بسم الله الرحمن الرحيم

مقتطفات من كتاب (جذور المعرفة – تاريخ الأفكار الفلسفية)

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:

كتاب (جذور المعرفة – تاريخ الأفكار الفلسفية)، المؤلف: أثمار عبّاس، الطبعة الأولى: 2022م – 1443هـ، دار نينوى للدراسات والنشر والتوزيع.

1-       (لقد ناقش الفلاسفة المعنى الحقيقيّ للحياة من منظور فلسفيّ، من أوَّلهم إلى آخرهم، وقدَّموا باستمرار مختلف النقاشات والآراء، وعبر هذه السجالات تطوَّر الفكر الفلسفيّ بعد مجيء أفلاطون وأرسطو طاليس وآخرون في العصر اليونانيّ القديم، لقد كانت نقاشات أفلاطون وتلميذه أرسطو طاليس، على سبيل المثال، متناقضة كلياً، إذ كان يناقض أحدهما الآخر دائماً، فلكلِّ واحد منهما أسئلته ونظريّته ومفهومه الخاصّ، وقد ظلّت هذه الطريقة قائمة تعيش بين الفلاسفة متمسكين بها إلى يومنا هذا. إنَّ هذه الحوارات المتناقضة، والنقاشات الكبيرة، أدَّت إلى ظهور أفكار جديدة أخرى كبيرة نديَّة وطازجة. وفي هذا المعنى يقول أفلاطون: "إنَّ التساؤل هو حالة ذهنيّة قمَّة في الفلسفة، لذا يرى أنَّ كلَّ تساؤل هو بداية للفلسفة"). الصفحة (17).

2-       (... لقد بحث المفكرون عن أجوبة ترضي فضولهم، وتقنع ذكاءهم، وكان أوّل سؤال فلسفيّ شغل عقول الفلاسفة هو: ماذا يحوي الكون؟ ولم يمضِ الكثير حتى توسَّع هذا السؤال ليشمل سؤالاً آخرَ، ألا وهو: ما هي الطبيعة الحقيقيّة في هذا الوجود؟ ما هي المادة التي يحتويها كلّ شيء في الكون؟ يتّجه هذا السؤال إلى تخصُّص آخر في الفلسفة، يُطلق عليه "الميتافيزيك"، أي علم ما وراء الطبيعة. على الرغم من أنّ الكثير من هذه الأسئلة الأساسية حصل في الواقع على أجوبة علميّة إلّا أنَّ الكثير منها لا يزال يدور في إطار البحث، وهناك أسئلة محيّرة، حيّرت الفلاسفة والمفكّرين، وظلّت بلا إجابات مقنعة، ولا تزال تدور في فلك العقول، يبحث المفكّرون لها عن إجابة، على سبيل المثال: لماذا يوجد شيء بدلاً من اللاشيء؟ لماذا يكون الكائن كائناً بدلاً من ألَّا يكون؟). الصفحة (18).

3-       (بالنظر إلى أنَّ اللغة غير جليَّة، وقد تحمل معاني خفية، حاول الفلاسفة شرح معاني الكلمات بحثاً عن إجابات للأسئلة الفلسفيَّة. إنَّ هذا النوع من الأسئلة سبق أن طرحها سقراط على المواطنين في أثينا، في محاولة منه لمعرفة ما يشعر به الناس حقّاً حول مفاهيم الحياة المختلفة، وكي يفهم ما هي آراء الناس فعلاً، استطاع سقراط أن يطرح أسئلة بسيطة، على سبيل المثال: "ما العدالة؟" أو "ما الجمال؟" لَّما فعل ذلك، كان سقراط يبحث عن شيء آخرَ أكثر من معنى ظواهر مُجرَّدة فقط، ليس هذا فقط، وإنَّما ما كان يجذبه هو تفحّص مبادئ الناس الأساسيّة نفسها، وما هي القواعد التي يؤمنون بها ويلتزم بها المرء في حياته وسلوكه). الصفحة (20).

4-       (... هذا جعل الفلاسفة يوضحون لنا كيف ينبغي لنا أن نعيش حيواتنا، وأيّ نوع من المجتمع المثاليّ ينبغي أن يكون عليه، كي يكون أنموذجيّاً، مثاليّاً للعيش فيه، وهذا أوصل الفلاسفة إلى نقطة بداية للفكر الفلسفيّ الذي يبدأ منه الفيلسوف، كذلك ينبغي لنا أن نتذكّر أنّ الكثير من الأفكار لا يزال سارياً ومناسباً، ولم يصبح قديم الطراز إطلاقاً، بل ظلَّت تلك الأفكار نافعة على الرَّغم من أنَّ بعض الفلاسفة ورجال العلم برهنوا أنَّها خطأ، ويرى البعض أنَّ هناك الكثير من الأفكار تبدو غير مهمّة، لكن اتّضح بعد مئات السنين أنّها أفكار حكيمة ومهمّة، ولها قيمة مذهلة لدى البشر، وأكبر مثال على ذلك نظريَّة الذرَّات لدى الفلاسفة الإغريق القدامى. إذ لم تكن لنظريّة الذرَّات أي أهميّة، لكن ما أسَّسه الأولون، تبيّن أنَّه مهمّ جداً.

