميعا به بشكل أو آخر . هل تعتقد هذا حقا؟

جمعت لكم هنا مقاطع من المقال (بتصرف):

"فالمفروض-كما في مقدمة الكتاب- أنه يدور حول مداواة الجنون بوجه عام، و انفصام الشخصية بوجه خاص (الشيزوفرانيا). . . و أكثر ما يطمع به الكاتب من كتب كهذه، أن تعلن له عن اكتشاف عقار جديد لمداواة هذه الأمراض. . .

أما أن يجد بدلا من هذا كله كتابا يدافع عن الجنون، و يروّج له، و يأسف للذين يشفون منه. . . فتلك بلا شك مفاجأة. . .

طبيب نفساني يطبق الاساليب العلمية هو في نظره موظف للتعذيب في مستشفى ! . .

الطبيب النفسي الحقيقي يجب أن يكون مجنونا متقاعدا ! ! أو مجنونا محترفا !

الدكتور لينغ لم يعمل كطبيب على تطوير أساليب مداواة المرضى و إنما عمد إلى نسف فكرة ((المرض)) من أساسها.

في نظره، الطب النفسي على طول تاريخه انطلق من أسس خاطئة اعتمدها لتصنيف المجانين، و حاول (معالجتهم) على ضوئها. . . و إنه من الضروري العودة إلى نقطة البداية : إلى تعريف، من هو المجنون؟

النظرية القديمة تقول:

المجنون في نظر المجتمع هو إنسان يسلك سلوكا يختلف عن السلوك المتعارف عليه.

الدكتور لينغ يقول:

(( المجنون ليس مريضا مصابا بجراثيم معينة، اذ ليست هنالك جراثيم (للجنون) أو وباء الجنون، . . .

و إذا كان سلوك (المجنون) غير مفهوم لنا، و لا يتكيف مع مجتمعنا، فذلك لا يكفي لإثبات أن ما يدور في أعماقه قد اختل و تخرب . . و لكن ذلك قد يعني شيئا آخر : المجنون إنسان اكتشف عبر حادثة مفاجئة عجزه عن تكييف انسانيته مع مجتمع مجنون . . . . (المجنون) بالتالي لا يهدد بقاء المجتمع الإنساني ، و انما هو أول ضحايا المجتمع اللانساني المتجه نحو تدمير ذاته )) . . .

يقول الدكتور لينغ : اذن ، الجنون ، هو وجود فئة من الناس نعجز عن فهم ما يدور في اعماق افرادها لأنهم-لسبب ما- كفوا عن التعبير عن تجربتهم عن طريق اللغة المتعارف عليهاو السلوك السائد. . . و بما أنهم الفئة الأقل، لذا فإن لقب مجانين، ليس أكثر من اصطلاح الأكثرية أطلقته على الأقلية !

لكن الفئة (العاقلة) بدأت تفقد أكثريتها. . . الأمراض النفسية هي مرض العصر الاول ، و هي مرحلة من مراحل (انفكاك ) الانسان عن مجتمعه . . . و مرض الشيزوفرانيا ، أو انفصام الشخصية صار أكثر انتشارا حتى من الزكام.

ثم ان الذين يدخلون المصح ليسوا وحدهم المصابين بانفصام الشخصية ، و انما هم الذين ساءت حالهم الى حد لم يعد معه مرضهم سرا . . . بل أن كلا منا تقريبا مصاب بمرض الشيزوفرانيا بطريقة ما. . . (نحن المهددين بالجنون دعونا نحاول شفاء المجتمع المريض الذي يدفع بنا إلى الجنون ! ).

شيزوفرانيا تتألف من كلمتين : شيزو و معناها "مكسور" و "فرينوس" و معناها "الروح أو القلب" و اعتقد أن ترجمتها للعربية هي : النفس . . .

ان في ذهن الناس جميعا صورا سينيمائية مثيرة عن هذا (المرض) العجيب . . .

هنالك حكاية "دكتور جيكل" و "مستر هايد" الرجل ذو الشخصيتين المختلفتين تماما . . . حينما تظهر احداهما تختفي الاخرى . . .

الدكتور لينغ يصف "مكسور النفس" بعيدا عن هذا التهريج . . .

