بسم الله الرحمن الرحيم
مقتطفات من كتاب ( موسوعة بلومزبري في (فلسفة الطب النفسي) )
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد
كتاب ( موسوعة بلومزبري في ( فلسفة الطب النفسي ) )، ترجمة: د. مصطفى سمير عبد الرحيم، تقديم: د. عبد الله بن سعيد الشهري، ابن النديم للنشر والتوزيع - الجزائر- وهران، دار الروافد الثقافية - ناشرون، الحمراء، بيروت - لبنان.
1- أجرى روزنهان زوجاً من الدراسات المشهورة التي من شأنها أن تقوِّض بشكل جذري المشروعية العلمية للتشخيص السريري، خاصة في نظر الجمهور. ففي دراسته الأولية اتفق روزنهان مع سبعة متطوعين آخرين على إدخال أنفسهم إلى عدة مصحّات عقلية. وأوعز إليهم ادعاء أنهم سمعوا صوتاً يقول لهم كلمتان " thud" و "hallow". وطلبَ منهم الإجابة بأمانة على جميع الأسئلة الأخرى. لقد اختار هاتين الكلمتين على وجه التحديد لأنهما لا تتوافقان مع نمط معروف من العُصاب في الـ DSM II. تمَ قبول إدخالهم إلى المصحّات العقلية، باستثناء واحد منهم تمّ إدخاله تحت تشخيص الفصام. وقضوا 52 يوم قبل أن يتم إطلاق سراحهم، بالرغم من حقيقة أنهم لم يمثّلوا أو يلعبوا دور ظهور أي أعراض لأي اعتلال ذهني، إلا أنّ روزنهان بدأ يلحظ أنّ أي سلوك يصدر عنهم يتم تأويله إلى علامة على اعتلالهم الذهني الأساسي. فالذي يدوّن بعض الملاحظات لغرض الاستفادة منها لاحقاً يتم تأويله على سبيل المثال إلى أنه ينخرط في سلوك كتابة غير عادي، ومن يتحدث مع الطبيب النفسي عن طفولته وأُسرته يتم تأويله إلى أنه يعاني من مشاكل الوشاية العُصابية في مرحلة الطفولة المبكرة. وبما أنّ هؤلاء الأشخاص لم يكونوا من الناحية الأخرى يعانون من الكرْب، ادّعى روزنهان أنّ العملية التشخيصية لم توضّح "الاعتلال الذهني" الأساسي في أيٍ من المرضى المزيفين، بل عوضاً عن ذلك، كانت العملية التشخيصية غير علمية وغير قابلة للتكذيب. بعد أن نشرَ روزنهان نتائج دراسته، سعت عدة مصحّات إلى تحدّي نتائجه من خلال إعادة التأكيد على صحة العملية التشخيصية. وادّعوا أنّ مصحّاتهم ما كانت لتنطلي عليها حيلة روزنهان وتحدّوه طالبين منه أن يرسل لهم مرضى مزيفين لأجل تحليلهم. وافق روزنهان على ذلك، وبالرغم من حقيقة أنه لم يرسل مرضى مزيفين بالفعل، إلا أنّ هذه المصحّات شككت في 41 مريض من مرضاهم الجُدد ( أي ما يعادل 20% من المرضى الجدد خلال 3 أشهر) على أنهم مرضى مزيفين أرسلهم روزنهان. على ما يبدو أنّ العملية التشخيصية لم تكن قادرة على الفصل بدقة بين المعتلين ذهنياً والأصحاء ). الصفحة (19-20).
{ ما الذي يعنيه أن كُلّ من يكتب ملاحظات دلالة على نوع من الكتابة غير العادي؟ هل هذا يعني أن كُل الموظفين الذين يكتبون الملاحظات في دفاترهم وأوراقهم لأجل العمل هم مرضى نفسانيين أو معتلّين ذهنياً برأي الطبّ النفسي؟
وماذا يعني أن كُلّ من يتحدّث أمام الطبيب النفسي عن طفولته فهو مُصاب بالوشاية العُصابية وما إلى ذلك هل هذا يعني أن كل من يراه الطبيب النفسي يتحدّث عن طفولته فهو مريض نفسي ولا ريْب لدى الأطباء النفسانيين والممرضين النفسانيين سواءً كان في المصحّات العقلية أو في الحياة العامّة؟ أم إن الطبيب النفسي والمُمرِّض النفسي يترك عمله في المصحّات قبل أن يخرج منها وبالتالي يتغيّر تشخيصه بالكامل خارج العيادة النفسيّة والطبّ النفسي؟ فهل هذا يعني أن لدى الطبيب النفسي ازدواجيّة في المعايير فكُل قرارات المريض النفسي دائماً خاطئة وتدلّ على مرض نفسي ما أمّا قرارات الأشخاص العاديين فدائماً حرّيّة شخصية لا ينبغي المساس بها؟
ما الذي يعنيه أن يُفسّر الطب النفسي كُلّ شيء صادر من المريض النفسي على إنه دلالة على مرض نفسي؟ فماذا عن مثل هذه الدلالات إذا رءاها لدى الناس العاديين في الحياة العامة خارج المصحّات العقلية وخارج الطب النفسي وخارج الدوام الرسمي له كأطباء نفسانيين وممرضين نفسيين؟ فهل سيشخّص الجميع على أنهم مرضى نفسانيين أم ماذا سيفعل؟ أليس هذا الأمر مشابه لمُصلِّح المكائن أو السيارات الذي أصبَح يرى كُلّ الناس على أنهم مكائن وسيارات فيقول عن هذا خرِب وهذا مُعطّب وهذا مُصدّي، فماذا سيقول حينها عنه الطب النفسي فهل هو عاقل أم مريض نفسي أم مجنون أما ماذا بالضبط؟ وفي كُلّ الأحوال ستكون إجابة الطب النفسي خاطأة لأنه إن كان عاقلاً فكأنه يسمح للجميع أن يتصرّفوا في الآخرين بما يحلوا لهم ويصبحوا أشبه بأطباء خاصّين بهم، فيُصبِح لدينا أطباء ميكانيكيين أو شيء من هذا القبيل فيظن الميكانيكي أن بمقدوره معالجة الناس بعلم الميكانيك وتصليحهم كما يُصلِح هو السيارات والمكائن، أما إن قال الطب النفسي أن ذلك ليس من حقّ الميكانيك أن يُعالِجوا الناس بعلوم الميكانيك، فإذن الطب النفسي ايضاً لا يحقّ لهم أن يُعالجوا الناس لأنه يُعالِج كمثل ما يريد الميكانيكي أن يُعالِج الناس، فهو يتعامل مع المرضى النفسيين كمثل ما يريد الميكانيكي أن يُعالِج الناس، فهو يُطبّق عليهم كُلّ علومه بحجّة أنه طبيب نفسي وممرض نفسي وبحُجّة أنّهم مرضى نفسانيين، ولكن الطب النفسي يُحلِّله ويبيحهُ لنفسه ويُحرّمه على غيره. كما إن تشخيص الطب النفسي لمرضاه يكون دائماً غير عادل لأنه يرى بأن علم الطب النفسي لا يسري إلّا على مرضاه ولا يسري عليه ولا على من هم ليسوا من مرضاه فهو بالمعنى الصريح ( يكيل بمكياليْن ) دون أن يُبالي ودون أن يُبالي أي أحدٌ آخر. وكأن الجميع مُتفّق على أن يكيلوا دائماً بمكياليْن ضدّ المرضى النفسانيين. وكذلك هو الأمر لدى الميكانيكي فالكُل يتّبع طريقته في تصليح سياراتهم ومكائنهم ولا يتّبعوا طريقة الطب النفسي في تصليح سياراتهم أو غيره ولكن من هو عميل (مريض) الميكانيكي هل هي السيّارة أم صاحب السيّارة؟ فإن كانت السيّارة هي المريض لدى الميكانيكي فكيف سيكون ردّ فعل الناس إذا قام صاحب السيّارة بإصلاح سيارته الخاصّة بطريقة مُختلِفة عن الميكانيكي فهل سيكون حينها مجنون أو مريض نفسي وبقرار ممن؟ هل هو بقرار من الطبّ النفس أو بقرار من الميكانيكي؟ فكيف سيُشخّص الطبّ النفسي مرض صاحب السيّارة إن لم يكن بالاستعانة وباستشارة خاصّة من الميكانيكي والميكانيكيين في كيفيّة تصليحه لسيّارته وأي قوانين علميّة قام باختراقها؟ فمن حينها سيكون له قرار تشخيص صاحب السيّارة على أنه مجنون أو مريض نفسي هل هو الميكانيكي والمكانيكيين أم الطبّ النفسي؟ }.
2- عندما كان عمري 17 عاماً، أصبحتُ مكتئباً جداً لدرجة أنّ ما شعرتُ به كان أشبه بثقب أسود هائل ظهر في صدري. لا يفارقني أينما ذهبت. ولكي أُعالِج مشكلة الثقب الأسود، أخذني والداي إلى طبيبة نفسية في مستشفى جونز هوبكنز. فأجرت تقييماً وأخبرتني هذه القصة: "المشكلة فيك"، ووضحّت قائلةً، "إنّ لديك خللاً في التوازن الكيميائي. إنه بيولوجي تماماً مِثلَ مرض السكري، لكنه في دماغك. حيث تكون المادة الكيميائية في دماغك المسمّاة السيروتونين منخفضة للغاية. ولا يوجد ما يكفي منها، وهذا ما يُسبِّب خللاً في التوازن الكيميائي. فنحتاج أن نعطيك دواءً لتصحيح ذلك". ثم سلّمت والدي وصفة طبّية للبروزاك). الصفحة (115-116).
{ما الذي يعنيه إنه مثل مَرَض السُكّري؟ هل هذا يعني إنه لا فرار منه ولا علاج؟
ولكن ماذا لو أنه اختفى عنه المرَض؟ فهل سيكون قد تعالج من مرضه ولم يعُد بحاجة إلى الدواء؟ أم إنه يجب أن يأخذ الدواء كما مرضى السُكّري تحسّباً لأي انتكاسة؟
فإن كان الأمر كذلك فلماذا لا يُوضع تحت المُراقبة عند اختفاء الأعراض ونقصد المريض النفسي وليس المريض بالسُكّري، ثم يتم إلغاء الدواء عنه دفعةً واحدة لرؤية الأعراض الجانبية لترك العِلاج فإن لم تظهر أي أعراض جانبيّة فهذا يعني أن المريض النفسي لم يعُد بحاجة إلى العلاج أو الدواء لأنه تعالَج فعليّاً من مرض الاكتئاب أو من مرضه أيّاً كان مرضَه النفسي وبالتالي يبدو جَليّاً أن المرَض النفسي ليس كمرَض السُكَّري لا من قريب ولا من بعيد, فلماذا إذن تقول له الطبيبة إن مرضهُ كمرض السُكَّري, فهل يُعقَل أن الطب النفسي لم يُجرِّب قطع العلاج عن المرضى النفسيين ليرى الآثار الجانبية للتوقّف عن العِلاج؟ أم إنه أي الطب النفسي والطبيب النفسي لا يريد لأحد أن يظن بأن هناك علاج من المرَض النفسي ويريد أن يُصدِّق المريض بأن مرضَه مُزمِن رغم إنه يعلم بأن مرضَه ليس بمزمن؟ فما الذي يعنيه هذا؟
وما الذي سيحدث إن توقّف مريض السُكَّري عن أخذ دواءه؟ ألن يُصاب بأعراض مرَض السُكّري على الفور أو قريباً؟
ولكن ما الذي سيحدث إن توقّف المريض النفسي عن أخذ دواءه؟ ألن يرى بأنه لا شرّ عليه ويتأكّد حينها بأنّه ليس كالمريض بالسُكّري وسيجد نفسه لم يُصاب بأي مرَض سوى إنّه لم يعد يأخذ العلاج أو الدواء كمثل الذي شرب دواء أو أخذ دواء الزُّكام أو النزلة البرديَّة ثم وبعد أن تعالَج من زكامه ترك العِلاج ولن يجد أحد أن الأمر غير ذلك فماذا سيفعل حينها الطبّ النفسي؟