إنَّ العملية الفكريَّة مهمَّة لتنظيم الأفكار والفكر، وكذلك ينبغي لنا أن نتذكّر أنّ هذه الأفكار التي لا تزال باقية إلى يومنا هذا، هي مجرّد جزء صغير من عملية الفكر، لأنّها عادة ما تكون فقط نتائج نهائيّة لسلسلة فكر ونظريّات وأفكار طويلة). الصفحة (24).

5-       (كان المفكّرون الآسيويون يستندون أيضاً إلى الحجج والبراهين، يتحاججون، ويتساءلون أيضاً عن الحكمة والموعظة التقليديّة. ففي فترة ثورة العصيان والتمرّد السياسيّ في الصين، الفترة من عام 771 إلى عام 481.ق.م، أدّى ذلك إلى عدم الاهتمام بالفلسفة، وأصبح الفلاسفة غير مهتمّين بأسرار الكون، ما جعلهم يهتمّون أكثر بكيفيّة تنظيم المجتمع والسيطرة على المتمرّدين. وضع الفلاسفة هدف نشاطهم الأول تقديم القيم الأخلاقيّة للأفراد في المجتمع. أراد الفلاسفة أيضاً أن يتفحَّصوا أفكارهم كي يُمَيّزوا ويفرزوا الأخلاق الجيّدة عن غيرها، وينظروا إلى "ما هي الحياة الطيبة" وأن يتوصّلوا إلى حياة الخير، "ما الذي تحتويه حياة الخير". بعد ذلك، ازدهرت في ذلك الوقت، مجموعة من الفلسفات، تلك التي يُطلق عليها " مدارس الفكر المئة"، وقادت الفلسفة الداويّة، - والكنفوشيوسيّة الفلسفة الصينية إلى قرن 1800. كما ظهرت في جنوبي الصين فلسفة لها الأهميّة نفسها، إنَّها فلسفة سيد هارتا جاوتاما، الذي أطلق عليه لاحقاً لقب بوذا، وسميت فلسفته بالبوذيَّة. عاش جاوتاما في شمالي الهند، ومن هناك انتشرت أفكاره في القرن 500 ق.م تقريباً. وانتقلت من شمالي القارّة الهنديَّة إلى آسيا الجنوبيَّة ثم إلى العالم، وحتَّى يومنا هذا لا يزال كثير من البشر يمارسون البوذيَّة). الصفحة (29).

6-       (كان طاليس المالطيّ في حاجة إلى ترسيخ قاعدة ثابتة يمكنه الانطلاق منها بفلسفته كي يكون في وسعه الاشتغال ومواصلة العمل عليها. وهكذا، مثل كثير من فلاسفة الطبيعة، استولى على تفكيره السؤال الأساس: "ما هي المادّة الأساس التي يتكوّن منها الكون؟"

إنَّ نقطة الانطلاق التي بدأ منها طاليس وأتباعه، هي أنَّ كلّ مادة في الكون يمكنها أن تتناقص أو تتزايد، يعود تكوينها إلى مادّة أساس, واحدة فقط: الأيونيَّة. كان طاليس وأتباعه أول من طرح هذه الفكرة في الفلسفة الغربيّة. يقول المالطيّ إنّ المادّة الأساس التي يحتويها الكون يجب أن تكون مادّة يمكن أن يتشكّل أو يخلق منها شيء آخر، ينبغي أن تكون في حركة وتغيّر دائمَين، وأن تكون ضرورية للحياة. وقد رأى أنّ اللبنة المشتركة بين جميع الكائنات الحيّة هي الماء. إنَّ المياه تحمل كلَّ هذه المواصفات، وهي على درجة كبيرة من الأهميَّة، والماء وحده فقط من يحافظ على جميع أشكال الكون في البقاء على قيد الحياة). الصفحة (30-31).

7-       (تقول الأسطورة: كان لا تسو في بداية حياته موظّفاً بسيطاً في إحدى المكتبات، ثمّ اشتهر بحكمته وثقافته، وأصبح أشبه بشخصيّة أسطوريّة كبيرة آنذاك. ذات يوم، ترك منصبه وسافر ينشد الوحدة والانعزال. لمَّا عبر الحدود، تعرَّفه أحد الحرّاس، وطلب إليه إثباتاً من حكمته وعلمه، وكان لاو تسو قد كتب حينها كتابه (تاو تي تشينغ)، فتركه لحارس الحدود ثمَّ أكمل طريقه. رحل بعد ذلك ولم يسمع عنه أحد أيّ شيء). الصفحة (35).

8-       (يا للأسف، لا نعرف الكثير عن حياة فيثاغورس، فهو لم يترك كتابات له شخصياً، وكما كتب الفيلسوف اليونانيّ بورفيريوس في كتابه (في الفيثاغورا البيضاء)، يقول: "لا أحد يعلم بالتأكيد ما الذي قاله فيثاغورس لمساعديه ومريديه، فقد أظهر وجودهم صمتاً غير عاديّ". (أي لم يقل أحدهم أيَّ شيء عنه).

