منذ فترة طويلة عاش عند سفح جبل إحدى القرى البعيدة مزارع فقير وأمه الأرملة المسنّة ، كانا يملكان أرضاً صغيرة

يزرعونها لتزودهم بالغذاء على مدار السنة ، وقد عُرف عنهما تواضعهما وسلميتهما في مدينة يحكمها زعيم مستبد بسط نفوذه على أراضٍ شاسعة من البلاد ، وبسبب عدم تحليه بالحكمة واعتماده القوة في إدارة شؤون حكمه ، فقد أصدر أمراً قاسياً يسري على جميع البلاد بإعدام جميع المسنين لأنهم كانوا يمثلون رجاحة العقل التي افتقدها وخوفه من أن يتأثر بهم أولادهم وأحفادهم فيشكلون خطراً على حكمه .

المزارع الفقير كان يحب والدته المسنّة ويقدسها ، لكن الحزن كان يملأ قلبه نتيجة لقرار الحاكم الظالم ففكر بطريقة يستطيع من خلالها النجاة بها ، فعند غروب الشمس عندما انتهى عمله اليومي ، أخذ كمية من الأرز الذي كان الغذاء الرئيس للفقراء فطبخه وجففه ووضعه في قطعة قماش مربعة ربطها إلى قطعة أخرى طويلة تتدلى من حول عنقه ، جنباً إلى جنب مع قربة مصنوعة من الجلد احتوت على ماء بارد ، ثم رفع والدته المسنّة على ظهره وبدأ في رحلته الطويلة حتى الجبل

وكان الطريق طويلاً وحاداً وفيه الكثير من التعرجات الخطرة سلكها جميعاً صعوداً نحو القمة التي كان يطلق عليها أوباتسوياما، أي جبل " التخلي عن المسنين " ، أما الأم فكانت كلما مرّ ابنها بأشجار قطعت من أغصانها المتدلية لترميها في الطريق الصاعد إلى أعلى الجبل دون أن تلفت انتباهه ، أخيراً تم وصولهما إلى القمة فأنزلها برفق وأعد لها مكاناً ترتاح فيه من أغصان الصنوبر الساقطة ، تفحص ملابسها وعندما انتهى من كل ذلك ودعها بعيون دامعة وقلب حزين ، لكنها استوقفته قائلة :

" أبصر الطريق جيداً ولدي واتبع مساره الذي فيه أكواماً من الأغصان التي سوف ترشدك إلى الطريق الصحيح " ، نظر إليها ابنها بعيون دامعة وبقلب مكسور ثم ما لبث أن ركع على الأرض وهو يبكي وينتحب ثم انتفض فجأة ليقول لها وهو يمسح دموع عينيه :" لن أتركك وحيدة يا أمي ، سنتبع سوية طريق الأغصان ، سنعيش معاً أو نموت معاً

وسارع يحملها إلى أسفل الطريق الذي غمره ظلام دامس إلا من ضوء القمر الذي راح يسترشد به الطريق حتى تفاجأ بوجود كوخ صغير لم ينتبه له حين صعد الجبل بسبب كثرة الأشجار المحيطة به ، فدلف من بابه الذي وجده مفتوحاً ليقف مع عجوزه وسط مطبخ الكوخ ، أنزل أمه برفق وهو يتفحص المكان الذي وجد فيه مخبأً سرياً ، هناك أخفى الابن والدته وزودها بكل ما تحتاجه ومكث يراقب باستمرار خشية أن يتم اكتشافها ، مر الوقت سريعاً وكان قد بدأ يشعر بالأمان فتركها على أمل الرجوع لها لاحقاً

، لكنه تفاجأ بقرار آخر للحاكم غير معقول يقضي بان يقدم شباب مدينته له حبلاً من الرماد وإلا نالهم منه عقاباً لا يتصوروه .

ارتجفت المدينة بأكملها من قرار الحاكم هذا عاش الناس فيها محنة كبيرة فكيف يصنعون له حبلاً من رماد ؟ هذا الأمر نقله الابن لأمه التي أخفاها عن عيون الحاكم الظالم والتي قالت له : " انتظر! سأفكر فيه

في اليوم الثاني قالت له ما يجب القيام به

إصنع حبلاً من القش بصورة ملتوية ثم ضع على امتداده صفاً من الحجارة المسطحة واحرقه في ليلة عاصفة شديدة الريح ، ستجد أن النار والريح قد صنعا لك حبلاً من رماد " .

دعا المزارع الناس وعلمهم كيف يصنعون ذلك استرشاداً بما علّمته له والدته العجوز ، دهش الحاكم وبدا أكثر سروراً مُشيداً بما صنعه الناس ، لكنه طالب بمعرفة كيف توصلوا لها فجيء بالفتى المزارع الذي بكى بين يديه وقص عليه بما علمته أمّه العجوز ، أطرق بعدها الحاكم برأسه إلى الأرض متأملاً في صمت وأخيراً رفع رأسه قائلاً :

" إن الحكمة تحتاج فعلاً لذوي الخبرة من كبار السن أكثر مما تحتاج إلى قوة الشباب " .

ومن وقتها تم إلغاء القانون القاسي بالتخلص من كبار السن ومن بقية الأحكام والقوانين الجائرة ، القصة أصبحت إحدى الأساطير اليابانية الخالدة التي يتحدث بها الناس حتى يومنا هذا

عن الكاتب :

  • أتسو باشو (1644 - 1694) ، كان شاعراً وكاتب قصة وقد حاز على شهرة كبيرة في إدو في اليابان (1603- 1867) ،

وتعني حرفياً " باب الخليج " وهو الاسم القديم لمدينة طوكيو اليابان ، وإليها نسبت الفترة المعروفة بفترة إيدو من التاريخ الياباني والتي صاحبت حكم أسرة " توكوغاوا " للبلاد.

وجه نظري :

كما نعرف أن اليابان بلد عريق و شهير جداً وانه بلد في غاية التطور والنفوذ

هذا البلد الرائع الذي اصبح نصف سكان العالم يحبونه و كذلك منهم العرب لما يحمله من فوائد وقواعد واخلاق

إلا انه كان يمتلك تاريخ مظلم وجريح مليء بالفوضئ

حتى تطور ليصبح هذا البلد العظيم الذي يحلم معظم الناس بزيارته ومنهم انا شخصياً

الخاتمة .