فكرة السلسلة: أكتب هذه السلسة عن كتاب "السباحة في بحيرة الشيطان" و الذي يضم عددا من المقالات التي أحببت أن أشارك معكم بعضها لمعرفة آرائكم.

عنوان الكتاب: السباحة في بحيرة الشيطان

اسم الكاتبة: غادة السمّان

عدد الصفحات: 187

صنف الكتاب: أدب الباراسيكولوجيا

عنوان المقال: زيارة إلى مستشفى (العقلاء) !

التاريخ : 24 / 10 / 1969

عن المقال:

أين تحب عادة قضاء عطلتك؟ في طبيعة خلابة بعيدا عن صخب المدينة أو في زيارة للعائلة؟ أو في رحلة سياحية إلى جزر الكناري أو فينسيا؟

غادة لم تختر أيا من هذا، خلافا للمألوف، قررت قضاء عطلتها في مستشفى للمجانين. و هذا هو الشيء الجميل في غادة، فهي لن تحدثك عن المجانين من وجهة نظر علمية بحتة، و إنما ذهبت إليهم لتتكمن أنت من رؤيتهم عن قرب.

عندما وصلت إلى المستشفى، تقول:

"لم أجد لافتة مرسوما عليها جمجمة و عظمتين تحذر من ( خطر الموت ) .

لم أجد لوحة تقول : ممنوع الدخول .

لا شيء يشير إلى أنني وصلت "مستشفى المجانين" حيث قررت أن أقضي إجازتي لهذا الأسبوع ! . .

لم أجد أمامي سوى لوحة ريفية تفيض الوداعة من كل شيئ فيها . . .

رجال . شمس . حقول . بهدوء يعملون ."

بعد جولة قصيرة وسط الأعين الفضولية، تسأل أخيرا أحدهم فيدلها على الممرض. و بما أن أحد الأطباء هو من دلها على المستشفى فإنها كانت تحمل تعليمات منه بالمرضى الذين ستقابلهم كنماذج مختلفة لمرضى (الشيزوفرانيا) أو (انفصام الشخصية). و الذين تقول عنهم:

" أفضل عبارة الأستاذ أو الأخ بدلا من المريض لأنني لم أشعر شخصيا بأنني قابلت أشخاصا يختلفون عن الذين أقابلهم يوميا في كل مكان . . .المقهى و الشارع و السوق و حتى دار المجلة التي أعمل بها ! . . ."

هنا نموذج لحوار لها مع أحد المرضى :

" . . . وجدتني أسأله ببساطة : ماذا تعمل ؟ و لماذا أنت هنا ؟ . . .

-كنت موظفا بالحكومة ، أحيانا تحدث لي (نوبة) و يحضرونني إلى هنا .

-موظف بالحكومة؟ من الطبيعي أن تنتابك (النوبات) . المريض هو موظف الحكومة الذي لا يصاب بنوبة هذه الأيام ! ( بالمناسبة ، مع اولئك الذين من المفروض أنهم (مجانين) يجد الإنسان نفسه مشتاقا إلى أن يقول الصدق ، الصدق الذي يحسه و ليس الذي يفترض أن يقوله ) . . .

و عدت أسأل :

-ماذا تحب ؟

-أحب الحياة .

-ما هي الحياة ؟

-هي أن تعيشي سعيدة . . .

-و ما هي السعادة ؟

-هي أن تحققي ما تطمحين له . يتدخل الأخ عاطف (الممرض) و يسأله : ألا يمكن للسعادة أن تأتي عفوا ؟ رد الاستاذ غ . ش (المريض) : ذلك لا يمكن أبدا .

-و اذا أمكن ، هل تقبل بها ؟ . .

-كنت سعيدا أيام كنت حرا ، قادرا على الرحيل و التجول . . . لقد طفت العالم . . . قضيت أياما طويلة أتجول من مدينوة إلى أخرى . . . أما الآن ، فأنا محجوز و حريتي الشخصية مفقودة . .

-هل هناك ما تنتظره ؟

-أخي . . انتظر زيارة أخي . . . إنه لم يأت منذ شهرين .

و نهض فجأة ، و التفت غلى عاطف قائلا :

أريد أن أستعمل الهاتف .

-لماذا؟

-لأهتف لأخي كي يأتي . . أو ابنة أخي . .

بلباقة رد عاطف :

-الهاتف في الغرفة المجاورة . اذهب و استعمله .

و خرج الرجل . . .

و سألت عاطف : إنه طبيعي جدا . أعني مثلي و مثلك . لماذا هو هنا ؟ . . .

و عدت إلى رسالة الطبيب ، فقرأت مزيدا من التفاصيل عن هذا الكهل الضائع ، الذي غادر الغرفة للتو بحثا عن هاتف يصرخ عبر سماعته - ربما المقطوعة الأسلاك - لينادي أخا ربما لا وقت لديه ليسمعه ، و ربما هو غير موجود ، و إنما هو رمز العالم الخارجي الذي نسيه. . و العاطفة التي يفتقدها . . يقول الطب : الرجل مصاب ( ببارانويد سيكزوفراننيا ) أي (جنون العظمة) .

يعتقد أنه مخترع ، و أن أحدا لم يول اختراعه الاهتمام الكافي . . ( أليس ذلك ممكنا ، أعني أن لا يكون أحد قد أولى اختراعه الاهتمام الكافي ؟ ها نحن أمام كهل ، يواجه الخمسين وحيدا بلا أسرة ربما لذلك لم تعجبه سخريتي من الزواج ، كتهما بالجنون ، أي أنه تحت المراقبة الدائمة . . . الا يمكن لأي منا في ظروف كهذه أن يتصرف مثله ؟ ) . .

و عدت أسأل عاطف بحسرة : إنه طبيعي جدا ، اعني انه مثلي و مثلك . . . لماذا هو هنا ؟

-. . . . .

-إنه مثلنا . . . و لكنهم اكتشفوا ذلك فألقوا القبض عليه . . . إذن الفرق بين العاقل و المجنون هو عجز المجنون عن ارتداء الأقنعة . .

-. . .

-و الكاتب هو إنيان يرفض (غالبا و ليس دائما) ارتداء الأقنعة . . .

-. . .

-و لذلك فإن نصف الكتاب و الفنانين متهمين بالجنون ، و نصفهم الآخر حل نزيلا في أحد المستشفيات العقلية في فترة ما من حياته .

-. . .

-نيتشه قضى 12 سنة في مصح عقلي و مات فيه . . . و هولدرلن استمر جنونه أكثر من 30 عاما.

-. . .

-و جيمس جويس كان مصابا بالشيزوفرانيا . . و إزرا باوند كان مصابا بالسيكزوفرانيا . . و غي دي موباسان أيضا . و بودلير و فان خوخ عاشا في المصحات العقلية أكثر مما عاشا في الحانات . . و كافكا ."

ثم تستمر لقاءات غادة بمرضى آخرين و تقضي معهم إجازتها، لكنها ترى أنهم لا يختلفون عنا. بالمقابل الشخص الوحيد الذي ظنته مجنونا و خافت منه هو مدير المستشفى (العاقل)

ما رأيكم؟ ما تعرفيكم أنتم للمجانين ؟