إنَّ مؤرّخي التاريخ المعاصرين يظنون أنّ فيثاغورس ولد في جزيرة ساموس، التي هي حالياً في محيط تركيا، وكان كثير السفر في شبابه، وربّما درس في المدرسة الأيونيَّة، ويظنّ، في الأغلب، أنَّه زار مصرَ التي كانت عاصمة الدراسة الأكاديميَّة. وعند بلوغه سنّ الأربعين تقريباً أسّس مجموعة تحوي 300 عضو في مدينة كروتون، في جنوبي إيطاليا. وهناك كانوا يدرسون بعضاً من غموض فيثاغورس، وبعض المواد الأكاديميَّة الأخرى. على الرغم من اشتراك مجموعة من القادة في هذه المجموعة إلّا أنّ من الواضح أنَّ فيثاغورس كان هو القائد الأكبر. لمَّا بلغ الستّين من عمره، يقال إنَّه تزوّج فتاة شابّة من كروتون تدعى تيانو. وبسبب ازدياد إعجاب الناس بشخصيّة فيثاغورس، وبعد أن بدأ الإعجاب يكبر تدريجياً حتّى وصل إلى ما يقارب حدّ العبادة، اضطرّ فيثاغورس إلى الهرب وترك كروتون، ورحل إلى ميتابونتوم، وهي مدينة تقع في جنوبي إيطاليا أيضاً، وهناك توفّي بعد فترة قصيرة، وانتهت جماعته، واختفى أمرها في أواخر القرن الـ400.ق.م.

يوضّح لنا معدَّل نسب فيثاغورس أنّ الأشكال والعلاقة بينها وبين الأرقام، تقودها وتحكمها مبادئ بإمكان المرء اكتشافها. هذا يعني أنَّ من الممكن فهم بنية الكون وتركيبته كلّه في يوم ما في المستقبل). الصفحة (38-39).

9-       (تقوم فلسفة بوذا على الحقائق الأربع النبيلة، وهي كالتالي:

الحقيقة الأولى؛ المعاناة، وهي جزء من الحياة، تبدأ منذ ولادة الإنسان حتّى مماته، إذ تأتي عبر المرض والكبر والشقاء حتّى وصوله إلى الموت. يطلق على هذه المعاناة (دوككا).

الحقيقة الثانية؛ سبب معاناة الإنسان يعود إلى تعطّشه الشديد للحياة، أي أنَّ جميع الرغبات البشريَّة يربطها الإنسان بأشياء مادّية، وأصل هذه المعاناة يُطلق عليه (سامودايا).

الحقيقة الثالثة؛ يمكن للمعاناة أن تنتهي من خلال الابتعاد عن الرغبات، أي أن يتخلّى الإنسان عن رغبته في التملّك، وتنتهي هذه المعاناة من خلال العلم (نيرودا).

الحقيقة الرابعة؛ طريق الخطوات الثماني؛ فيقول جاوتاما إنَّه يمكن أن يقوم طريق الخطوات الثماني بإنهاء عطشك إلى الحياة، ويجعلك تتخلَّى عن الرغبات. إنَّه الطريق الصحيح الذي يمكنه أن يُنهي معاناة الإنسان، ويُطلق عليه (ماججا)). الصفحة (42).

10- (حلق بوذا شعر رأسه كجزء من تضحياته بالعالم الماديّ. وفقاً للبوذيّة، إنّ الإغراءات الدنيويَّة الماديَّة، هي أساس كلّ المعاناة، وينبغي للمرء مقاومتها والحدّ منها.

لقد أدرك جاوتاما أيضاً أنَّ الملذَّات الحسيَّة، عندما يمسك بها الإنسان للحدِّ من معاناته، فإنّ أثرها عابر، ونادراً ما تكون مرضية بشكل خاصّ. حينما نُرضي ذواتنا بامتلاك الأشياء الماديَّة فسوف نشعر بالارتياح، لكن لفترة معيَّنة مؤقّتاً، وسرعان ما يزول هذا الشعور، ونصرخ راغبين في المزيد، والمزيد. وجد أنَّ حياة معزولة، وتجربة معايشة الزهد الصارم، الشديد، غير مرضية أيضاً، حياة مُتعفِّفة مشروطة برفض الشخص كلّ شيء ليست بحياة سعيدة للذات، ولن تجعله يفهم كيف يحقّق السعادة، ولن يصل إلى سعادة الروح). الصفحة (44).

11- (... إنَّ طريق الخطوات الثماني هو:

·   أن تفكِّر على نحو صحيح.

·   أن تتكلَّم على نحو صحيح.

·   أن تتصرَّف على نحو صحيح.

·   أن تفهم وتستوعب على نحو صحيح.

·   أن تعيش أسلوب حياة صحيحاً.

·   أن تُناضل من أجل أمور صحيحة.

·   أن تركِّز انتباهك على المسائل على نحو صحيح.

·   أن تولي الأمور الاهتمام الصحيح.

هذه الكلمات عبارة عن قانون أخلاقيّ، إنَّها وصفة لحياة طيّبة. هذه هي السعادة التي جاب جاوتاما بنفسه الأرض، وقطع وطاف أقاصي البلاد للحصول عليها). الصفحة (46).

