شاهدتُ في وقت سابق الفيلم الأمريكي حافية القدمين من بطولة سكوت سبيدمان، و إيفان رايتشل، ومجموعة من الممثلين، و مما لا شك فيه بأن هذا الفيلم له طابع رومانسي، حيث تجمع القصة بين رجل تثقله الديون يعيش حياة بائسة على الرغم من ثراء والديه لكنه منفصل عنهم منذ زمن ولم ينجح في تحقيق أي نجاح وحده، ولا يتواصل مع أهله إلا في أضيق الحدود حتى لا يتناقش معهم عن أحواله التي تبدو بالتأكيد على ما لا يرام، وفتاة رقيقة، وجذابة، وغريبة الأطوار، لا تحب ارتداء الأحذية لأنها تسبب لها الضيق، وتتصرف طيلة الوقت ببراءة وكأنها طفلة صغيرة، هذا الثنائي قد يبدو غير متناسق في البداية، لكن مما لاشك فيه بأنهما يبرزان أفضل ما في بعضهما البعض..
يتبادر الآن إلى الأذهان العديد من الأسئلة، فلماذا يتصرف بطلا العمل على هذا النحو، فكيف يعيش (جاي ويلر) هذه الحياة البائسة ويعيش أهله في قصر، ولماذا تتصرف (ديزي) كالأطفال وهي في هذا العمر، وإجابة هذه الأسئلة تتطلب العودة إلى ماضي كل منهما والذي يحمل معه حل اللغز، فعلاقة الأب والأم بالأبناء تؤثر بشكل مباشراً وواضحاً على مسار حياتهم واختياراتهم لاحقاً.
أعتمد والد (جاي ويلر) على إلقاء اللوم عليه طيلة الوقت حتى يجعله رجلاً يتحمل المسؤولية، لكن في حقيقة الأمر يسبب اللوم المتكرر الذي يوجهه الآباء إلى الأبناء الشعور بالضيق العاطفي ولا يعزز الاستقلالية على الإطلاق، كما أنه يسبب فقدان احترام الذات ويمنع تطور الضمير لأنه اعتمد على التصرف دائماً وفقاً لمَ يراه مصدر السلطة في المنزل والمتمثل في أحد الأبوين أو كلاهما، فكيف ينمو الضمير والشخص لا يملك حرية التصرف أبداً.
لم يقتصر الأمر على ذلك فقط، بل أن والد (جاي ويلر) كان يقارن بينه وبين أخيه طيلة الوقت، مما أدى إلى شعوره بالإحباط، فهو مهما فعل لن يحظى بالرضا من والده أبداً، ولذلك يستطيع المشاهد تفهم أسباب ودوافع بطل العمل في الاستقلال عن أهله أملاً في النجاح يوماً ما ليثبت أنه موجود ويرضى عنه والده في النهاية…
أما عن ديزي فيتضح لاحقاً بأنها لم تخرج من المنزل يوماً لأن والدتها كانت مريضة بالفصام ولديها العديد من المخاوف والهلاوس التي جعلتها تحتجز ابنتها طيلة هذه السنوات، وكانت ديزي تتعرف على العالم من خلال التلفزيون فقط، ولذلك عند وفاة والدتها لم تعد تعلم ماذا تفعل سوا اللحاق بالبطل بعد إنقاذها من محاولة تحرش واغتصاب لأنه مثل لها الأمان، وتصرفاتها الطفولية ناتجة عن عدم وجود أي خبرات سابقة، فهي تتعرف على الحياة للمرة الأولى، ونجح الفيلم في إظهار كيف عانت البطلة من نشأتها مع والدتها المريضة بهذا المرض لأن تربية أحد الوالدين المصابين بالفصام للأبناء يجعلهم يشعرون بالذنب طيلة الوقت، وأن المخاوف والهلاوس التي تصيب مريض الفصام سواء كان الأب أو الأم هي مسؤوليتهم وهم من تسببوا بها مما ينتج عنه التقليل من التقدير الذاتي، وهو ما حدث لديزي بالفعل لأنها كانت ترى نفسها عاجزة طيلة الوقت، حتى تحدث معها (جاي ويلر) وأخبرها بأنها تمتلك القدرة على فعل ما تريد وحدها دون الحاجة لأحد..
حقق هذا الفيلم المعادلة الصعبة في تقديم قصة رومانسية جذابة مع تسليط الضوء على دور الأهل في تربية الأبناء وكيف يؤثرون على جودة حياتهم لاحقاً في المستقبل، ومهما كانت الظروف البيئية والمجتمعية على كل منا الإيمان بنفسه، وقدراته، وتخطي الحواجز والصعوبات ليظهر أفضل ما لديه بغض النظر عن ظروف نشأته مهما واجه فيها من تحديات..
وفي رأيكم الآن ما هي الأخطاء الأخرى التي قد يقع فيها الآباء أثناء تربية أبنائهم وكيف يمكن تجنبها؟
التعليقات