ألن يُهدّده بالحجز في الطبّ النفسي إن لم يأخذ علاجه، فماذا لو رضَخ المريض النفسي السابق لأوامر الطب النفسي واشترى العِلاج أو الدواء ثم وبعد ذلك تركَه مخزِّناً عندَه لا يقربه؟ فماذا سيفعل الطب النفسي؟
ألن يطلب بعد ذلك من المريض النفسي السابق أن يحضر للمواعيد مع الطبيب النفسي في الطب النفسي ليعطوه العِلاج بالإبرة ليتأكّدوا من إنّه يأخذ علاجه؟ فما هي إذن الأدوية التي يأخذها المريض النفسي السابق والتي يريد منه الطبيب النفسي والطب النفسي الاستمرار في شرائها وأخذها؟ فهل هي أدوية مُضاعَفة أم ماذا؟
وهل هي حقاً أدوية لعلاج مرَض نفسي أو مرَض جسدي مُعيّن أم إنها مُجرّد مهدئات لا فائدة منها سوى أن تُري الجميع بأن المريض النفسي السابق لا يزال مريضاً نفسياً ولم يتعالج من أي مرَض كما يظن هو المريض النفسي السابق نفسه؟ فلا يُمكِن إلّا أن يكون الأمر كذلك ولا ريْب والعلم كُلَّه عند الأقدم الأقدم فهو الأعلم والله ولاريْب يعلَم ُ ذلك. }.
3- (1-1. ألسنا نعلم بالفعل أنّ الحالات الطبية النفسية تقترن باستمرار باختلافات كيميائية معينة؟
الإجابة المختصرة هي "ليس صحيحاً". لا يعني هذا القول إنه ليس هنالك دليل على وجود اختلافات كيمايئية متوسطة بين الأشخاص الذين يعانون من بعض الحالات الطبية النفسية والأشخاص الذين لا يعانون منها، لكنّ هذا الدليل (أعتقد أنّ معظم الأطباء النفسيين وعلماء الأعصاب سيتفقون على ذلك من دون تردد) غير قاطع. قد يكون هذا مفاجئاً، بالنظر إلى انتشار فكرة أنّ الحالات الطبية النفسية هي اختلالات في التوازنات الكيميائية. لكن أولاً، تذكّر أنه عندما يتم تشخيص المرء بالإكتئاب، أو الفصام، أو اضطراب نقصان الانتباه، إلخ، فإنّ تشخيصه لا يستند إلى أي قياس لمستوياته "الكيميائية" الفردية - إذ لا يتم إجراء اختبار للدم أو غير ذلك من الفحوصات المختبرية. " العقاقير الطبية النفسية تعالج الاضطرابات النفسية بنفس الطريقة التي يعالج فيها الأنسولين مرض السكري" إذ يكتب قائلاً:
عندما يتم وصف الأنسولين لمرضى السكري، فإنه لا يكون إلا بعد إجراء اختبار موثوق لمستوى أيض الجلوكوز لدى المريض، ومن خلاله، في غالب الحالات، يمكن الاستدلال على نقص الأنسولين. يمكن أن تستند جرعة الأنسولين الموصوفة إلى التقدير الجيد على نحوٍ معقول لمقدار النقص. علاوة على ذلك، لدينا كذلك فهم جيد لكيفية تنظيم الأنسولين لأيض الجلوكوز وكيف يمكن أن يؤدي نقصان هذا الهورمون إلى ظهور أعراض مرض السكري. في تناقض حاد، إنّ الطبيب النفسي لا يُجري فحصاً مختبرياً لتحديد ما إذا كان لدى المريض الذهني أي زيادة أو نقصان في المواد الكيميائية:
والأكثر من ذلك، أنّ الطبيب النفسي لن يعرف على وجه اليقين أي نوع من الفحص المختبري يتعين إجراؤه، لأنه ليس هنالك إجماع حالي بشأن أي الاختلافات الكيميائية يمكن أن تُعبّر بشكل موثوق عن الحالات الطبية النفسية المختلفة). الصفحة (120-121).
{ ألا يعني هذا أنَّه ليس هنالك سبب لإعطاء المريض النفسي أي علاجات أو أدوية، فإن كانت المستشفى لا تعطي أدوية ولا تصرف أدوية فما الفائدة من وجودها أو الذهاب إليها سوى لكي يمثّلوا تمثيليّتهم المُعتادة بأنّهم الأعلم بصحّة المريض والأحرص على سلامته أكثر حتّى من نفسه، فكيف يكون الغريب أحرص على المرء في سلامته وصحّته ونفسيّته ووظيفته وحياته؟ إلّا إذا كان ذلك فقط في عقل الطبيب النفسي والممرض النفسي والطب النفسي.
وإن قال الطبّ النفسي أنّ علاج المريض النفسي يكون بالحديث والكلام والغوْص في الذكريات، فلماذا لا يقول الطبيب النفسي أسراره للمريض النفسي كما يحب أن يقول له المريض النفسي كل أسراره ثم يتّهمه بشتّى تُهم الأمراض فيتّهمَه بمرض النفسي كذا ويتّهمَه بالمرض النفسي كذا ثم يحكم عليه بالحجز النفسي لمدّة كذا وإن خرج من الطب النفسي بعد قضاء مؤبّده في الحجز في الطب النفسي حُكِم عليه بالملاحقة الأبدية التي لا فكاك منها من قِبَل الطبّ النفسي وحتّى المرضى النفسيين الآخرين، وتحوّلوا الناس من حولِه بقدرة الطب النفسي إلى أطباء نفسيين وممرضين نفسيين ومرضى نفسيين وعائلات نفسية وأصدقاء نفسيين وغرباء نفسيين وشرطة نفسيين وطب نفسي.
