" نجاحك الوظيفي والمادي جزأ لا يتجزأ من كيانك وشخصك"

" إذا كنت تردين للناس الاعتراف بيكي وبنجاحك عليكي ان تمتلكي مهنة ذات دخل مرتفع " 

هذه نوعية من الجمل التي سوف تسمعها بعد تخرجك وبداية دخولك عالم الوظائف والتي اسمعها الي الان في الحقيقة بعد 5 سنين من تخرجي من الجامعة، البعض يقولها ظنآ منهم انها تشجيع للأفضل وآخرين يعتقدون ان قيمتك وقيمة حياتك مختزلة فقط في مهنة معينه أو وظيفة ، ولا انكر إني قضيت سنوات من حياتي اصدق هذا الكلام قبل التفكير فيه. 

جميعنا يعرف شخص او أشخاص وقد يكون انت هذا الشخص ، لا يجد معني لنفسه ولا أوقاته خارج العمل وان مستقبله المهني يأخد كل تفكيره ويستمد منه معرفته بنفسه وقيمته الذاتيه. 

فا المرأة الأم مثلا عندما تختار أن تقضي وقتها في المنزل لتربية الأطفال بدلا من العمل تعتريها تساؤلات عن معني حياتها وقيمة حياتها من حين لأخر ويظل المجتمع يقول لها بالفم المليان ان لا معني لما تفعليه وان كل تعبك مع اطفالك لا يسوي اي شئ وأنك مجرد (ست بيت)، اما من يهوي عمل أعمال فنية للهواية فقط بدون تحويلها إلي مشروع للتربح منه يضيع فرصة استثمار اعمالة دون اي استفادة. 

الموضوع للأسف ليس عبثيآ، نحن اليوم نعيش في منظومة كبيرة تفرض علينا قيمتنا الذاتية بأنجازاتنا التعليمية والوظيفية والمادية مبادئ الاقتصاد التي نعيشها اليوم تصور لنا ان كل ساعة في اليوم قابلة ان تكون فرصة لجني المال وتحقيق الذات، وان كل اوقاتنا مع الاهل والأصدقاء والاسترخاء قليلا او حتي ممارسة اي نشاط لا يعود علينا بعائد مادي فا هو طاقة مهدرة، بطريقة تجعل كل اوقاتنا الغير مرتبطة بالعمل والإنجاز او تطوير مهارتنا المهنية في حاجة مستمرة للتبرير وإلا اصبحت تضيع عمرك وايامك بدون فائدة،

فقد أصبح الغرض الأساسي لحياة الفرد الآن هو كيف يدير حياته كما لو كانت شركة تجارية وان يستثمر في ذاته من أجل الرفع من القيمة الاقتصادية (المربوطة لا إردايًا بالقيمة الذاتية)، وغدونا نسأل عن المهارات التي يجب أن نطورها لكي نتماشى مع طلب السوق، وكيف نستثمر أوقاتنا حتى نكون أكثر انتاجية، وكيف نختار التخصص الجامعي بناءاً على مستقبل السوق وهكذا. 

أصبحنا بشكل لا إرادي نربط كل ما نقوم به بقيمة اقتصادية. 

ولأن الاقتصاد أصبح هو العنصر الرئيسي في الحياة الذي يجب أن نسعى من خلاله إلى أي إنتاج ذا قيمة، فإنه من واجبنا كأشخاص صالحين أن نكون فاعلين في السوق و مع مرور الوقت أصبح لدينا إيمان قوي بأن عدم إنتاجنا لأشياء مادية أو عدم حصولنا على وظيفة ذات دخل عالي أو عدم حصولنا على وظيفة يجعلنا عبء على المجتمع لأننا نُشكّل أي قيمة سوقية. 

الفكرة هنا أن الوظيفة شئ جيد وجميل ونحن في ديننا مأجورون على العمل وكسب الرزق. الإخلاص والتفاني في العمل شيئان إيجابيان ولكن خلو المعنى أو تحول المعنى من أبعاد ذات قيم شخصية إنسانية إلى قيم اقتصادية غير إنسانية تسبب لنا الإحباط واليأس وفقدان القيمة لذواتنا. ولذلك عندما تتمحور حياة الفرد حول الوظيفة كمقياس وحيد للقيمة التي تختزل معناه، سرعان ما يفقد ذاته أو حتى القدرة على التعرف على أولوياته وأهدافه في الحياة. قد يكتشف الشخص أن قيمه قابلة للتحقيق من خلال الوظيفة وهذا أمر يقلل الكثير من الصراع النفسي ، أما إذا لم تكن هذه القيم الشخصية قابلة للتحقيق من خلال وظيفة فإنه قد يكون بالإمكان إيجاد التوازن بتخصيص طرق لجلب الرزق وتحقيق القيم الأخرى من خلال العلاقات أو الأعمال والهوايات والتطوع، والتي تضفي معنى للحياة وتزيد من قيم ذواتنا من غير دخل او على الأقل بدخل بسيط. 

في النهاية ، لابد من فهم الأسباب التي تجعلنا نربط قيمتنا لذواتنا بقيمة اقتصادية لان الوظيفة لا تدوم ويمكن ان تخسرها في ليلة وضحاها ولا يوجد اي شئ يدوم للأبد. يجب علي كل فرد منا إعادة النظر في قيمته الإنسانية الحقيقة.