يُستَغرب في اللهجة المغربية استعمال العافية بمعنى النار وقيل هذه الكلمة غير عربية هنا.

نستعمل في الغالب كلمة "العافية" بمعنى الخلو من الأمراض والسلامة, أما في المغرب فيطلقون هذه الكلمة على النار فما الربط؟

فلْنرجع لمعنى الكلمة في المعاجم

في لسان العرب يقول ابن منظور:

عفا: فِي أَسْمَاءِ اللَّهِ تَعَالَى: الْعَفُوُّ، وَهُوَ فَعُولٌ مِنَ الْعَفْوِ، وَهُوَ التَّجَاوُزُ عَنِ الذَّنْبِ وَتَرْكُ الْعِقَابِ عَلَيْهِ، وَأَصْلُهُ الْمَحْوُ وَالطَّمْسُ

وقال أيضًا:

قَاْلَ ابْنُ الْأَنْبَارِيِّ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: عَفَا اللَّهُ عَنْكَ لِمَ أَذِنْتَ لَهُمْ مَحَا اللَّهُ عَنْكَ، مَأْخُوذٌ مِنْ قَوْلِهِمْ عَفَتِ الرِّيَاحُ الْآثَارَ إِذَا دَرَسَتْهَا وَمَحَتْهَا

واستعملها امرؤ القيس لمعنى الطيور التي تأكل الجثث فتمحيها 

فقال في نونيته(قفا نبك من ذكرى حبيب وعرفان):

وحتى ترى الجون الذي كان بادنًا *** عليه عوافٍ من نسورٍ وعقبانِ

فهنا نفهم تسمية المغاربة للنار بالعافية فهي تمحي ما تحرق وإن شئتَ

وأما العافية التي تعارفنا عليها فمن نفس الأصل محو وطمس الأسقام والأمراض

وقال ابن منظور فيها ناقلًا: 

وَقَالَ اللَّيْثُ: الْعَافِيَةُ دِفَاعُ اللَّهِ تَعَالَى عَنِ الْعَبْدِ. يُقَالُ: عَافَاهُ اللَّهُ عَافِيَةً، وَهُوَ اسْمٌ يُوضَعُ مَوْضِعَ الْمَصْدَرِ الْحَقِيقِيِّ، وَهُوَ الْمُعَافَاةُ، وَقَدْ جَاءَتْ مَصَادِرُ ڪَثِيرَةٌ

وأورد ابن منظور في لسان العرب الكثير من المعاني المشتقة من نفس الأصل 

ومنها:

(وَالِاسْتِعْفَاءُ: أَنْ تَطْلُبَ إِلَى مَنْ يُكَلِّفُكَ أَمْرًا أَنْ يُعْفِيَكَ مِنْهُ. يُقَالُ: أَعْفِنِي مِنَ الْخُرُوجِ مَعَكَ أَيْ: دَعْنِي مِنْهُ. وَاسْتَعْفَاهُ مِنَ الْخُرُوجِ مَعَهُ أَيْ: سَأَلَهُ الْإِعْفَاءَ مِنْهُ )
وَعَفَا الْمَاءُ إِذَا لَمْ يَطَأْهُ شَيْءٌ يُكَدِّرُهُ. وَعَفْوَةُ الْمَالِ وَالطَّعَامِ وَالشَّرَابِ وَعِفْوَتُهُ; الْكَسْرُ عَنْ ڪُرَاعٍ: خِيَارُهُ وَمَا صَفَا مِنْهُ وَكَثُرَ، وَقَدْ عَفَا عَفْوًا وَعُفُوًّا. وَفِي حَدِيثِ ابْنِ الزُّبَيْرِ أَنَّهُ قَاْلَ لِلنَّابِغَةِ: أَمَّا صَفْوُ أَمْوَالِنَا فَلِآلِ الزُّبَيْرِ، وَأَمَّا عَفْوُهُ فَإِنَّ تَيْمًا وَأَسَدًا تَشْغَلُهُ عَنْكَ. قَاْلَ الْحَرْبِيُّ: الْعَفْوُ أَحَلُّ الْمَالِ وَأَطْيَبُهُ، وَقِيلَ: عَفْوُ الْمَالِ مَا يَفْضُلُ عَنِ النَّفَقَةِ; قَاْلَ ابْنُ الْأَثِيرِ: وَكِلَاهُمَا جَائِزٌ فِي اللُّغَةِ،
وَعَفَتِ الدَّارُ وَنَحْوُهَا عَفَاءً وَعُفُوًّا وَعَفَّتْ وَتَعَفَّتْ تَعَفِّيًا: دَرَسَتْ، يَتَعَدَّى وَلَا يَتَعَدَّى، وَعَفَتْهَا الرِّيحُ وَعَفَّتْهَا، شَدَّدَ لِلْمُبَالَغَةِ; قَالَ:
أَهَاجَكَ رَبْعٌ دَارِسُ الرَّسْمِ بِاللِّوَى   لِأَسْمَاءَ عَفَّى آيَهُ الْمُورُ وَالْقَطْرُ

وهكذا في اللغة العربية اتساع في اشتقاقاتها فلْتُفهَم بِمَنطِقِها.

وأمّا إن أردنا استعمال العافية باللهجة المغربية في الكتابة والأدب فمن سبيل الكناية عن الموصوف أو غيرها من الصور البلاغية إن لزم فإن إطلاق العافية على النار غير شائع وإن أضفناها للمعجم فالأفضل استعمالها في السياقات التي تركز على هذه الصفة للنار فذا فصيحٌ هكذا.

والحمدلله رب العالمين