وإن قال الطبّ النفسي أن المريض النفسي هو مريض نفسي بسبب غرابته في مجتمعه، فهل هذا يعطي الغرب الحقّ بأن يأسر المسلمين لديه في الطبّ النفسي بحجّة أن لباس نسائهم غريب ونقصد العباية والنقاب وبسبب كوْن عائلاتهن يرضون ذلك لهن ولا يفرضن عليهن الحرّية الغربية ولا يأسروهن بالحرّية الغربية الإجبارية؟
وماذا عن العرب الخليجيين ألن يروا هم أيضاً بأن عُرِيّ المرأة الغربية غريباً ولا يتماشى مع العادات والتقاليد الخليجية وبالتالي يستحق أن يحكم الطبّ النفسي الخليجي على المرأة الغربية غير المُحتشِمة بالمؤبّد النفسي الخليجي ومعها عائلتها التي رضَت لها هذا العُريّ ورضَت لها عدَم الاحتشام.
وكذلك الأمر إذا رأى الخليجي خليجي آخر يعبد بوذا فلن يجدّ بدّاً من الاتصال على الطبّ النفسي ليأخذه إلى الطبّ النفسي وكذلك سيفعَل الطبّ النفسي الخليجي دون أن يرمش له جفن، والأمر مشابِه للبوذي المتديّن في عائلة بوذيَّة متديِّنة إذا ما أسلم فسيتم أخذه على الفور إلى الطبّ النفسي بحُجّة أو من غير حُجّة ولكن بتهمة المرض النفسي الخاص بخيانة بوذا والبوذيَّة أو شيء من هذا القبيل، فيتمّ أخذه إلى الطبّ النفسي ويتم التحقيق معه بهذه التهمة المرضية النفسيَّة وستتم تعريته وكشف أسراره الخاصّة قبل السياسية بحنكة وذكاء الطبيب النفسي ودهائه ومن وراءه الطبّ النفسي والممرضين النفسيين والمرضى النفسيين والشرطة النفسية في قطار المجانين.
أفلا يبدو بعد ذلك بأن الطبّ النفسي ما هو إلا عصابة وأداة في يد الدول لتسجن وتأسر وتقبض على كل من يزعجها وليس لديها عذر قانوني بالقبض عليه فتأمر الطب النفسي بالقبض عليه بلا أيّ تهمة ليحكم عليه الطب النفسي بالمؤبّد من غير أي جرم أو تهمة أو جُنحة، سوى إنزعاج السُلطات الحكوميَّة منه… هذا والله أعلم والأقدم الأقدم هو الأعلم والسلام }.
4- 5 السؤال 5: ألا تُظهِر الاختلافات الدماغية التي كشفها علم الأعصاب (وسيستمر في الكشف عنها) أنّ الحالات الطبية النفسية المقترنة يتم تسبيبها في البداية بواسطة شيء "بيولوجي" - مثل، التباينات الوراثية، الآفات الدماغية؟
قبل مباشرة الإجابة على هذا السؤال، من المهم أن نلاحِظ أولاً، أننا نمتلك بالفعل أدلة علمية متينة على أنه عملياً لا توجد حالات طبية نفسية ناتجة مبدئياً (بشكل حصري) عن شيء بيولوجي. لذلك، من الناحية التقنية، نحن نعلم مسبقاً أنّ الاختلافات الدماغية لا يمكنها أن "تُثبت" ذلك،, لأنه ليس صحيحاً في المقام الأول!
ثانياً، على أية حال، للإجابة بشكل مباشر وكامل على هذا السؤال، من المهم السعي إلى تفريغ ما هو مطلوب بالفعل. فعلى الرغم من أنّ أشخاصاً مختلفين يطرحون هذا السؤال لأسباب مختلفة، إلا أنّ ظني هو أنّ الكثير منهم يأملون في أن يتم الكشف عن سبب بيولوجي يُعطي مصداقية لفكرة أنّ الاختلافات الذهنية المعنية هي، في الواقع، أمراض. وهذا منطقي: فعندما نفكّر بشأن الأمراض بشكل عام، نُلاحِظ أنها غالباً ما يتم تعريفها من خلال أسبابها البيولوجية. فمرض هنتنغتون يتم تعريفه من خلال الاحتكام إلى الطفرة الوراثية التي تسببه، والتهاب الحلق يُعرّف من خلال الاحتكام إلى بكتيريا التي تسببه، إلخ. وعليه، حتى لو لم يكن وجود الاختلاف الدماغي بحد ذاته يوحي بأنّ الاختلاف الذهني المعني هو مرض أو اختلال وظيفي، عندئذ (قد يعتقد البعض) ربما وجود السبب البيولوجي سيؤكد حالته المرَضية.
ولكن هنا، مرة أخرى، يمكننا توضيح أنّ الاختلافات الدماغية التي كشف عنها علم الأعصاب لا تُظهِر بحد ذاتها بالضرورة أنّ تلك الأسباب الأولية للاختلافات كانت بيولوجية. في الواقع، لا الاختلافات في وظيفة الدماغ ولا في التركيب توحي بالضرورة بوجود سبب أولي وراثي أو بيولوجي. والأهم من ذلك، حتى لو كانت تلك الأسباب للاختلافات الدماغية بيولوجية، فلن يستلزم ذلك أنّ الاختلافات الذهنية التي تتوافق معها هي أمراضٌ بالفعل.
أولاً، خذ بعين الاعتبار، وركّز على فكرة السبب الواراثي. فحتى لو كان للتأثير المعين سبب وراثي بنسبة 100% (أي حتى لو تمّ تحديده بالكامل من خلال تباينات في جينات معينة أو جين معين)، لا يعني ذلك أنه مرض. خذ بعين الاعتبار لون العين. إذ يتم تحديده بنسبة 100% (تقريباً) من خلال تباينات في جين معين، لكن من الواضح أنّ امتلاك عيون بنية أو عيون زرقاء أو عيون خضراء وما إلى ذلك ليس مرَضاً). الصفحة (144-145-146).