12- (... لمَّا انتشرت البوذيّة في الهند، وصلت بعد ذلك شرقاً، مُروراً بالصين، ثمّ إلى جنوب آسيا هناك حيث أصبحت الكونفوشيوسيَّة والداويّة منافستين لها. ثمَّ انتشر مَذْهَب جاوتاما وتعاليمه، وبلغت حدّاً بعيداً حتّى وصلت إلى اليونان، فترة القرن الأول قبل الميلاد، لكن لم يكن لها تأثير كبير في الفلسفة الغربيَّة إطلاقاً. على الرغم من وجود بعض أوجه التشابه بين نهج جاوتاما والفلاسفة اليونانيين ولا سيَّما الأمر الذي يتعلَّق بالبحث عن السعادة، حيث أكّد الاثنان على أهميّة الإدراك والوعي وحُسن الفهم كي يعثر المرء على السعادة. لقد استخدم تلاميذه ومُريدوه الحوارات الفلسفية أيضاً، لتوضيح التعاليم البوذيّة. كان لأفكاره صدى وتأثير أيضاً في أفكار الفلاسفة الغربيين في وقت لاحق، كمفهوم ديفيد هيوم للذات، ووجهة نظر شوبنهاور للشرط الإنسانيّ. لكن ليس قبل القرن 1900، فقد أثَّرت البوذيَّة في طريقة عيشهم حيواتهم.

يقول جاوتاما: " كلّ ما تملكه هو الإحساس، إذاً، كلّ ما تفكّر فيه تصبح ما أنت عليه".

تفكير + إحساس = تصرُّف). الصفحة (47-48).

13- (... وكان الناس يتقبّلون الشخص الذي يمتلك القوة أو الذي لديه سلطة أخلاقيّة معيّنة، ويفسّرون مصدر ذلك أنَّه قادم من الإله، وأنّ الآلهة وهبت هذا الشخص تلك المزايا ومنحته هذه المكانة كي يحكمهم. لكنَّ كونفوشيوس خرق هذه الأفكار الموجودة في اعتقادات الصينيين، فكان كلَّما تأتي سيرة الإله وفكرة أنَّه منح هؤلاء الأشخاص القوة ليحكموا ويشكّلوا طبقة السلطة الحاكمة، كان يصمت، ويسكت عن الكلام، وغالباً ما كان يشير إلى "التيان" أو السماء، بحسبانها مصدراً للنظام الأخلاقيّ. وفقاً للحوليّات، يتحدَّث كونفوشيوس في كتابه (تقلّبات الربيع والخريف) عن مصدر تلك الأخلاق، ويشير إلى السماء، ويقول إنَّ السماء اختارت الإنسان بحدّ ذاته كي يُمثِّلها في الأرض، وليس الحُكّام فقط، لأن الآلهة أرادت أن تصل إلى الأرض لكنّها أنزلت الإنسان وكيلاً عنها كي يُجسّد إرادتها ويوحّد العالم في نظام أخلاقيّ واحد. إنَّ هذه الفكرة تتماشى مع العقيدة الصينيّة وخطّ الإيمان التقليديّ القديم، وقد تبنّاها كونفوشيوس وعمل على دمجها مع التقاليد الجيّدة، وجاء بفلسفته الجديدة. غير أنّ ما يتناقض مع التقاليد هو أنّ كونفوشيوس لا يعتقد أنّ الفضيلة هي أمر أرسلته السماء إلى الطبقات الحاكمة، وإنّما هي بذرة يمكن زراعتها في أيّ شخص. عمل كونفوشيوس بنفسه كخادم، ثم طوَّر من نفسه إلى أن وصل إلى منصب وزير في البلاط الملكيِّ. يقول إنَّ من واجب الطبقة الوسطى، وكذلك الحُكَّام، أن يتصرَّفوا بفضيلة، وأن يكون واحدهم إنساناً فاضلاً جديراً بمزيَّة المثال الأعلى، وأن يسعى جاهداً إلى العمل بإخلاص وخَير من أجل التوصُّل إلى تحقيق مجتمع عادل ومستقرّ.

من أجل تَرويض النفس وتَقَبُّل حقيقة أنّ المجتمع نظام طبقات مُتَصَلِّب، يؤمن كونفوشيوس بأنَّ جميع الرجال يمكنهم الحصول على نعمة التفويض السماويّ، ويرى أنّ الرجل الفاضل، وليس فقط الشخص الموجود في قمَّة الهرم الاجتماعيّ، يستطيع أن يسهم في بناء مجتمع أفضل، إذ يمكن لأيّ شخص ضمن إطار التسَلْسُل الهرميّ يُدرك مكانة الأخلاق – الفضيلة – ويقبل شروطها بشكل تامّ، يمكنه أن يكون مؤهّلاً ليكون مثلاً أعلى يقتدي به الكثيرون، وبإمكانه أن يقود المجتمع). الصفحة (50-51).

14- (... لقد حاول كونفوشيوس أن يُقنع القادة بالعودة إلى هذه المبادئ الأخلاقية والمُثل العليا، والعمل على استعادة نظام اجتماعيّ عادل، لكنَّه آمن أيضاً بقوة التعامل الحسن وسلطة التصرّف بشكل ودّيّ، واقترح أن تكون مهامّ السلطة حول حسن التعامل، وذلك من خلال أن تكون قدوة طيبة، ومِثالاً جيّداً يقتدي به الجميع بدلاً من زرع الخوف في نفوس الآخرين. يرى كونفوشيوس أنَّ من شأن القائد الجيّد أن يُلهم الناس اتّباع مبادئه الجيّدة نفسها، التي يؤمن بها، فستسود المبادئ نفسها ضمن إطار العلاقات الشخصيَّة، أي أنَّ التغيير لا يأتي من خلال ترويع الآخرين، وإنما من القدوة الحسنة. وكي يقوم القائد بتغيير تصرّفات الآخرين السيّئة عليه أن يبدأ بنفسه ويكون مِثالاً أعلى يُلهم الناس ليتبعوا مبادئه الجيّدة نفسها، التي يؤمن بها في كلّ علاقاته الشخصيَّة). الصفحة (51-52).

