فكرة السلسلة: أكتب هذه السلسة عن كتاب "السباحة في بحيرة الشيطان" و الذي يضم عددا من المقالات التي أحببت أن أشارك معكم بعضها لمعرفة آرائكم.
عنوان الكتاب: السباحة في بحيرة الشيطان
اسم الكاتبة: غادة السمّان
عدد الصفحات: 187
صنف الكتاب: أدب الباراسيكولوجيا
عنوان المقال: لا تصلبوني من زعانفي ! . . .
هل سبق أن سألت نفسك : إلى أين نذهب أثناء الإغماء ؟
هذه المرة بعيدا عن الجنون، قررت غادة تجربة شيء آخر، إنه التخدير، ما الذي يشعر به الإنسان عند تخديره؟ قررت تجربة ذلك بنفسها، و لأن المقال صغير فسأنقله لكم كاملا.
" قلت للطبيب : بل افضل إجراء العملية بعد تخديري كليا . . .
قال بدهشة : تخدير كلي من اجل عملية بسيطة تكاد لا تحتاج غلى بنج موضعي ؟ تخدير كلي من أجل اللاشيء ؟ هذا أمر لم أسمع به طيلة حياتي . . . هل تعرفين معنى البنج الكلي ؟ انه بحاجة الى مستشفى ، و قاعة عمليات ، و طبيب خاص للتخدير ، و جيش من الممرضات ، و خمسة أضعاف الكلفة العادية ! . . . و ستدخلين في تاريخ الطب كأول إنسان يخدر كليا لأجل هذه العملية التافهة ! ! . . .
قلت : إنني أصر على البنج الكلي ، و سأدقع التكاليف .
قال : و لكنني أخجل من إجراء عملية تافهة كهذه مع تخدير كلي ! . . انك تحرجينني مهنيا .
قلت : اعرف انني كمن يستأجر طائرة فانتوم لنقل أرنب الى سيرك لكنني اصر . أصر متوسلة ! ! ( لم اجرؤ على القول بأنني أرغب في تجريب مشاعر الانسان في لحظات السقوط في الغيبوبة و لحظة الخروج منها . . . الى أين نذهب أثناء الإغماء ؟ و ماذا يحدث ( للروح ) عندئذ ؟ لم أجرؤ على قول ذلك كله . . و لا سواه عن فضولي نحو تجريب كل شيء ! ) .
. . . و قال لي الطبيب السويدي قبل تخديري يحدثني عن بلاده و جمالها الطبيعي و سهوبها و جبالها و وديانها : فكري بشيء جميل . . . فكري بالانهار . . . بالجبال . . . بالبحار . . . بعالم تحبينه . . .
و مع وخزة الابرة بدأت تجربة جديدة مثيرة لم أذق لها طعما من قبل . . . انطفأت كل اضواء غرفة العمليات ، و كل الوجوه التي كانت ملتفة حولي و رحلت الى حيث لا أدري و لا أحد يدري . . . كل ما أذكره هو حس بالضيق لأن الكرة الأرضية تدور و لأنني مقيدة إلى أحد جوانيها لسبب مجهول ، و خيل إليَّ أن ذلك سوف يدوم الى الابد ، و لم أكن أحس في تلك اللحظة بماهيتي البشرية أو بأية ماهية ، و انما غمرني شعور غامض بالضيق و الرعب و السقوط في فخ من العذاب الرتيب الذي لا نجاة منه ، و الدوار الذي هو أقرب الى السقوط المتوالي منه الى الدوار . . .
ثم بدأت أعي انني سمكة ، و لكني مقيدة إلى الكرة الأرضية و أريد أن انطلق منها و أن يفك أسري لأعةد إلى البحر ، الى البحر أسبح في البحر الواسع الحنون ، و لم يكن البحر في خاطري زرقة أو أمواجاً ، و انما كان سائلا حنون الدفء شاسع الاتساع ، فيه وحده أجد الحرية التي قضيت عمري ابحث عنها . . . و للحظات شعرت انني سمكة و طليقة و حرة و اسبح باسترخاء مذهل المتعة ، ثم بدأت أميز أصوات العالم الخارجي و بدأ معه عذاب الوعي فقد سمعت الممرضة تقول أنه يجب منعي عن تحريك يدي كي لا انتزع منها ابرة السيروم ( علمت فيما بعد أن ضغطي هبط قليلا ، فاضطروا لتغذيتي عبر إبرة تثبت في الوريد و كل هذا من اجل عملية صغيرة تافهة كانت نكتة المستشفى يومئذ ) سمعتها بالضبط تقول أمسكوا يدها . و صرخت بأن لا يد لي و انما زعانف فأنا سمكة . و صرخت أطلب منهم أن يتركوني اسبح بسلام ، و لا يصلبوني من غلاصمي و زعانفي ثم سمعت صوت رجل احبه و احسسته سمكة مثلي ، و طلبت منهم أن يتركوني أسبح و إياه بحرية ، ثم بدأت أزداد وعيا بأصوات الذين يتحدون حولي ، و بجسدي و بماهيتي البشرية ، و ادركت مرة واحدة من انا و ما أنا و تذكرت لم أنا هنا و انتهى الحلم المدهش ، و التجربة الجديدة المثيرة .
و هنا لا بد لي من شكر صديقتي التي كنت قد رجوتها حمل مسجل صغير ، سجلت فيه ( تصريحاتي المائية ) أثناء صحوي التدريجي من البنج . . . لقد سمعت الشريط و تذكرت يقيني المطلق لحظتها بأنني سمكة . و تذكرت أيضا بحزن حادثة جرت في لندن أيام دراستي و كنت في السابق أضحك منها . . .
كنت و أخي و مجموعة كبيرة من رفاقنا بالجامعة نسهر و نحتقل بعيد رأس السنة ، حين جاء احد الرفاق بمكعب صغير من السكر . و قال إنه استطاع ان يصنع خلسة في المختبر الجامعي قليلا من ال ( ال . اس . دي ) المخدر المشهور ، و انه يعرضه لمن يريد أن يجربه . . . و لما رفضنا جميعا ( نعمة ) عرضه ، ابتلعه مغتاظا و بدأ يعب الخمرة ثم صار يقول إنه طير ، و هجم الى النافذة ليقذف بنفسه منها كي يطير ، و هجمنا نمسكه فازداد شراسة ، و تخلص منا بقوة عجيبة ، و ركض الى سطح البيت و كلنا نركض خلفه ، ثم رمى بنفسه الى الهواء يريد ان يطير و كان صوته مقنعاً ( كصوتي في التسجيل و انا مقتنعة بأنني سمكة ) و لكنه سقط على الارض و تحطم امام عيوننا جميعا و من يومها و انا اسميه عباس بن فرناس الانكليزي ، و اتذكره و أخي على سبيل التندر . . . مع غصة من الحزن و الاسف .
اليوم ، و قد جربت بعضا من طعم التخدير ، أحزن عليه بصدق بعد سنوات من مصرعه ."
ما رأيكم؟ هل سبق أن جربتم ذلك ؟
التعليقات