{ بما أنّه ليس هناك حالات طبيَّة ناتجة عن شيء بيولوجي، فإذاً لماذا يقوم الطبّ النفسي بإعطاء المرضى النفسيين أدوية طبّيَّة؟
ولماذا يعتمد الطب النفسي على الأدوية الطبّيَّة في علاج المرضى النفسيين؟ أليس هذا من باب العبَث وتضييع الوقت؟ فكأنّي بالطبّ النفسي يعطي المريض النفسي قطعة دجاجة ليأكلها لأنَّه مريض بالسرطان، فما دخل هذا في ذلك وما علاقة هذا بذاك؟
إذن فعلى الطبّ النفسي أن يعطي مرضاه النفسيين أدوية خاصّةً به ألا وهي الأدوية النفسيّة، والأدوية النفسيَّة يجب أن تكون نفسية كما هو اسم الطبّ النفسي وإلّا يكون قد تعدّى حدوده ودخل في مجال الطبّ العام أو مجال الطبّ الجسدي. إذن فيجب أن تكون أدوية الطبّ النفسي خيالية كما هو اسمه الخيالي ( أي النفسي )، فيطلب الطبّ النفسي من المريض النفسي أن يتناول أدوية خيالية وهمية في الخيال عند كُلّ موعِد إن كان الطبّ النفسي لا يزال مُصرّاً على أن يتناول المريض النفسي الأدوية ليثبت مثلاً إنَّه لا يزال الطبّ النفسي له علاقة بطريقةً أو بأخرى بالطبّ وأدويته، فيُعلَم حينها إن قام الطبّ النفسي بالطلب من المرضى النفسيين أن يتناولوا الأدوية الخيالية التي من صنع خيال الطبّ النفسي ومن صنع خيال المريض النفسي بأن الطبّ النفسي بأطبائه النفسيين وممرضيه النفسيين ومرضاه النفسيين الذين لا وظيفة لهم في الطبّ النفسي سوى إدلال وتوجيه المرضى النفسيين الآخرين على الأمراض النفسية وأعماقها ما هم في الحقيقة إلّا زمرة مجانين ولا شيء آخر.
وإن محاولة جعل كُلّ تصرّف يبدُر من المرضى النفسيين يُعدّ مرض نفسي فإن هذا سيفتح باب الجنون على مصراعيْه لدى الطبّ النفسي ولدى المؤمنين به، حيث أن كُلّ فعل يبدُر من المرضى النفسيين سيتم تأويله على أنَّه مرض نفسي، وبالتالي يجب تجنّبه كما يُتجنَّب التلوّث النووي، مما سيفتح الباب للوسواس، وسيُصبِح المرضى النفسيين فزّاعات للعاقلين من كُلّ شيء متعلّقٌ بهم، وسيُصبِحوا الأطباء النفسيين والممرضين النفسيين والطبّ النفسي بأسره أنبياء ورُسل للمرضى النفسيين يوسوسون للناس في هذا وذاك مما بدَر من المرضى النفسيين، وفي النهاية سيكتشفوا زمرة المجانين هؤلاء كُلّهم من الطبّ النفسي والأطباء النفسيين والممرضين النفسيين وعملائهم من المرضى النفسيين وأتباع الطبّ النفسي والمؤمنين بهم كُلُّهم وبالطبّ النفسي أن التنفّس أيضاً من خصائص المرضى النفسيين فماذا سيفعلوا حينها؟ فهذا الله أعلَم به والأقدم الأقدم هو الأعلم }.
5- (إضافة إلى ذلك، فإنّ الأسباب "غير البيولوجية" كالبيئة يمكن أن تغيّر ليس فقط وظيفة الدماغ، بل التركيب الدماغي. وبالتالي، فإن أي ميزة معينة من التركيب الدماغي نراها مقترنة بالحالات الطبية النفسية قد تكون على الأقل من الناحية النظرية هي نتيجة، أو نتيجة جزئية، عن البيئة.
هنالك وفرة من الأدلة التجريبية التي تُثبت أنّ البيئة يمكن أن يكون لها تأثير عميق على التركيب الدماغي. فقد ثبُتَ أنّ البيئة تُغيّر الآتي: حجم الدماغ ووزنه الكلي، تكوين الخلايا العصبية ( "ولادة" خلايا عصبية جديدة)، تكوين الخلايا الدبقية ( "ولادة" خلايا دبقية جديدة)، التفرّع التشجّري (عدد الفروع التي يحوزها أحد أجزاء الخلية العصبية - وبالتالي، شكل الخلية العصبية)، تكوين المشبك العصبي (تكوين مشابك جديدة).
ففي أحد الأمثلة الدقيقة، هنالك أدلة على أنّ البيئات "الخصبة" للفئران (المتضمنة مزيداً من المساحة، واللُعَب، والسلالم، وما إلى ذلك) تُسبِّب زيادات في جميع الميزات التركيبية المذكورة أعلاه. وعلى العكس من ذلك، ارتبطت أنواع معينة من البيئات المُرِهقة بانخفاض التكوين العصبي والتغيرات التركيبية الأخرى. فعلى سبيل المثال، تذكر شيلاين: "هنالك أدلة أيضاً على أنّ الإجهاد يُنتِج تلفاً عصبياً وتغيرات تركيبية في النماذج الحيوانية وعلى نحوٍ محتمل في البشر، على الرغم من أنّ الأدلة الحديثة عن البشر مستمدة من دراسات اضطراب الكرْب ما بعد الصدمة". كما تؤكد دراسات معتمدة أخرى على التأثير الذي قد تُحدثه البيئة على تركيب الدماغ. كما هو الحال في المثالين التليين، هنالك أدلة جيدة على أنّ حجم المادة الرمادية في البشر يتغيّر من خلال تعلّم الغِش وتقترن التغيرات التركيبية في مناطق الحُصين لسائقي سيارات الأجرة باكتساب المعرفة التجوالية لسائقي سيارات الأجرة.
