اختلاف القرآن الكريم عن السردية التاريخية

بداية ماهي السردية الإسلامية ؟

هي إخبار الدين الاسلامي لأحداث سابقة عن تاريخ أمم وممالك غابرة باختصار هي القصص القرأني وعنصرا الاخبار لهذه السردية هما القران الكريم (وهو المعني في هذا المقال ) والسنة النبوية المشرفة .

القران هو هذه المعجزة التي جاءت بعد نضوج وتطور تاريخ البشرية كما يصفها الدكتور محمد عمارة في كتابة فقه الحضارة الإسلامية " ولقد كان هذا الطور الجديد الذي ارتقت إليه الإنسانية، طور الرشد ، هو الذى حدد الطابع الذي تميزت به «معجزة محمد التي تحدى بها قومه .معجزة عقلية-رغم أنها «نقل» و«وحیا» فهي لا تدهش العقل ولاتذهله، وإنما هي تنضجه وترشده، وتجعله مناط التكليف، وتتخذه حكما وحاكما في فقه مراميها واكتناه أسرار إعجازها، واستخراج البراهين والأحكام مما ضمت من السور والآيات فهي ليست سفينة نوح، أو ناقة صالح، أو عصی موسى، أو إبراء عیسی للأكمه والأبرص .. إلى آخر المعجزات التي أدهشت العقل .. والتي وقف «إدهاشها» هذا عند حدود الشهود»! معجزة تزيل بقايا الشبهات والخرافات والمعتقدات الباقية من المراحل السابقة، عندما كانت الإنسانية «خرافا ضالة»، تحتاج إلى الوصاية الدائمة، من قبل الرسل والأنبياء.. ولا تؤمن إلا إذا اندهش عقلها .. وهي مراحل كانت العقول الأكثرية فيها تأبى أن تصدق اتصال السماء بالأرض عن طريق بشر».. فكانت تنزع إلى المعجزات المدهشة للعقول» !.....

عند النظر إلى السردية الإسلامية سنجد أنها تتصف بالطابع الاجتماعي التعاوني وتمس العمق الشعبي للجماهير وتعتبر الفقر رذيلة والظلم فسادا واحتكار الثروة جريمة وتنادي بالغنى الروحي وكسب المال بالطرق الشرعية وتعتصم بالعدالة والمنفعة العامة والمساواة وتمنح العزة والكرامة والمواطنة للمستضعفين والمساكين واليتامى والمحرومين والسائلين وتحرص على الصلح والإصلاح والمصلحة والاستقرار والتمدن وتحرير الرقاب، مثال ذلك قصص يوسف وموسى واصحاب الكهف وذي القرنين وما جاء فيها من دروس وعبر وعظات وتقرير لمواقف أو توجيه للمؤمنين في معبر التعليق القرآني على هذه القصص.

هل القران الكريم كتاب تاريخ ؟ 

قبل الإجابة على هذا التساؤل ، نحن نقر بتواتر رواية القران وأنه نزل على النبي منجما(على فترات) وأنه صحيح كله من عند الله وبهذا نقر بتصديق كل ماورد في القران ولكن يبقى الإجابة عن التساؤل أعلاه .حفلت البشرية بأحداث عظام جسام وبتخصيص الكلام حفلت ارض العرب بأحداث كثيرة لم يرد لها ذكر في القران الكريم مثل دمار مملكتي سبأ وتدمر وانهيار سد مأرب وغيرها من الأحداث التي كان لها عميق الأثر في حياة العرب ولكننا لن نجد لها ذكرا من قريب أو من بعيد في القران الكريم وهذا ليس معناه عدم حدوثها ولكن لم ترد مناسبة لذكرها على سبيل المثال لأن القرآن ليس بكتاب في التاريخ ، القران عندما يورد ذكر قصة بعينها فإنه يذكرها في معرض ضرب الأمثال أو للتدليل على فكرة ورسالة بعينها وليس لتقرير قصة أو إثبات حدوثها من عدمه مثلما نجد في التوراة الذكر المستفيض للأحداث بتفاصيلها ،القرأن يضرب الأمثال لإيصال فكرة معينة للقارئ وهذه القصص لتقريب المعنى وافهام السامع وبالنظر لطبيعة العربي القديم الذي نزل القرآن في وقته فإن بيئته البدوية الصحراوية نمت عنده حس الخيال بدرجه كبيرة كما نرى في أشعارهم القديمة فكان القصص من أهم أساليب القران لإيصال رسالته المنشوده.

