في كثير من الأحيان قد يحدث ويشعر الإنسان بعدم الراحة أو السعادة في عمله، رغم نجاحه وتفوقه فيه وتحقيق مكانة كذلك يحلم بها الكثيرون، فكيف يتعامل الإنسان في هذه الحالة؟
ماذا لو لم يسعد الإنسان بعمله رغم نجاحه فيه؟
هذا ما حصل معي مرة، كنت بائع كتب ناجح جداً ببلدي، يعرفني الزبائن بابتسامتي وتوصياتي المميزة التي أبذل فيها نقاش ساعات مع الزبائن، كان متجري يزدهر فعلاً ومبيعاتي بازدياد كبير. ولكن داخلياً لم أشعر بالسعادة، العمل الذي ظننت أني أحبه أصبح روتين يخنق شغفي بالقراءة حتى مع أني بمكتبة!
بين ترتيب الرفوف وحساب الأرباح شعرت أنني أفقد علاقتي الحقيقية مع الكتب كعالم أهرب إليه رغم أنني في وسط هذا العالم تماماً وأدركت عندها أن النجاح لا يعني الرضا وأن العمل بلا شغف قد يطفئ الروح ولذلك بدأت أخصص وقت لقراءة كتاب جديد كل أسبوع خارج المكتبة ثم بعد ذلك انتقلت للعمل المستقل لعلاج هذا الشعور وبالفعل الآن أنا أحسن نفسياً رغم أنني أقل نجاحاً كماديات.
تجربتك مشابهة لتجربة خضتها أيضا عندما شعرت أن النجاح في العمل لم يكن هو بحد ذاته الهدف أو تحقيق عوائد عالية لأن في كل الأحوال لم أشعر بأن هذا ما أريد أن أقوم به طوال حياتي ولم أشعر سيساعدني على تحقيق الأشياء الأخرى التي أريدها في حياتي، لهذا قررت المغامرة والعودة للدراسة لتغيير المهنة وبرغم أن القرار نفسه وتبعاته كانت مرهقة للغاية إلا أنني أثناء تدريباتي أشعر حقا أن هذا المكان هو مكاني حقا وما خلقت لفعله.
قد تكون هناك عدة أسباب للشعور بعدم السعادة: ربما يستهلك العمل طاقة ووقت تمنع الإنسان من نجاح يرغب فيه في جانب آخر اجتماعي أو عائلي، ويعلم العقل الباطن ذلك، فيعكس الشعور بعدم الرضا على جانب العمل لأنه السبب.
قد يكون كذلك عدم وجود تحدي جديد خصوصاً إذا كان الإنسان ناجح متفوق، ولم يعد أمامه شيء جديد يضيفه أو عقبات يتخطاها، قد يسبب هذا شعور بالثقل وعدم الراحة.
جاح يرغب فيه في جانب آخر اجتماعي أو عائلي، ويعلم العقل الباطن ذلك، فيعكس الشعور بعدم الرضا
يمكن في هذا السبب تقليل وقت العمل أو ضغطه والاستغناء عن أوقات الراحة وسط العمل، حتى يتوفر وقت أكبر للجانب الاجتماعي.
عدم وجود تحدي جديد
سيتطلب ذلك مزيد من العمل، للحصول على منصب أكبر، أو الانتقال لمؤسسة أكبر من الحالية.
يجب على الإنسان أولاً تشخيص السبب بدقة قبل البدء في خطوات حل المشكلة.
أعتقد.. غالبا ما يحدث هذا لأحد السببين، إما أن عمله أو نجاحه ومكانته تلك كانت نتيجة سعي لإرضاء الآخرين كالعائلة أو تلبية التطلعات المجتمعية.. أو أنه وضع حدا للتطور والطموح في عمله فوصل مستوى توقف عنده وبدأ يتلف في روتين مكرر.
في حالة الاحتمال الاول فهو لم يحب العمل ذاك من البداية فالحل إما أن يحاول أن يحب عمله ويحمد الله على توفيقه له لنيل شيء يتمناه الكثيرون.. وهنا رؤية حالة الاقل منه ستفيدونه كثيرا كي يقدر النعمة التي يمتلكها، وإما إن لم يستطع التقبل رغم المحاولة فعليه أن يغير عمله ذاك.. أو إن لم يكن يستطيع ذلك فعلى الاقل يضيف لنفسه هوايات جانبية يستمتع بها.
في حالة الاحتمال الثاني فعليه أن يبحث أكثر قي تخصصه وعمله ذاك ويطلع على مختلف العمال الذين بنفس عمله واسلوب عملهم، سينفعه هذا في التجديد في اسلوب عمله وفي البحث دائما عن المعرفة والتطور في مجاله ذاك.
إما أن عمله أو نجاحه ومكانته تلك كانت نتيجة سعي لإرضاء الآخرين كالعائلة أو تلبية التطلعات المجتمعية.
أتعلم يا رفيق لقد سمعت مؤخرا قصص كثيرة عن خريجين كلية الطب قضوا أكثر من ١٠ سنوات ما بين الدراسة والامتياز ومنهم من أكمل ماجستير ودكتوراة أي تجاوز العشر سنوات بسنوات وفي الآخر ترك المجال تماما واتجه لمجال بعيد كل البعد عما قضى شباب عمره يدرسه! سماع مثل تلك القصص يحزنني جدا لأنني لا اتخيل كم المجهود الذي تم بذله وكم الضغط الذي وضع الإنسان فيه نفسه دون طائل كل هذا وهو غير سعيد ولا راضي ويعمل فقط لأن المجتمع صنف له مجالات معينة بأنها المستقبل وما دونها سراب فأصبح راغبا في مراضاة أهله والمجتمع وكل من يعرفه ومن لا يعرفه إلا نفسه! وفي الآخر استسلم بعد الوقت الضائع.
ربما أكون أنا محظوظ عندما يتعلق الأمر بالراحة في العمل، نعم لم يكن الأمر سهل في تحقيقه فقد دفعت ثمن ذلك بأنني تأخرت كثيراً حتى بدأت بالمجال الذي أحب، ولكن أؤكد أن البداية المتأخرة كانت أفضل من أن أعمل مبكراً واربح بمجال أشعر أنه ثقيل وأنني ارواد الوقت به حتى ينتهي واتوقف عن العمل
إذا كان سبب بدءك متأخرا هو عدم معرفتك بموضع شغفك بعد أو صعوبة العمل عليه في الوقت الحالي فهنيئا لك على شجاعة الانتظار حتى تجد ما يناسب قيمك وروحك، وصفت الأمر بالشجاعة لأن الكثير لا يمتلك شجاعة الاختيار والإصرار على ما يراه مناسب يل يميلون للسير وراء القطيع إذا فعل هذا يفعل معهم وإذا لم يفعلوا أعرض عنه.
التعليقات