15- (في فلسفة كونفوشيوس ينبغي أن تقوم المجتمعات جميعها على العلاقات الخمس الدائمة:

علاقة الولاء للقائد:

ينبغي للحاكم أو القائد أن يكون مثالاً طيّباً أمام جنده، ويجب على الجنود أن يكونوا أوفياء لقائدهم.

ولاء الآباء والأبناء:

ينبغي للأهل أن يكونوا ممتلئين بالمحبّة لأسرهم وأولادهم، ويجب على الأولاد أن يكونوا مطيعين لأولياء أمورهم.

ولاء الزوج والزوجة:

ينبغي للزوج أن يكون طيّباً وعادلاً مع زوجته، ويجب على الزوجة أن تكون متفهّمة لزوجها.

علاقة الأخ الكبير بالأخ الصغير:

يجب على الأخ الكبير أن يكون طيّباً ومتسامحاً مع أخيه الصغير، وعلى الأخ الصغير أن يظهر الاحترام لأخيه الكبير.

علاقة الأصدقاء بالأصدقاء:

ينبغي للأصدقاء القدامى أن يفكّروا في مصلحة أصدقائهم بعيداً عن الأنانية، وينبغي للأصدقاء الصغار، الجدد، أن يبجِّلوا ويحترموا تلك الصداقة والأصدقاء جميعاً). الصفحة (53).

16- (إنَّ الذرات التي تُشكّل أجسادنا لا تتلف أو تختفي عندما نموت، وإنّما تتبَدَّد وتتحلَّل ويمكن أن تتشكَّل في تشكيلات وتركيبات جديدة). الصفحة (65).

17- (يقول سقراط: "إنَّ الحياة الوحيدة التي تستحقّ أن نعيشها هي حياة الخير. يمكنني أن أعيش حياة الخير إذا ما عرفت ما هو الخير وما هو الشرّ. إن مسألة الخير والشرّ هي أمر غير نسبيّ – بل هي أمر مُطلق، يمكننا فقط تعرُّفهما وتحديد معناهما من خلال عمليّة الأسئلة، والمناقشة والتحليل. هكذا، وبهذه الطريقة، يمكن أن ندرك أنَّ الأخلاق والمعرفة أمران مرتبطان أحدهما بالآخر. إذاً حياة بلا أسئلة معرفيّة هي حياة جهل وبلا أخلاق. الحياة غير المكتشفة لا تستحقُّ أن تُعاش" ). الصفحة (67).

18- (... حسب ما كتبه أفلاطون، تلميذ سقراط، في كتابه (دفاعات سقراط في أثناء المحاكمة)، يقول: "لقد اختار سقراط الموت بدلاً من حياة الجهل، وبقي مصرّاً على طريقته التي اكتشفها بدلاً من أن يعيش حياة جاهلة لا يعرف شيئاً. عاش كما قال: "إنَّ الحياة غير المستكشفة لا تستحقُّ أن تُعاش"، أي أنَّ حياة الجهل ليست ذات قيمة لأن يعيشها المرء"). الصفحة (67-68).

19- (يقول ميشيل دي مونتين:

إنَّ راحة البال يعود سببها إلى عدم الاكتراث لآراء الآخرين.

وإذا ما بحثنا عن رضا الآخرين، وسعينا إلى الشهرة،

وإذا ما سعى المرء ليكسب صيتاً يراه ويسمع به الناس،

فعليه في هذه الحال أن يسعى إلى تحقيق رضاهم أولاً، ونيل استحسانهم.

وإذا ما سعى المرء إلى تحقيق رضا الآخرين، فلا يمكنه أن يلتمس الراحة والهدوء.

إذاً، الشهرة وراحة البال لا يمكنهما أبداً أن يكونا شريكين في فراش واحد). الصفحة (143).

20- (... يذهب مونتين أيضاً إلى أبعد من ذلك، ويوصي بأنَّه بدلاً من السعي إلى الحصول على تأكيد الناس من حولنا، يطلب إلينا أن نتخيَّل أنَّ هناك كائناً عظيماً وكبيراً يمكنه مراقبة أعمق وأدقّ أفكارنا باستمرار، وهذا يعني أنَّنا لن نتصرَّف وفق طبيعتنا، فإذا ما كان كائن كهذا في محيطنا، قُربنا دائماً، يراقبنا باستمرار، فمعنى ذلك أنَّه حتّى الرجل المجنون سوف يسعى محاولاً إخفاء أخطائه وعيوبه. وهكذا، من خلال فعل ذلك، يمكننا أن نتعلَّم التفكير على نحو أكثر وضوحاً وموضوعيَّة، وسنتصرَّف بطريقة مدروسة، منطقيّة وعقلانيَّة... ). الصفحة (144).

21- (... إنَّ تقنية القراءة هذه تشبه أسلوب سقراط وطريقته الجدلية التي كان يتبعها في نقاشاته مع الآخرين. كان سقراط يجادل الشخص في موضوع ما ويظلّ يحاوره ويناقشه إلى أن يجعله يفكّر ليفهم تدريجياً ويصيب كبد الحقيقة بنفسه، بدلاً من أن يقدّم له حزمة جاهزة أو إجابات تمَّت صياغتها مسبقاً). الصفحة (154).

