انا دائما ما اعتبر روايات نجيب محفوظ كانها نافذه تطل على القرن الماضي وكأن نجيب محفوظ هو المنجم الذي يتفجر بالذكريات، ويتفجر معه القلم حبراً وكتابةً ، لا تركز رواياته وكتاباته على الاحداث السياسية او التاريخية ، على الرغم من عدم خلوها منهما ولكنها تركز وبشكل اكبر على المجتمع فى ذلك الوقت وعلى الناس طريقة حياتهم ،كيف يفكرون ، كيف تؤثر الاحداث عليهم ، التغيرات الحاصلة عليهم مع مرور الزمن ، الاختلاف بين الاجيال المتفاوتة ، كيف تتغير العادات والتقاليد تدريجيا مع اختلاف الاجيال .

لن اجد شيئا ابدأ به كلامى عن الروايةافضل من اقتباس مقدمة الرواية نفسها :

بدأ التعارف عام 1915 فى فناء مدرسة البراموني الاوليه ، دخلوها فى الخامسة غادروها فى التاسعة ، ولدوا عام 1910 فى اشهر مختلفة ، لم يبارحوا حييهم حتي اليوم ، و سيدفنون فى قرافة باب النصر ، تضاخمت جماعتهم بمن انضم اليهم من الجيران ، جاوزوا العشرين عدا ، ولكن ذهب من ذهب بالانتقال من الحي او بالموت ، وبقى خمسة لا يفترقون ولا تهن اواصرهم ، هؤلاء الاربعة والراوي ، التحموا بتجانس روحي صمد للاحداث والزمن ، حتى التفاوت الطبقى لم ينل منه ، انها الصداقة في كمالها وابديتها ، الخمسة واحد والواحد خمسة ، منذ الطفولة الخضراء وختى الشيخوخة المتهاوية ، حتى الموت ، اثنان منهم من العباسية الشرقية واثنان من الغربية ، والراوي ايضا من الغربيه ولكنه خارج الموضوع ، وتتغير المصائر وتتفاوت الحظوظ ولكن تظل العباسيه حيينا وقشتمر مقهانا ، وفى اركانه تسجلت اصواتنا مخلدة البسمات والدموع وخفقات لا حصر لها من قلب مصر .

فى روايتنا هذه يتحدث نجيب محفوظ عن اربعة اصدقاء ويقص علينا قصة سبعون عاما من الصداقة التي لا تنضب ، سبعون عاما مليئة بالاحداث والتفاصيل فقط فى 147 صفحةفقط!!.

احقا نحن نحتفل بمرور سبعون عاما على صداقتنا ؟

عندما بدأت فى قراءة الرواية لم اشعر بنفسى الا حين قرأت تلك الجملة فى سطورها الاخيرة احسست حينها وكأني لبثت فى قرائتها 70 عاما ، لم ادري بالوقت حقا .