وهكذا، فإنّ الاختلافات الدماغية الوظيفية والتركيبية التي كشف علم الأعصاب حتى الآن أنها تقترن بشكل تقريبي بالحالات الطبية النفسية قد تكون ناجمة عن البيئة، أو الجينات، أو (على الأرجح) من خلال الجمع بينهما). الصفحة (147-148).
{إن كانت البيئة إحدى المُتسببات بالأمراض النفسيَّة أفلا يعني ذلك أن حجز المرضى النفسيين في الطبّ النفسي، هو إجبارهم على الجنون بدَلَ علاجهم فتسوء حالاتهم الصحيّة والنفسية؟ إذن فالعيش بين المجانين يُولّد الجنون، فيجب إبعاد المرضى النفسيين عن المرضى النفسيين الآخرين وليس التقريب بينهم وليس تعريفهم على بعضهم، إلّا إذا كان القصد كما أسلفنا من قبل هو تعليم المرضى النفسيين الامراض النفسية من بعضهم ليعدوا بعضهم ويتمارضوا بما ليس فيهم من أمراض، وليس ذلك لشيء من الطبّ النفسي أيّ أنّ الطبّ النفسي لا يفعل ذلك ويتعمّد فعله إلّا لكي يطمئن بأن من لديه هم بالفعل مرضى نفسيين ويحقّ له إهانتهم وتعريتهم كما يشاء دون خوف من قانون أو من لا قانون حتّى. ومن هنا نرى بأن حجز المرضى النفسسين في الطبّ النفسي هو أمرٌ خاطئ بالكامل لأنه يُمرضهم بدَلَ أن يُعالجهم ولكن لا عقل لمن تُنادي.
ولنبتعد قليلاً عن الطبّ النفسي ونتحدث عن السجون أفليس الأمر مشابه لهم هم أيضاً فوضع المجرمين معاً في السجن هو تعليمهم جرائم بعضهم ونشر عدوَا جرائمهم وشرُّهم بينهم فيخرج السجين من السجن وقد اغتنى بالعقول المجرمة التي رئاها وتعرَّف عليها في السجن والسجون فيُصبِح أكثر خطورة في القيام بجرائمه وأكثر دهاءاً في إخفاء جرائمه… هذا والله أعلم والأقدم الأقدم هو الأعلم}.
6- (لم يكن أبداً دور الطبيب النفسي المستشار إقناع المريض بالموافقة على العلاج المقترح. ففي بعض الأحيان تُطلب الاستشارة من الأطباء النفسيين بشأن حالة ما مع توقّع أنّ المريض يمكن أن يكون مفتقراً إلى القدرة على رفض العلاج، بحيث يمكن للطبيب المعالج أن يمضي قُدُماً كما هو مخطط أمام اعتراض المريض. عندما يُقصد من العلاج الموصى به استعادة القدرة، فقد تكون هناك أوقات يكون فيها ذلك جائزاً أخلاقياً، لكن لا يمكن للمرء افتراض تلك الجوازية في جميع الحالات. وأحياناً يتوقع الطبيب المعالج من الطبيب النفسي أن يوثّق الافتقار إلى القدرة على رفض العلاج وإقناع المريض بعدم الاعتراض على العلاج. كما ذكرنا سابقاً، مثل هذا الاتفاق هو للقبول بـ، وهو دائماً ما يكون فشلاً في الموافقة المستنيرة. فالقبول بالعلاج لم يكن أبداً هدفاً أو من مسؤولية الطبيب النفسي المستشار). الصفحة (387).
{ألا يعني ذلك أن الطبّ أيضاً يستعين بخدمات الطبّ النفسي، كفزّاعة ومُهدِّد بالحُكم النفسي الأبدي في الطبّ النفسي، إذا ما رفض المريض في الطبّ أيّاً كان ذلك الطبّ سواءً كان طبّ الجراحة أو طبّ الطوارئ وما إلى ذلك من تفرّعات الطبّ المختلفة العلاج المُقترَح له من قِبَل الطبّ؟ ألا يعني هذا أنّ من يرفض علاج الطبّ فإن الطبّ سيفعل أي شيء ليُقبِّلَه بالعلاج سواءً عن رضى من المريض أو عن رفضٍ منه وعدَم قبول. فإن رفض المريض العلاج فقد يطلب الطبّ من الطبّ النفسي أن يأتي إلى المريض الرافض ليغتصبه بالعلاج النفسي ثم يأمره الطبّ النفسي أن يقبل باغتصاب الطبّ له بالعلاج الرسمي وهو راضٍ وإلّا أدخلوه الحجز في الطبّ النفسي، بالرغم من أنَّه سيدخل الحجز في الطبّ النفسي عاجلاً أم آجلاً حيث إن إبرة الطبّ النفسي في المؤخِّرة أشبه ببول الحيوان على منطقته ليُحدّدها ويُحدِّد عليها، حتّى لا تهرب منه منطقته بعد ذلك أبداً. وليس ذلك كُلُّه لشيء سوى ليحصل الطبّ على الأموال من علاج المريض الرافض. فماذا لو كان المريض الرافض للعلاج فقيراً أو لن يدفع له أحد ثمن العلاج؟ فهل كان سيُصرّ الطبّ على علاجه وهل كان سيطلب الطبّ النفسي له، أم كان سيطرده من المستشفى بحُجّة أن هناك من يحتاج إلى سريره من مرضى آخرين قد يكون لديهم بعض الأموال التي يمكن للطبّ أن يغتصبها منهم بطريقةٍ أو بأخرى ولو أن يطلبّ لهم الطبّ النفسي ليغتصبهم نفسيّاً ويحكم عليهم بمؤبّد الطبّ النفسي الذي لا فكاكَ من مواعيده، وإن رفض المريض النفسي حضور المواعيد جلبوا له الطبّ النفسي الشرطة وهم معهم ليقبضوا عليه في منزله ويُعرّوه بالاغتصاب أمام أهله ليغتصبوه أخرى بالعلاج، بُجنحة أنه لم يأتي لمواعيد الطبّ النفسي. فهل بعد ذلك يُمكِن للعاقل أن يُسمِّي الطبّ والأطباء ملائكة أو حتّى أن يصفهم بالطِيب أو يقول عنهم طيّبين أم سيقول عنهم إنّهم مُجرَّد مغتصبين للمرضى بقرار من وزارة الصحّة… هذا والله أعلم والسلام على عقلٍ يُفكّر ويعقل والأقدَم الأقدَم هو الأعلَم}.