22- (... كتب باسكال يقول: "ينبغي أن يسير كلٌّ من العدل والسلطة جنباً إلى جنب، حتى يصبح ما هو عادل قوياً، وفي الوقت نفسه يصبح ما له قوّة عادلاً"). الصفحة (163).

23- ( ... إنَّ العقل البشريَّ هو تعديل للمادّة مع التفكير في السمة، والدماغ البشريّ هو تعديل للمادّة، لكنَّ السمة المشتركة هي التمدُّد. بهذه الطريقة، يتجنَّب سبينوزا تساؤلات حول التفاعل بين الجسد والروح، ويقول: "لا يوجد رابط اتصال بينهما، وإنَّما هناك مراسلات فحسب. مع ذلك، فإنَّ النظريَّة أوصلت سبينوزا إلى الاعتقاد بأنَّه ليس جسد الإنسان وحده من يمتلك جسداً وروحاً فحسب، وإنما كلّ شيء آخر في الوجود له جسد وروح أيضاً. على سبيل المثال، الصخور، الطاولات القادمة من الأشجار – كلّ هذه الأشياء هي عبارة عن تعديل شكليّ على المادّة نفسها مع سمات التفكير والتمديد. لذلك، فإنّ كلَّ الأشياء هي الاثنان معاً، جسديَّة وعقليَّة، على الرغم من أنَّ عقليتها بسيطة للغاية وليست ما يمكن أن نسمّيها أرواح. إنَّ هذا الجانب من نظريَّة سبينوزا على حدّ سواء أمر يصعب فهمه وقبوله). الصفحة (166).

24- (يقول جون لوك:

"دعنا نفترض أنَّ الروح هي ورقة بيضاء، بلا شخصيَّة، ومن دون أفكار، فكيف سيتمُّ ملؤها؟"

إذا كانت الروح عبارة عن لوحة فارغة، أو صفحة بيضاء، عند الولادة، يرى لوك أنّه يمكن لأيّ شخص أن يتغيَّر من خلال الدراسة والتعليم الجيّد. إنَّ التعليم الجيّد يشجع على التفكير المنطقيّ وتنمية المواهب الإبداعيَّة الفرديَّة). الصفحة (172).

25- (أصبح الفلاسفة في فرنسا وبريطانيا مهتمّين أكثر بالقضايا الاجتماعيّة والسياسيّة. في بريطانيا، حيث تحقّقت الثورة الصناعيَّة بالفعل، ووصلت التجريبيّة إلى قمّة ذروتها مع أعمال ديفيد هيوم، بينما هيمنت النفعيَّة على الفلسفة السياسيّة، وتطوّرت جنباً إلى جنب مع الثورة الصناعيّة التي بدأت عام 1730، عندما عمد المفكّرون، أمثال جون ستيوارت ميل، إلى تحسين المذهب النفعيّ لجيريمي بنتهام، وساعدوا في تأسيس ديمقراطيّة ليبراليّة وإطار عامّ للحقوق المدنيَّة الحديثة. كان الوضع في فرنسا أقلّ استقراراً، فقد أفسحت عقلانيَّة رينيه ديكارت في المجال أمام جيل من الفلاسفة الراديكاليين، المطالبين بالإصلاح السياسيّ الجذريّ. وقد شجَّع هؤلاء المفكّرون على نشر أسلوب التفكير العلميّ الجديد. استقوا المعرفة من أدب فولتير الساخر، وحصلوا عليها من الموسوعيّ دينيس ديديروت، لكنَّ الأكثر راديكاليَّة كان جان جاك روسو، إذ كانت رؤيته تدور حول مجتمع يقوم على مبادئ: "الحرية، المساواة والتضامن"، وأصبحت أهمّ الشعارات في فترة الثورة الفرنسيَّة عام 1789.

ألهم روسّو المفكّرين الراديكاليين منذ ذلك الحين، حين قال: "إنَّ للحضارة تأثيراً فاسداً في الناس، فقد أفسدت طبيعتهم الخيّرة، وخرَّبت سجيَّة الإنسان التي جُبل عليها". كانت هذه الفكرة هي نقطة البداية للمرحلة الرومانسيَّة القادمة. إبَّان الفترة الرومانسيَّة، أصبح الأوروبيون مشغولين بهذه الفكرة، وصار الكُتّاب والفنانون والملّحنون مهووسين بمنظور مثاليّ أو رؤية مثاليّة للطبيعة بحسبانها تحمل تناقضاً واضحاً مقارنة بالأناقة المتطوّرة والحضريَّة لعصر التنوير. ربَّما كان المفتاح أنَّ الرومانسيين كانوا يقدّرون العاطفة والشعور والحدس أعلى من التفكير العقلانيّ المنطقيّ. سيطرت الحركة الرومانسيّة على أوروبا بقوّة حتَّى نهاية القرن التاسع عشر). الصفحة (185-186).

26- (تُوضّح جدليَّة هيغل كيف تجد الأضداد حلًّا. فالدولة الاستبداديَّة، على سبيل المثال، تولّد توقاً إلى الحريَّة ويخلق التوليف "القانون"). الصفحة (223).

