مرت عدة أيامًا، وتحسنت خلالهم صحة (لين) الجسدية، وخرجت من المشفي بعد تصريح خروج من الطبيب المشرف على وضعها الصحي، ولكن صحتها النفسية لا زالت كما هي.

رأت خلال هذه الأيام، خوف، حبً، وإهتمامًا، يحاوطها من الجميع، وبالأخص والدها، الذي نادرًا ما تفضحه مشاعره، كانت تغضب، وتحزن كثيرًا ظنًا منها أنه لا يحبها، ولكن علمت فيما بعد أنه كجميع رجال المجتمع العربي، الشرقية تسري في دمائهم، فهم محبون، ولكن لا يجيدون التعبير عما يكنون في صدورهم، لا يحبون إظهار عواطفهم، لذا قد يخرج قلقهم في الكثير من الأحيان على هيئة صراخ، وتوبيخ.

ولكن ماذا لو أخبرها والدها أنه يخشي عليها من النسائم المحملة بالغبار، وأنه لا يحب أن يراها باكية، حزينة.

لو كان قد باح لها بهذا لكانت تفهمت هي بدورها، ولكن كما قولت أباها مثل الكثير من الآباء لا تجيد التعبير عن مشاعره، وهذه تعد معضلة من معضلات المجتمع التي تواجهها الفتيات في سن مبكر لعدم إدراكهم مفهومها جيدًا.

أرتدت (لين) ملابسها، وبينما هي تتجهز للذهاب لمباشرة عملها، وفي عقلها حرب دامية:

وأصبح أمر شعوري بالسعادة تعانقني بلطف يسعد فؤادي

كالسابق،أمر يصعب عليّ الشعور به ،رغم محاولتي في الإستمتاع إلا أن شعور اللامبالاة ، والبرود الذي يخالجني هو ما أشعر به ،بينما عيناي، وملامح وجهي يبدو عليها كل مشاعري، ومايجول خاطري ، ويختلج فؤادي لعدم إتقاني مهارة إخفاء تلك المشاعر ،سريعاً ما أغضب، وأهدأ ، ويتقلب مزاجي بسرعة كبيرة،أفقد الشغف تجاه أشياء كنت أتلهف

لأمتلاكها ،تجربتها ،تحقيقها.

،تتدريجياً أفقد الشعور بالرغبة بها ،حدسي يخبرني أنني أفتقد لذالك الهرمون(الدوبامين) ،أو أنه يوجد خطاب ما في ذهني ، وكأن المادة(الدوبامين) لا تتفاعل إطلاقًا، مما يؤدي ذلك التفاعل إلي شعوري بالسعادة والمتعة والإدمان)

توجهت بعدها لمقر عملها، ليرحب بها الجميع، متنمين لها السلامة والعافية.

ليمض الوقت سريعًا، وتنجز مهامها، وكالعادة ما إن أنتهت من عملها توجهت لمحطة القطار، لتصعد على متن رفيق رحلاتها، وتبدأ رحلتها للذهاب إلى المنزل.

وفي أثناء عودتها صدح صوت هاتفها يعبر عن وصول رسالة من إحدي متابعينها الذين أفتقدت مشاركتها لهم، تعليقاتهم مطالبينها بالإستمرارية، تفقدت الرسالة، كمًا كبير منهم يتساءل عن أحوالها، والآخرين عن المواضيع الجديدة.

ولكن لفت إنتباها رسالة تحتوي عليها كم كبير من الراجعية، والسادية المنتشرة في أغلب المجتمع، وضياع الضحية نفسيًا وجسديًا.

كان محتواها:

أنا فتاة متوسطة الجمال، ولكن الجميع يتفق على هالة القبول التي تنبعث من روحي.

كأي فتاة أنا أحببت شاب، وأحبني، كانت الحياة وردية ،مليئة بالحب، والشغف، والمشاعر النبيلة التي حملها كلٌ منا للآخر.

تلوثت تلك الحياة بقدوم شابًا آخر للزواج بيْ.

حاولت الإعتراض، ولكن قُبل بالرفض من والدي، الذي رأي أن حياتي مع هذا الشاب هي الأفضل على الإطلاق.

ولكن كيف لي أن أتزوج من شاب في الثلاثينات مُطلقًا، وله ابنة وأنا لم يسبق لي الزواج.

ولكنني أخبرت أبي بهذه الحجة، وأنني لست بأقل من أي فتاة في عائلتنا، وكما أنني لست خادمة سيجلبها لأبنته، حاولت بكافة الطرق، الوقوف، والصمود أمام صراخ، وعناد أبي الذي يري أنه الأختيار الأمثل لي.

وأنا أحارب لأجل حبي السري.

كنت مشتتة، تائهة، وحيدة.

فمن حاربت لأجله أستسلم، وتراجع بهزيمة الرفض من أبي متقهقرًا، ولم يحارب لأجلي حتي أخر أنفاسه، حينها أخبرني أبي أنه لم يبذل قصاري جهده في المحاولة لجعلي زوجته.

خذلت منه حينها، أذاقني مرار الخذلان من الحبيب، من كنت أقف في وجه الجميع لأجله أدار لي ظهره الذي كنت أحتسبه سندًا لأصاب بسهم الخذلان وسط قلبي.

توقعت منه الفوز بي بنهاية الحرب هذه عندما ثار غضبان، وأنا أخبره باكية بأنني لا أريد هذا الشاب، لا أريد سواه.

وحدث ما كنت أخشاه، ولكن لم أكن أحمل همًا له، عُقد قراني، وأصبحت زوجته.

زوجة لرجل ذي منصب، وجاه، والأهم يروق لأبي.

حدث كل ما حلمت به، وجُلب لي ما أريده كعروس وأكثر، ولكنني لم أكترث لشئ، لم أكلف نفسي عناء الأختيار، لحياة لا أود عيشها.

مرت السنون وأنا على موقفي، لا أطيق رؤياه، حاولت مرات عديدة أن أطلق سراحي منه، ولكنه كان عنيدًا، يتحدث في كل شئ ويأخده على كرامته كرجل، وكيف لي أن أرفضه لأجل آخر.

ألم يعلم منذ أن رفضته في المرة الأولي أنه كان لأجله، فلما أصر وقتها وجدد الطلب؟، بل وبقي حتي حصل على أسمي في عقد، كتب عليْ به الموت حية في حياة لا أريدها، أتشاركها مع من لا أحب.

أيوجد حب؟

أتساءل هل الحب حقيقي أم أنه وهمي، شيء جُبلنا ونحن نسمع عنه، حالمين الوقوع، والعيش به.

آمنت مؤخرًا بما قالوه عن الحب

أرسطو : الحب لعنة

سقراط : الحب جحيم

شكسبير : الحب جنون

ديكارت : الحب شعور معقد يصعب وصفه

سارتر : الحب ذلة

ماركس : الحب مصيبة

لا تستعجبي من هذا.

_ لو ما كان الحب هكذا لحارب الأول من أجلي وكنا الآن معًا.

_ ولو ما كان الحب هكذا لهجرني الثاني هجرًا جميلاً، راحمًا إيايّ.

#راجعية_وسادية_مجتمع_في_الحب

#حكايات_نمنم_لـ30_يوم_غير_كل_يوم

#منة_محجوب

#خواطر #شعر #خربشات #قصائد #كتابات #أدبيات