قد يُحذفُ من الفعل في القرآن أحد الحروف للدلالة على أنَّ الحدَث أقلُّ من نظيره الذي لم يُحذف منه، أو أنَّ زمنَه أقصر، فهو يقتطع من الفعل (يحذف منه) للدلالة على الاقتطاع من الحدَث (أي أنّه أقل منه زمناً أو جهداً أو إعمالاً للعقل)، وقد يُحذف منه في مقام الإيجاز والاختصار بخلاف مقام الإطالة والتفصيل.

فمثلاً نرى قولَ الله تعالى في وصف السّدِّ الذي بناه ذو القرنَين لإبعاد قوم يأجوج ومأجوج عن الفئة المستضعَفة: {{فمَا اسْطاعُوا أنْ يَظْهَرُوهُ وَمَا اسْتَطاعُوا لَهُ نَقْبَاً}} (الكهف: 97).

مرّةً قال (اسْطاعوا) بحذف التاء، ومرّةً قال (اسْتطاعوا) بإثباتها، ذلك أنّ الصّعودَ على السّدِّ أيسرُ وأسرعُ من إحداثٍ نقبٍ فيه لمرور جيش يأجوج ومأجوج، فحذفَ من الحدَث الخفيف (صعود السّد) فقال (اسْطاعوا) بخلاف الفعل الشاقِّ الطويل (إحداث نقبٍ فيه)، فإنّه لم يحذفِ التاء منه، بل أعطاه صيغةً أطول فقال (اسْتَطاعوا).

......

ومن أمثلة ذلك أيضاً قول الله: {{يَا أيُّها الّذينَ آمَنُوا أطِيْعُوا اللهَ وَرَسُولَه وَلَا تَوَلَّوا عَنْهُ وَأنْتُم تَسْمَعُون}} (الأنفال: 20)، وقوله: {{وَيَا قَوْمِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكم ثُمّ تُوبُوا إلَيْهِ يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُم مِدْرَارَاً وَيَزِدْكُم قُوّةً إلى قُوَّتِكُم وَلَا تَتَوَلَّوا مُجْرِمين}} (هود: 52).

آيةُ الأنفال خطابٌ للمؤمنين، وآيةُ هود خطابٌ للكافرين وهم قوم هود، ومن المعلوم أنَّ تولّي المؤمنين أقلُّ من تولّي الكافرين، ذلك لأنّ المؤمنين مطيعون لله، بخلاف الكفرة، فاستعملَ مع المؤمنين (تَولّوا) بحذف التاءِ للتخفيف، أما مع الكافرين فجاء بالفعل كاملاً (تتولّوا).

مقتبس من كتاب "بلاغة الكلمة في التعبير القرآني".