هذا يأخذنا لمبحث شديد الأهمية ، هل من الممكن تعارض الرواية القرآنية مع الرواية التاريخية ؟ 

للإجابة على هذا السؤال سنورد قصة صغيرة من قصص القران وهي قصة أصحاب الفيل ، أخبرنا الله تعالى في سورة الفيل قصتهم ،يقول الله تعالى ( أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِأَصْحَابِ الْفِيلِ أَلَمْ يَجْعَلْ كَيْدَهُمْ فِي تَضْلِيلٍ وَأَرْسَلَ عَلَيْهِمْ طَيْرًا أَبَابِيلَ تَرْمِيهِمْ بِحِجَارَةٍ مِنْ سِجِّيلٍ فَجَعَلَهُمْ كَعَصْفٍ مَأْكُولٍ )

 سنجد أن جميع كتب التفسير أجمعوا أنه أبرهة الاشرم (الحبشي) وكان ذلك في عام ميلاد النبي أي سنة 571 ميلادية . ولكن المفاجأة التي فجرتها بعثة ريكمانز أن غزو أبرهة الحبشي للكعبة "لا أصل له لأنه طبقا للنقوش التي تركها أبرهة الحبشي في اليمن بما في ذلك النقوش التي تركها إبرهة الحبشي على سد مأرب وبقايا سد مأرب وأنه كتب بالخط المسند اليمني. وقد نص النقش على التالي:

( بقوة الرحمن ومسيحه الملك أبرهة زيبمان ملك سبأ وذو ريدان وحضرموت ويمنات (اليمن) وقبائلهم في الجبال والسواحل، سطر هذا النقش عندما غزا قبيلة معد .... كل قبائل بنى عامر و مراد" الخ ولم يرد ذكر مكة أو غيرها فقط قبيلتي معد وبني عامر ) أيضا عدم وجود "أي وثيقة تدل على أن أبرهة الحبشي خرج من اليمن وقصد الجزيرة العربية لأنه طوال السنوات التي كان يحكم بها اليمن كان مشغولا بقمع تمردات القبائل التي احتجت عليه وبسبب علاقاته مع الأحباش". وأنه كان "مسيحيا ولم يكن وثنيا.. الأمر الآخر، هو توفي عام 535 ميلادي وليس 570، كما يزعم المؤرخون القدماء وأنه غزا الكعبة في هذا الوقت، هناك 35 سنة فرق".أيضا استحالة قطع مثل هذه المسافة بين مكة واليمن بالافيال المعروف عنها شربها الكثير للماء وأنها غير قادرة على تحمل مسافة 300 كم من اليمن إلى مكة .

 عند الرجوع لكتب التفسير سنجد اعتمادهم جميعا على رواية "وهب بن منبه " وهو حبر من احبار اليهود وقد أسلم وحسن إسلامه ولكنه فسر السورة اعتمادا على خلفيته التوراتيه ، وقد شذت بعض كتب التفسير المتبنيه للعقلانية عن تبني روايته مثل الشيخ المراغي والشيخ محمد عبده الذين فسروا الطير الابابيل بأنها جراثيم كانت في الطيور أصابت جيش المعتدين على الكعبة ولكن 

المتأمل في تفسير السورة سيجد أنها لم تذكر اسم من قاموا بحادثة الفيل ولا في اي عام ولا من هو الملك الذي قام بغزو مكة بهدف هدم الكعبة . 

عند النظر للقصة من جميع الجوانب سنجد أن هذا النقش الموجود لابرهة لاينفي ابدا حادثة الفيل ونحن نصدق بحدوثها ولكنه ينفي نفيا قاطعا رواية أصحاب التفاسير بأن الملك المعتدي هو أبرهة الاشرم الحبشي الذي لم يغز مكة اصلا فضلا عن هدمه الكعبة . أعتقد أن هذه الحادثة كفيلة بالإجابة عن سؤالنا المتقدم وهو أن القرآن الكريم ليس بكتاب تاريخ ،نحن نقر ما جاء فيه ولكن نستقي تفاصيل الحوادث من مصادرها الاصليه الاركيولوجية والتاريخية المعتبرة . أعتقد أن مايتوفر لنا من العلم الان لم يكن متوفرا لاصحاب التفاسير في الماضي ، فلا ضير من عرض هذه( التفاسير وليس القران) في مثل هذه الحوادث على الكتب التاريخية والاثرية الحديثة رغبة منا في تنقية تراثنا من كثير من الشوائب التي علقت به .