"مكسور النفس" في الحالات غير الخطرة هو أنا و أنت، و هو رحلة كل انسان داخل ذاته في محاولته الدائمة لخلق التوازن بين الداخل و الخارج . . . و هذا في نظر المؤلف أمر ضروري و رائع و انساني . . . و المهم هو أن ينجح الإنسان في العودة من هذه الرحلة، و أن يظل الاتصال بين حقيقته الانسانية -داخله- و بين الحقيقة الاجتماعية و دوره فيها -خارجه- ، أن يظل الاتصال قائما . . .

اما حينما يفشل الانسان في العودة من رحلته إلى داخل ذاته ، أو حينما يرفض العودة ، فانه يغرق -داخل- ذاته ، و يكف عن تبني السلوك الذي اعتاده -خارج- ذاته، أي سلوكه الاجتماعي . . . و يتخذ هذا التشويش مظاهر شتى ، عنيفة أو هادئة أو منقطعة . . .

و قد أثبتت دراسات الدكتور لينغ و غيره من الأطباء على مجتمع المصاب ((بانكسار النفس)) ، ان جميع المصابين به ينتمون إلى شبكة اجتماعية مقطعة الخيوط ، مهزوزة المفاهيم و العلاقات و الروابط . ( من نتائج دراسة موحدة اجريت في كاليفورنيا ، جامعة يال ، مؤسسة بنسلفانيا للطب النفسي ، و المعهد العالمي للصحة العقلية . . . ) . . .

ثبت أن لا علاقة أيضا بين مرض ((انكسار النفس)) و الطبقة الاجتماعية من أرستقراطية أو عامة . . . فهو يقع أينما كانت العلاقات مهزوزة و مشوشة الارتباطات غير حقيقية و الطمأنينة مفقودة . . .

و لأن المفكر و المناضل السياسي و الفنان و الانسان المرهف و الوحيد ، يواجه عادة هذه الضغوط أكثر من سواه بحكم طبيعته و طبيعة عمله ، لذا فهو معرض أكثر من سواه للاصابة بانفصام الشخصية ، خصوصا حينما يصاب مجتمعه بالانفصام عن تاريخه أو عراقته أو انسانيته ! . . .

كيف نعالج "مكسور النفس" ؟ و ما معنى معالجته ادا كان مرضه صحوا ؟ و لمصلحة من نعالجه ؟

إن أسلوب التشخيص التقليدي ، يزيد في امعان المريض هربا إلى داخل ذاته . . .

ما البديل ؟ . . .

البديل هو إنسان يفهم النفس البشرية ، أكثر من فهمه لوظائف الجسد البشري . . .

و ما دام الجنون رحلة الى مجاهل النفس البشرية ، رحلة بلا عودة ، فان الحل الوحيد هو مساعدة المجنون على العودة من هذه الرحلة . . . كيف؟ أقدر الناس على ذلك ، هم أولائك الذين استطاعوا القيام بهذه الرحلة أو ببعضها ، و نجحوا في العودة . . .

الفنان هو غالبا مجنون محترف ، يغوص داخل ذاته و ينجح غالبا في العودة ( ربما لهذا نسمع كثيرا عن أدباء أصيبوا بالجنون ، و عن لوثة العباقرة ، و تقول العوام إن فلانا جن لكثرة ذكائه ) . . .

الأديب اكتفى بالشهادة ، باعلان مفهومه الخاص للمجنون ، لكن الدكتور لينغ يطبق هذه النظرة على الاحصاءات و الحقائق العلمية و يطالب بنسف أسلوب الطب النفسي التقليدي من أساسه .

إذن فالمجانين هم "رواد" الحقيقة المدفونة في أعماق النفس البشرية ، و نحن بحاجة اليهم أكثر من حاجتنا إلى "رواد الفضاء" . . . إنهم كهنة النفس البشرية . . . و لذا، إذا استطعنا إقناعهم بالعودة إلى عالمنا ، و قبولهم بالحوار العتيق معنا ، فقد يكون لديهم الكثير من الأسرار التي تهدينا إلى يقين ما . . . و هكذا ، فالمجنون الذي يعود الينا ليمنحنا تجربته ، هو كنصف المبصر الذي يقود أعمى في مجاهل الحقيقة الانسانية. "

ما مدى اتفاقكم مع ما جاء في المقال؟ و ما هو تعريفكم للمجنون؟ و هل نحن مصابون بانفصام الشخصية حقا؟