كنتُ أدوِّن في قناتي على التليجرام لفترة من الوقت، وقد أعجبتني التجربة، فأنا أكتب وليس لما أنشر اعجابات أو تعليقات، أحاول أن أرضي الجمهور بمنشوراتي، وهذا صعب أحيانًا، أكتبُ المنشور الجديد ولا أدري إن أعجبهم الأوّل، ليس لي إلّا مؤشّرات بدائية لمعرفة ما يُرضيهم، وهي ذوقي، وتخيّل عام عن سبب انضمامهم للقناة.

في فترة كتابتي على التليجرام، كتبتُ -بحسب رأيي- أكثر المنشورات عمقًا، والتي كانت البذور لمقالات طويلة نشرتها على مدوّنتي، ولا أدري إن أعجبت المشتركين أو لا، فهم لا ينطقون، كضيف ابراهيم!

عندما يُخبرك الناس بما يُحبّون من خلال اعجاباتهم وتعليقاتهم على ما تنشر، ستفكّر في المرّة القادمة أن تنشر لهم ما يُعجبهم، ولأنَّ الناس يتشاركون جميعًا في الاهتمامات البسيطة والتافهة، ويختلفون في اهتماماتهم الجدِّية والمفيدة اختلافًا واسعًا، ستنتشر كُومة من المنشورات، تُرضي الذوق المشترك البسيط، ويصبح كتّاب المحتوى في سباق لتصيّد الاعجابات.

الجرائد والمجلّات تشبه قناتي على التليجرام، فكتّابها لا يملكون احصائيات دقيقة عمّن قرأ المقال وأعجبه، أو الوقت الذي يقضيه القارئ على كلّ مقال، سيبدأون بتجربة الأفكار التي تُعجبهم في المقالات، ستكون هناك مقالات سيئّة بالطبع، لكن فرصة وجود مقالات ساحرة موجودة أيضًا!

أحبّ زكي مبارك، القلم الرشيق والصرح الأدبي العالي، وقد قرأتُ له مرّة كتاب البدائع، وهي تجميعية مقالات كان ينشرها في جريدة البلاغ، كنتُ أستغرب أنّه يعلو علوًا في مقال، ويُسفُّ في مقال آخر، زكي كان يُجرِّب الأفكار من دون خوف، ولو جاء في عصرنا، وقيّدته الاعجابات والتعليقات، لترفَّع عن الكتابة، أو لخاض فيما يخوضون!

الجرائد كانت تأتي في "تجميعية" أنت تشتري جريدة كاملة، وتقرأ فيها لكُتّاب مختلفين، فليس على الكاتب ضغط لأثبات وجوده، ربما عليه أن يُرضي مدير العمل ولا يتعرَّض للمواضيع الحسّاسة، لكنّه فيما عدا ذلك من الأحرار، ستقرأ له وأنت مُجبر. أمّا الآن، فكل مقال يحتاج لأن يثبت وجوده، يحتاج أن يُقنعك لماذا عليك أن تُكمله للنهاية، وقد يدفع هذا بعضّ الكتاب لاستعمال أساليب ملتوية، من العناوين البرّاقة والمُستفهمة، إلى الاستفزاز لدفع القارئ إلى النظر في سطوره.

هذا السباق الذي يشيع حاليًا في منصّات التواصل لتصيّد الاعجابات والضغطات، هو نتيجة طبيعية لتوفّر الاحصائيات الكاملة عن تفاعلات الناس واعجاباتهم، واليوم أصبح لطفل في العاشرة فرصة لتخمين ما يُعجب الناس ويعلو الترند.

لن يسلم كاتب المحتوى من تأثيرات ضغطات الاعجاب، ولو سعى نحوها لرثّ صنيعه الأدبي، ولو استفردَ جذب إليه ممّن يزيدون فيه روحَ الابداع لا الاسفاف، وبعضُ القليل أبرَك!

يستطيع الكاتب لأجل هذا الغرض أن يتخيّر أماكن الكتابة، مدوّنة شخصية أو موقع ليس فيه احصائيات دقيقة، حسوب I/O مناسب أيضًا، وهو إن كان بنظام تقييم، لكنّه يأتي بميّزة أنّ الجوّ العام فيه لا يصبو نحو الشيوع والاعجابات، فيوفّر لك الجرعة المناسبة من تقييم الناس، والابداع الفردي، وهذا التوازن أحقُّ أنّ يُتّبَع!