7- ( على أية حال، قبل مناقشة المكونات الأخرى للموافقة المستنيرة، من الضروري معالجة المكوّن الذي يُعدّ أكثر إشكالية بالنسبة للطب النفسي من التخصصات الطبية الأخرى: الطواعية. يفرض المجتمع العلاج على الأشخاص المصابين بالاعتلال الذهني الذين تجعلهم أعراضهم يشكلون خطراً على أنفسهم أو على غيرهم، وسواء أن عجبهم أم لم يُعجبهم، يمثّل الأطباء النفسيون أدوات ذلك الفرض أو الإجبار. على الرغم من الإصلاحات القانونية في الستينات والسبعينات التي حدّت من نطاق قوة الطب النفسي للعلاج والاستشفاء الطبي النفسي غير الطواعي، إلا أنه لا يزال الطب النفسي يحتفظ بالدور الاجتماعي لحماية الأفراد المصابين بالأمراض الذهنية والمجتمع ككل من العنف أو الإهمال الناجم عن الأعراض الطبية النفسية. وبالتالي، يتساءل بعض الشرّاح الأكاديميين عمّا إذا كانت الموافقة المستنيرة لها صلة بالممارسة الطبية النفسية من الأساس. نعتقد أنّ لها صلة، لكن مع ذلك للطب النفسي تاريخ طويل عن العلاج القسري، وكما رأينا، من دون الطواعية، تكون الموافقة المستنيرة محل نزاع.
يسعى الأطباء النفسيون إلى التعاون مع المرضى إلى أقصى حد ممكن، لكنّ الاستشفاء غير الطوعي يخلق بشكل تلقائي علاقة تخاصمية بين الطبيب والمريض. والمرضى الملتزمون بشكل غير طوعي يعرفون أنّ الطبيب النفسي، أو على الأقل المؤسسة، قد قسّمت الولاءات بين المريض والحكومة. إنّ اتخاذ قرارات العلاج معاً أثناء الاستشفاء غير الطوعي لا يحلّ المشكلة، لأنّ الموقف نفسه قسري. فالأدوية التي تُعطى رُغمَ اعتراض المريض، أو التهدئة الطارئة المستخدمة للسيطرة على السلوك العدواني للمريض دائماً ما تكون إجبارية، سواء أن كانت أم لم تكن مسوّغة طبياً. حتى عندما يختار المريض الملتزم بشكل غير طوعي المشاركة بالفعل في العلاج، فإنّ الاستشفاء غير الطوعي يحول دون إمكانية الحصول على موافقة مستنيرة. قد يكون الهدف من العلاج غير الطوعي إنكار الطواعية في استعادة القوة الأخلاقية التامة، لكنه يحول دون الحصول على الموافقة المستنيرة). الصفحة (389 - 390 ).
{ ماذا يعني استخدام التهدئة الطارئة ضدّ المريض النفسي للسيطرة على السلوك العدواني؟ هل هذا يعني إنّه لم يعد يحقّ للمريض النفسي إظهار أيّ سلوك عدواني حتّى لو كان دفاعاً عن النفس وإلّا أتي إليه الطبّ النفسي في أيّ مكان حتّى لو كان في عمله وعرّاه بالاغتصاب أمام الجميع وأمام زملائه ليهدّئوه؟ وهل هذا يعني أنَّه أصبح للمجتمع كُلُّه القُدرة على نهب والاستيلاء وتجاهل حقوق المريض النفسي بسلطان وتأييد من الطبّ النفسي وبموافقة ومباركة الشرطة والحكومة لذلك وبدعم ومساندة منهم للطبّ النفسي على المريض النفسي؟
وإذا كان الطبّ النفسي نصَّبَ نفسه شرطة اجتماعية لا ترى ولا تقبض ولا تُعاقِب إلّا المريض النفسي، بحجّة إنّه غريب الأطوار ويخالف في عاداته عادات وتقاليد المجتمع، فهل هذا يعني إنّه مؤذي لأحد؟ أم إنّه مثل أي أجنبي في دولة أجنبيّة له عاداته وتقاليده الخاصّة به؟ إذن يبدو أن المريض النفسي هو في الحقيقة الإنسان الأجنبي في البلاد الأجنبيَّة فقط لا غير، فهو أي المريض النفسي غالباً لا يكون مؤذي لأحد إذا ما تُرِك في حاله ولوحده، أمّا الخطر الحقيقي فهو لدى من يأذون المجتمع بأمورهم وأعمالهم كتجّار المخدرات ولكنّ الطبّ النفسي لا يرى أي بأس فيهم ويراهم بشرٌ عاقلين راشدين يتمّ التعامل معهم باحترام على حسَب القانون حتّى إذا ما قُبِض عليهم أمّا المريض النفسي فيتمّ على الفور استخدام التهدئة الطارئة معه لسبب أو لغير سبب باغتصابه بالتعرية أمام المارّة والجميع وإغتصابه بالعلاج وكأنّهم يجرّدونه أمام الجميع من إنسانيّته وكينونته كبشر، فلا يبقى له أي حقوق تُذكَر وحتّى أمواله لم يعد يُعرَف قد أصبحت لمن؟ وبيد من بالضبط؟ إن كان سيتم التحقيق معه من قِبَل الطبّ النفسي على كلّ دولار يصرفه لماذا صرفه وفي ماذا صرفه ومن كان معه عندما صرفَه وكأنّه المريض النفسي يسرق من أمواله الخاصّة فيجب أن يكون ذلك بموافقة أهله وإلّا لا أحد يعرف متى سيُقبَض على المريض النفسي أفي الظُهر أم العصر ثم قد لا يُعرَف متى سيخرج من الحجز في الطبّ النفسي أبعد شهرين أم ثلاث أم إلى المؤبّد في الحجز النفسي والسجن وبإس المصير… هذا والسلام وكفانا الله شرّ الطبّ النفسي والأقدم الأقدم هو الأعلم والسلام على من رحِمَ نفسه وأكرمها من الطبّ النفسي }.