27- (درس شوبنهاور البهاجافاد جيتا الهندوسيّة، حيث علّمه كرشنا أرجونا موضّحاً أنّ الرجل يبقى عبداً لرغباته إذا لم يستطع التخلّي عنها). الصفحة (230).

28- (... كان الحلّ الوحيد، وفقاً لماركس، هو أنّ جميع وسائل الإنتاج الاقتصاديَّة (مثل الأرض، الموادّ الخام، الأدوات والمصانع) تصبح ملكيّة عامَّة حتى يتمكّن كلّ فرد في المجتمع من العمل وفقاً لقدراته الخاصَّة، والاستهلاك وفقاً لاحتياجاته الخاصَّة. كانت هذه الطريقة الوحيدة لمنع الأغنياء من العيش على حساب الفقراء). الصفحة (239).

{ قال تعالى: (( أَهُمْ يَقْسِمُونَ رَحْمَتَ رَبِّكَ ۚ نَحْنُ قَسَمْنَا بَيْنَهُم مَّعِيشَتَهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ۚ وَرَفَعْنَا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِّيَتَّخِذَ بَعْضُهُم بَعْضًا سُخْرِيًّا ۗ وَرَحْمَتُ رَبِّكَ خَيْرٌ مِّمَّا يَجْمَعُونَ (32) )). (سورة الزخرف) آية (32).

29- (تصرُّ بعض الأديان والفلسفات على وجود "عالم حقيقيّ" أكثر أهمية في مكان آخر. ويرى نيتشه أنّ هذا أشبه بأسطورة تمنعنا على نحو مأساويّ من عيش الحياة على أكمل وجه في هذا العالم). الصفحة (259).

{ قال تعالى: ((  وَمَا يُكَذِّبُ بِهِ إِلَّا كُلُّ مُعْتَدٍ أَثِيمٍ (12) إِذَا تُتْلَىٰ عَلَيْهِ آيَاتُنَا قَالَ أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ (13) )). (سورة المطففين). }.

30- (ولد إدموند هوسرل عام 1859 في مهرين، التي كانت في ذلك الوقت جزءاً من القيصريَّة النمساويَّة. بدأ مهنته كخبير رياضيّات وعالم فلك، لكن عندما حصل على الدكتوراة في الرياضيّات، قرَّر أن يبدأ بالفلسفة. تزوّج هوسرل عام 1887 مالفينه ستينشنيدر، ولهما ثلاثة أطفال. كان أيضاً يلقي محاضرات خاصَّة في مدينة هال، وبقي يعيش هناك إلى عام 1901. ثمَّ بعد ذلك تمّ قبوله في منصب بروفيسور في غوتينغن قبل أن يصبح بروفسوراً في جامعة فرايبورغ عام 1916. هناك أصبح الفيلسوف مارتن هايدغر أحد طلَّابه. عام 1930 أوقف هوسرل عن العمل بسبب خلفيَّته اليهوديَّة، وكان هايدغر مُتَورّطاً في هذا القرار. استمرَّ هوسرل في كتاباته إلى مماته عام 1938). الصفحة (265).

31- ( {أورتيجا أي جاسيت}... ويقول: لا ينبغي أن يسعى الفلاسفة فقط من أجل فهم أفضل للظروف التي يعيشونها، وإنَّما ينبغي لهم أن يحاولوا تغييرها على نحو فعَّال... يقول خوسيه أورتيجا أي جاسيت:

"نحن متعمِّقون دائماً في مختلف أنواع الظروف، مثل أين نسكن؟ ماذا نفعل؟ وكلّ فرد منّا مُنهمك في تلك الأمور التي يؤمن بها.

يمكننا أن نقبل أو نرفض هذه الظروف من خلال أن نتصوَّر لأنفسنا فرصاً وإمكانات أخرى جديدة.

الإمكانات الجديدة تصطدم مع ظروفنا الحاليَّة.

إنَّ الحياة عبارة عن سلسلة من الاصطدامات مع المستقبل" ). الصفحة (287).

32- (في عام 1961، وقفت الفيلسوفة حنَّة آرنت في المحكمة ضدَّ أدولف أيخمان، أحد المهندسين المعماريين، الذي كان وراء تصميم المحرقة اليهوديَّة "الهولوكوس". في كتابها (تفاهة الشرّ) تكتب آرنت حول "يوميَّات" أيخمان العاديّة. تقول إنَّها لمَّا قابلت الشخص الذي يقف أمامها في المحكمة، رأت أنَّه إنسان عاديّ يمكن أن نتصوّره أحد الرجال العاديين الذين تقابلهم في أحد المقاهي. إنَّه لا يتناسب مع ذلك الوحش، وليس هناك أيّ شيء مُشْتَرَك بينه وبين ذلك الذي صمَّم المحرقة لإبادة اليهود). الصفحة (325).

33- (ينبغي لنا أن نكون حذرين تجاه أخطاء أنظمتنا السياسيَّة، تقول آرنت، تماماً كما ينبغي لنا أن نكون حذرين ونحترس من أخطائنا الناجمة عن تفكيرنا في حُكمنا وتقييمنا الخاصّ بنا كي لا نرتكب الأخطاء في أفعالنا.

ارتكب المهندس أيخمان أبشع الأعمال، ليس بسبب كرهه للمجتمع اليهوديّ، وإنَّما، تقترح حنَّة آرنت، لأنه اتّبع الأوامر فحسب، دون أن يفكّر فيها، ولم يفكِّر في عواقب تأثيرها). الصفحة (325).

{ عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « :كلُّ بني آدم خَطَّاءٌ، وخيرُ الخَطَّائِينَ التوابون» .

[حسن] - [رواه الترمذي وابن ماجه والدارمي وأحمد]

الشرح

(لا يخلو الإنسان من الخطيئة، لما فُطر عليه من الضعف، وعدم الانقياد لمولاه في فعل ما دعاه إليه، وترك ما نهاه عنه، لكنه تعالى فتح باب التوبة لعباده، وأخبر أن خير الخطائين هم المكثرون من التوبة) }. (موقع موسوعة الأحاديث النبوية)

34- (يقول إيزايا برلين:

الحريَّة هي مسألة إيجابيَّة وسلبيَّة في آن.

الإيجابيَّة: نحن أحرار في أن نسيطر على مَصيرنا الخاصّ، وأن نختار أهدافنا الخاصَّة بنا.

لكنَّ أهدافنا الفرديَّة ينتهي بها المطاف أحياناً في خلاف وصراع مع الآخرين أو تؤدّي إلى الهيمنة عليهم.

السلبيَّة: نحن أحرار من الإكراه والإرغام الخارجيّ ومن الهيمنة أو "الأغلال والقيود". عندما تؤدّي حريّتنا الشخصيّة الإيجابيّة إلى التقليل من حريّة الآخرين، هنا يظهر الاضطهاد.

إن الشعور الأساس للحريَّة هو التحرُّر من القيود). الصفحة (337).

35- (خلص ليوبولد إلى أنَّنا يتحتّم علينا أن نفكّر كجبل، وأن نقرَّ ونعترف بالاحتياجات، ليس للبشر فقط، رفاقنا في الإنسانيّة، وإنّما للطبيعة أيضاً، ويعني بذلك أنّنا كثيراً ما تفوتنا نتيجة عواقب أفعالنا، ونهتمّ أكثر بالفائدة الفوريّة المُباشرة لأنفسنا فقط، (أي إنَّنا دائماً لا ننتبه إلى احتياجات الطبيعة لأنَّنا نفكّر أنَّ كلَّ شيء يجب أن يسير في صالحنا فقط، ولا نفكّر في النتائج السلبيَّة التي يمكن أن تؤثّر في الأشياء الأخرى في الطبيعة). أن "نفكِّر كجبل"، معنى ذلك أن نضع أنفسنا وسط البيئة، في صفّ المُحيط الأكبر، وأن نكون مُدركين، وعلى بيّنة، دورَ الطبيعة في حيواتنا.

يقول آرنه نايس:

أن نفكِّر كجبل هو...

أن نفهم أنَّنا جزء من المحيط الجغرافيّ أو المجال الإحيائيّ.

أن ندرك ونفهم مسؤوليّتنا تجاه كلّ الأشياء الحيّة.

أن نفكِّر في الاهتمامات البيئيَّة على المدى البعيد، وأن نعامل مُحيطنا وبيئتنا ككلّ، كصورة متكاملة.

يقول آرنه نايس:

"إذا فكَّر المرء في المستقبل، فينبغي له أن يكون وَفِيّاً للطبيعة" ). الصفحة (340).

36- (يعتقد البعض أنَّ من واجب الفلسفة البحث عن معنى للحياة، لكنَّ الفيلسوف الفرنسيّ، والكاتب ألبير كامو، يقول: "إنّ الفلسفة ينبغي لها أن تعترف بأنَّ الحياة بلا معنى". الشخص الذي يسمع هذه العبارة للوهلة الأولى يرى أنّها مفهوم عبثيّ يتحدّث من منظور كئيب متشائم نحو العالم، هذا في حين، يقول كامو، بعد أن نعترف فقط بهذه الفكرة يمكننا حينها أن نعيش الحياة بصورة متكاملة قدر الإمكان. (معنى ذلك، علينا ألَّا نبحث عن معنى للحياة، ويقصد أنَّ الاستمتاع بالحياة ليس بالبحث عن معنى لها، وإنّما إذا تقبّلنا فقط فكرة أنّ الحياة لا معنى لها، نصبح منسجمين كي نعيش حياة متكاملة) ). الصفحة (342).

{ قال تعالى: (( وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ (56) )). (سورة الذاريات) آية (56).

وقال تعالى: (( أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لَا تُرْجَعُونَ (115) فَتَعَالَى اللَّهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ ۖ لَا إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْكَرِيمِ (116) )). (سورة المؤمنون). }.

37- (إنَّ ثقافة الاستعمار الأوروبيّ تميل إلى أن تُساوي "الأسود" مع شيء غير نظيف، غير نقيّ، وقد نظر نظام الحكم الاستعماريّ إلى لون بشرتهم كعلامة للتحقير. وخلقت هذه النزعة صورة حول الذات لدى سكّان المستعمرات، وراحوا ينظرون إلى لونهم على أنّه أقلّ قيمة من البيض، وكان هذا هو هدف النظام الاستعماريّ). الصفحة (361).

كتاب (جذور المعرفة – تاريخ الأفكار الفلسفية)، المؤلف: أثمار عبّاس، الطبعة الأولى: 2022م – 1443هـ، دار نينوى للدراسات والنشر والتوزيع.