قد يستعملُ القرآن الكريم كلمةً في موطنٍ ثمّ يستعملها في موطنٍ آخر بإبدال حرفٍ من حروفها تبعاً للسّياق الذي وردت فيه.

مثال ذلك قول الله تعالى: {{إنَّ أوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذي بِبَكَّةَ مُبَارَكَاً}} (آل عمران: 96)، وقوله تعالى: {{وَهُوَ الّذي كَفَّ أيْدِيَهُمْ عَنْكُمْ وَأيْدِيَكُمْ عَنْهُمْ بِبَطْنِ مَكَّةَ مِنْ بَعْدِ أنْ أظْفَرَكُم عَلَيْهِم وَكَانَ اللهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيْراً}} (الفتح: 24).

سببُ إيراد كلمة (مكّة) بالباء في آل عمران أنّ الآيةَ في سياق الحج، فجاء بالاسم (بكّة) من لفظ (البك) الدال على الزحام لأنّه في الحج يبكُّ النّاسُ بعضَهم بعضاً، أي يزدحمون، أمّا السّياق في آية الفتح فليس كذلك، ولا يتعلّق بالحج، فجاء بالاسم المشهور له (مكّة).

......

وكذلك إبدالُ السّين صاداً (من ناحية النّطق) في لفظتَي (بصطة) و (يبصط)، فكلمةُ (بصطة) بالصّاد وردت في سورة الأعراف في قوله تعالى: {{وَزَادَكُمْ فِي الخَلْقِ بَسْطَةً}} (الأعراف: 69)، ووردت في سورة البقرة بالسّين في قوله تعالى: {{وَزَادَهُ بَسْطَةً فِي العِلْمِ وَالجِسْمِ}} (البقرة: 247) فوردت بالسّين في وصف طالوت: {{قَالَ إنَّ اللهَ اصْطَفَاهُ عَلَيْكُم وَزَادَهُ بَسْطَةً في العِلْمِ وَالجِسْمِ}} (البقرة: 247)، ووردت بالصاد في وصف قبيلة عاد قوم هود.

طالوت إنّما هو شخصٌ واحد، وأما عاد فهي قبيلة، ومن المعلوم أنّ الصّاد أقوى من السّين وأظهر، فكان السّين الذي هو أضعف أليقُ بالشخص الواحد، والصّاد الذي هو أقوى أليقُ بالقبيلة.

وأمّا كلمة (يبصط) فقد وردت في قوله تعالى: {{وَاللهُ يَقْبِضُ وَيَبْسُطُ}} (البقرة: 245)، وسائر ما في القرآن (يبسط) بالسّين في أكثر من عشرة مواضع، وذلك أنَّ البسطَ في آية البقرة مُطلقٌ عامٌ لا يخصّ شيئاً دون شيء، فهو يحتملُ البسطَ في الرزق والأنفس والمُلك وغيرها، أمّا البسطُ في المواضع الأخرى فهو مقيّدٌ إمّا بالرزق أو بغيره، ولا شكّ أنّ البسطَ المطلق أقوى من المقيّد، فوردت اللفظة بنُطق الصّاد بدلاً من السّين.

مقتبس من كتاب "بلاغة الكلمة في التعبير القرآني".