8- ( تُعتَبَر الموافقة المستنيرة أساسية في الطب النفسي كما هو الحال في التخصصات الطبية الأخرى. ومع ذلك، على العكس من التخصصات الأخرى، فإنّ تاريخ العلاج غير الطوعي في الطب النفسي يُلقي بظلاله الطويلة على الثقة بالعلاقات بين المريض والطبيب الضرورية للموافقة المستنيرة. عندما تكون المعالجة غير طوعية، تكون الموافقة المستنيرة غير ممكنة، لأنّ الطواعية إحدى المكونات الخمسة للموافقة المستنيرة وجزء من القوة الأخلاقية. وعندما تكون المعالجة طوعية، فإن الأشخاص الذين لديهم سجلاً من المعالجات غير الطوعية قد يعانون من انعدام ثقة مستمر ومُبرّر. قد يكون كذلك كسب الثقة والتثقيف صعباً للمرضى الذين جعلتهم أعراضهم الطبية النفسية حذرين، متناقضين، غير حاسمين، مذعورين، ضعيفين إدراكياً، أو مقيدين بأعراض أخرى يُراد من المعالجة التعامل معها. في هذه الحالات، يمكن أن يكون الصبر والجهد المستمر لاستعادة وتأكيد القوة الإبستمية والقوة الأخلاقية مع مرور الوقت مجزياً. إنّ تذكير المريض بمقدرته على طرح الأسئلة، وقف أو تأجيل العلاج، تغيير رأيه غالباً ما يوفّر تطمينات بشأن العلاقة وبشأن قوته التي تجعل الموافقة المستنيرة على المعالجة الطبية النفسية ممكنة ). الصفحة (400 ).
9- ( في هذا الفصل سأستكشف عدة نقاط، مع التركيز بشكل أساسي على الاهتمامات السريرية، على الرغم من أنّ عدداً منها له صلة بأخلاقيات البحث. تركّز مناقشة ضغط العلاج بشكل تقليدي على الإكراه، أو، بشكل تقريبي، على استخدام القوة أو التهديدات لحمل الشخص على فعل شيء ما لم يكن ليفعله بخلاف ذلك. سأتتبع الأمر هنا، بداية من دراسة أهميته المفاهيمية إلى جانب فئات التأثير الأخرى، بما في ذلك التلاعب والإقناع. في الظرف الحالي، ليس هنالك شيء قريب من الإجماع حول هذه الموضوعات، لكنّ الفهم الواسع نسبياً للإكراه يمكن أن يبقى مفيداًً للتباحث الأخلاقي. كذلك هنالك مجموعة متنامية من المؤلَّفات التجريبية حول الإكراه في الطب النفسي، بما في ذلك الأبحاث حول استخدام التدابير الإجبارية كالاستشفاء غير الطوعي، التقييد الجسدي، الأدوية الإجبارية، وكذلك بناء "الإكراه المتصوَّر"، الذي يتتبّع تجارب المرضى لضغط العلاج سأصِف بشكل موجز بعض النتائج الرئيسية وعلاقتها بالتوصيات المحددة للتقليل من الإكراه ). الصفحة ( 406 ).
10- ( … يمكن ملاحظة ظاهرة الإسكات عندما حثّ تهديد القوة السوداء للأفراد البيض أثناء حركة الحقوق المدنية على تشخيص جديد سُمّي بـ "ذهان الاحتجاج". أدّى هذا التشخيص إلى ازدياد عدد الذكور الأمريكيين من أصول أفريقية الذين تمّ اعتبارهم مصابين بالفصام. يجادل جوناثان ميتزل بأنّ الزيادة في التشخيصات بين هذه المجموعة كانت سياسية، لا سريرية ( حتى لو اعتقد العديد من الأطباء أنهم قد حددوا ظاهرة سريرية جديدة )، غيرَ أنها عملت كتفسير لسبب احتجاج الأشخاص السود ضد عنصرية البيض: كانوا مذعورين، ويعانون من أوهام الاضطهاد. لقد أصبح الاحتجاج ضد العنصرية خطيراً ولا يُنصَح به للأمريكيين من أصل أفريقي لأنهم قد ينتهي بهم المطاف بتشخيصهم وإدخالهم قسراً إلى المستشفى لتلقّي العلاج من اعتلال لم يكن كثير منهم مصابين به ). الصفحة ( 454 - 455 ).
11- ( … فقد وجد الباحثون، على سبيل المثال، أنّ الفصام أكثر انتشاراً في المملكة المتحدة بين الطبقة الاجتماعية الدنيا من الأشخاص البيض الأصليين ومجموعات المهاجرين السود. وهذا يدعم "فرضية التسبيب الاجتماعي" - فكرة مفادها أنّ العوامل الاجتماعية مشتركة بشكل سببي قوي في الاضطرابات الذهنية باختصار، تُعدّ الحالة الاقتصادية الاجتماعية المنخفضة وحالة المهاجرين مرتبطتين بتفسير الاضطرابات الذهنية ( على الرغم من أنهما غير مذكورتين في الـ DSM-5 ). وبما أنّ هذه العوامل تؤثر على الاستجابة - للأسباب في هذه المجموعات، فإنها ترتبط بتقييم المسؤولية ). الصفحة ( 484 ).
التعليقات